الاحتلال والديكتاتورية صنوان لا ينفصلان

2024.08.29 | 06:38 دمشق

آخر تحديث: 29.08.2024 | 06:38 دمشق

41111111
+A
حجم الخط
-A

تجد القوى الخارجية عمومًا في النظام الديكتاتوري حليفًا حقيقيًا، حتى لو كان خصمًا ظاهرًا، بسبب شعور هذا النظام الدائم بالافتقار إلى الشرعية، وانعدام الثقة بشعبه، مما يجعله يرتمي في أحضان أي قوى خارجية تعده بالحماية وديمومة حكمه مقابل الاستجابة لمصالحها. وفي المقابل، يدرك النظام المستبد أن شعبه قد يخذله في مواجهة أي قوة خارجية بسبب معاناته معه وتطلعه للخلاص منه، ولو على يد قوى خارجية.

في هذه المساحة من عدم الثقة بين الحاكم المستبد وشعبه، تجد القوى الخارجية ضالتها، فتغذي الأحقاد ومشاعر السخط الداخلية على النظام من جهة، وتقدم الدعم المطلوب له لمواجهتها من جهة أخرى، مما يبقي البلاد في حالة ضعف وعدم استقرار، ويبقي النظام يتطلع دائمًا لتحالفات خارجية تعينه على مواجهة شعبه في حال نشبت ثورات أو اضطرابات داخلية ضده.

ومثل كل نظام ديكتاتوري يفتقر إلى الشرعية، اعتمد نظام الأسد في سوريا في مواجهة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت ضده عام 2011، على قوى خارجية ساعدته مقابل تأمين مصالحها. لكن اللاعب الخارجي الأبرز في سوريا خلال هذه الفترة لم يكن ظاهرًا في الصورة بشكل واضح، وظل يقوم بدوره في تثبيت حكم الأسد بعيدًا عن التدخل المباشر، من خلال التحكم بقرار دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة من جهة، مع غض نظر عن أدوار القوى الأخرى المتدخلة لصالح النظام من جهة أخرى، وهذا اللاعب هو إسرائيل.

الأنظمة الديكتاتورية ذات الحكم الأحادي القائم على العائلة أو الطائفة أو العسكر، هي حليف طبيعي ومنطقي لإسرائيل.

العلاقة بين الاحتلال الإسرائيلي ونظام الأسد قديمة ومترسخة، وهي نموذج حي للحالة التكاملية بين الجانبين، حيث يعتاش كل منهما على الآخر، في علاقة نفعية متبادلة ومستديمة منذ عقود، أي منذ سلم الأسد الأب الجولان السوري لإسرائيل مقابل وصوله إلى الحكم، وظل يقدم خدماته لإسرائيل طوال العقود التالية لضمان ديمومة حكمه وتوريثه لابنه من بعده.

خلال مجريات الأحداث في سوريا بعد عام 2011، لا يخفى على أي مراقب الخدمات التي قدمها كل جانب للجانب الآخر، حيث غضت إسرائيل الطرف عن تدخل ما يُفترض أنهم أعداؤها في المنطقة، أي إيران وحزب الله، من أجل إنقاذ حكم الأسد من السقوط. كما طلبت من الولايات المتحدة عدم عرقلة التدخل الروسي في سوريا للغرض نفسه. وهدفها واضح: عدم السماح بسقوط نظام الأسد، ولكن أيضًا عدم السماح بانتصاره الناجز، بما يبقي الوضع في سوريا على ما هو عليه اليوم، حيث البلاد مقسمة إلى مناطق نفوذ لقوى خارجية عدة، وحكم مركزي ضعيف لا ينشد سوى الحفاظ على كرسي الحكم. وهذه حالة مثالية لتأمين أمن إسرائيل، لأن سوريا قوية ومتماسكة، وبغض النظر عمن يحكمها، تظل مصدر قلق لإسرائيل.

وهو ما كان مع العراق أيضًا من قبل، حيث دفعت إسرائيل وأنصارها في أميركا الإدارة الأميركية عام 2003 لغزو العراق لإسقاط حكم صدام حسين، وفتح البلاد على حقبة مديدة من الاضطرابات والضعف والتشظي الداخلي، ما زال يعيش في ظلها حتى الآن.

