رد على الصديق بسام يوسف
في مقالته المعنونة، حمّى المؤتمرات-عجز أم تأسيس لفعل، والمنشورة في موقع تلفزيون سوريا بتاريخ 7 / 9/ 2021، حاول الصديق بسام يوسف أن يشكك بجدوى كل تجمع أو مؤتمر يمكن أن يدعو إليه السوريون على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم.
ربما هو ينطلق (وهو محق في ذلك)، من التجربة الفاشلة لجميع المؤتمرات والاجتماعات التي تنطع لها القائمون على المعارضة السورية الرسمية ومن يدور في فلكهم، فالجميع يعلم مستوى الفشل الذي وصلت إليه المعارضة السورية الرسمية، ليس على صعيد تحمّل مسؤولياتها السياسية فحسب، بل على الصعيد الأخلاقي وزكمت الأنوف روائح الفساد الذي طال معظم، ولن أقول جميع، من شارك ويشارك في صفوفها.
تناول الصديق بسام مؤتمرين أو اجتماعين عُقدا مؤخراً، الأول تحت عنوان: استعادة القرار السوري، وقد تم في جنيف ودعا إليه السيد هيثم مناع واللواء محمد الحاج علي، والثاني عُقد في فيينا هو لمجموعة سورية تطلق على نفسها: مجلس المدونة السورية، وقد وضعت هذه المجموعة في وقت سابق، مدوّنة أطلقت عليها (مدونة سلوك لعيش سوري مشترك).
بعد أن اتهم الصديق بسام يوسف المشاركين في الاجتماعين بأن همّهم هو إنجاز وثائق مسبوكة بإتقان، وبأنهم يديرون ظهورهم ويتجاهلون الحقائق على الأرض، ذلك التجاهل الذي يؤدي حتماً إلى الفشل، قال إن تجاهل الحقائق جاء بسوء نية ولغايات غير بريئة، (هذا إذا افترضنا حسن النية، وافترضنا أن تجاهل الحقائق ليس لغايات غير بريئة).
وقام الصديق بسام بسرد اتهامات تطول الاجتماعين وغمز من قناة المشاركين بهما الذين جاؤوا بحسن نية أو غير ذلك. علماً أن لكل اجتماع منهما خصوصيته وأهدافه وآلية عمله، وهذا ما لم تتم الإشارة إليه في المقال المذكور، ربما لأن كاتب المقال لم ينتبه لذلك.
هنا، وباعتباري مشاركاً ومنذ مدة ليست قصيرة في اجتماعات مجلس المدونة السورية، اسمحوا لي أن أذكر لصديقي بسام، ولكم، ما أراه فرقاً بين الاجتماعين المذكورين، مع قليل من التركيز على اللقاء الذي كنت مشاركاً فيه في فيينا.
المؤتمر الأول والذي كان تحت عنوان استعادة القرار السوري، هو مؤتمر سياسي بامتياز، كانت جلسته في جنيف هي الجلسة الأولى، له أهداف وطريقة عمل خاصة به، وهو يختلف عن اجتماع فيينا حتى بطبيعة لقاء الأشخاص المؤتمرين فيه، ولست هنا في صدد الكلام عن هذا المؤتمر وتقييمه والنتائج التي آلت إليها جهود أصحابه أو ما حصل فيه، فهذا شأن يخص القائمين عليه فهم أقدر على فعل ذلك.
لكني في صدد الكلام عن الاجتماع الثاني، أو اللقاء الدوري لمجلس المدونة السورية، الذي عُقد في فيينا في بداية شهر أيلول، أقول الاجتماع الدوري، لأن المجلس ينعقد منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ويضم مجموعة من السوريين من الداخل السوري ومن الخارج. ولا أجد حرجاً من إدراج القول الذي اعتاده السوريون، بأن المشاركين في هذه الاجتماعات هم (من كل أطياف النسيج السوري)، لكن لكل منّا قصدٌ يعنيه من تعبير النسيج، فقد يراه البعض طوائف وعشائر وقوميات، وأنا أراه مواقف سياسية وفكرية.
وقد شعرت بالفعل، مع الاعتذار من الصديق بسام، أن الخلط بين الاجتماعين ليس بريئاً، فإن كان بريئاً، فذلك يعود على الأغلب لنقص في معلومات الصديق بسام، حول آلية عمل مجلس المدونة وأهدافه وحتى طبيعة الناس المشاركين فيه على مدار أكثر من ثلاث سنوات. الخلط بين مؤتمر له أهدافه السياسية الواضحة وبين لقاء دوري ينطلق من أساس وتراكم نقاشات وخلافات وصلت إلى حد (شد الشعر) كما يُقال، هو أمر يجانب الصواب، فالنقاشات في مجلس المدونة أفضت في النهاية إلى الاتفاق على أحد عشر بندا أو نقطة، بين سوريين يختلفون على الكثير من القضايا لكنهم أيضاً اكتشفوا أنهم أيضاً يجتمعون على الكثير من القضايا ومنها هذه النقاط الإحدى عشرة، ويرون أن هذه النقاط ربما تساعد على أن تكون أساساً لعيش سوري مشترك، ولمن لا تعجبه صيغة العيش المشترك، أقول إنها أيضاً لا تعجبنا، لكنها الحد المعقول الذي نطمح إليه في المدى المنظور، بعد أن أصبحت الثقة بين مكونات هذا الشعب أو تكاد تكون في خبر كان.
الحقيقة لا أعرف من أين جاء الصديق بسام بأننا ننطلق من فكرة انتصار النظام والتسويق لها!!! وشدّد إلى حد السخرية من