وفضلاً عن هذه العلاقة الخاصة بين حكم الأسد وإسرائيل، فإن الأنظمة الديكتاتورية ذات الحكم الأحادي القائم على العائلة أو الطائفة أو العسكر، هي حليف طبيعي ومنطقي لإسرائيل. مثل هذه الأنظمة التي لم تصل إلى الحكم عبر أساليب ديمقراطية شرعية، تظل طوال الوقت تبحث عن الشرعية خارج الحدود، عبر تحالفات مع القوى الكبرى، وهي عادة الولايات المتحدة، التي ليس لديها في الحقيقة سياسة مستقلة في الشرق الأوسط، بل تخدم حرفيًا المصالح الإسرائيلية، خاصة منذ كفت واشنطن عن الاعتماد على نفط المنطقة، وباتت مكتفية ذاتيًا، وهي تسخر سياستها بالكامل لدعم إسرائيل، وحماية الأنظمة العربية التي ترضى عنها إسرائيل، فضلاً عما تسميه محاربة الإرهاب، وهو غالبًا يعني أي حركات غير رسمية تدعو لمحاربة إسرائيل.

إن تحرير الأراضي المحتلة لا يمكن أن يتم على أيدي أنظمة ديكتاتورية، ليس فقط لأن هذه الأنظمة معنية أكثر بتثبيت حكمها وليس بتحرير الأرض، بل لأن الشعوب التي تحكمها هذه الأنظمة غير قادرة على النهوض بهذه المهمة.

يقول الكاتب الإسرائيلي آلوف بن إن سياسة إسرائيل الإقليمية تقوم على "ترتيبات مع الجنرالات الديكتاتوريين العرب. لقد نُظر إلى سلطتهم على أنها حاجز طبيعي يقي إسرائيل من غضب الرعاع في الشارع العربي". ويحذر آلوف الولايات المتحدة من محاولاتها "الساذجة" لنشر الديمقراطية في المنطقة.

وبطبيعة الحال، مع وجود الأنظمة الديكتاتورية المنشغلة بمراقبة المجتمع وقمعه ومنع تفتحه، سيكون لدينا مجتمعات مضطربة محتقنة تسودها مشاعر السخط والنقمة، وتهدر فيها فرص التطور ويرسخ التخلف والفساد والفقر، وتفتقد عموماً لكل الأسس التي تقوم عليها الدول الحديثة، مما يبقي إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة القائمة على أسس من العلم والديمقراطية والقابلية للتطور.

ومن نافلة القول، إن تحرير الأراضي المحتلة لا يمكن أن يتم على أيدي أنظمة ديكتاتورية، ليس فقط لأن هذه الأنظمة معنية أكثر بتثبيت حكمها وليس بتحرير الأرض، بل لأن الشعوب التي تحكمها هذه الأنظمة غير قادرة على النهوض بهذه المهمة، بسبب ما تعانيه من ظلم، مما يفقدها أية حوافز وطنية للتضحية في سبيل الوطن، حيث تمازج في وعيها مفهوم الوطن مع النظام الحاكم، وهي غير مستعدة لتقديم تضحيات من أجل نظام يعمل طوال الوقت على قمعها وسرقة اللقمة من أفواه أولادها.

أما اليوم، فقد تخلت جميع الأنظمة العربية عن فكرة استعادة الأرض المحتلة، وباتت تعتبر ذلك ضربًا من الطوباوية والخيال، مما سمح ببروز حركات ومنظمات رفعت شعارات التحرير والمقاومة، مثل حزب الله وغيره، وهو ما شكل تمردًا على هذه الأنظمة التي حاربت هذه المنظمات بالقدر نفسه الذي تحاربها فيه إسرائيل، وهو ما أوقعها في حبال قوى أخرى (إيران) التي استغلت هذه الفجوة بين مشاعر الشعوب وسياسات الأنظمة، فقدمت الدعم لهذه المنظمات لتنفيذ مشاريعها للهيمنة والتحكم في المنطقة تحت شعارات محاربة إسرائيل.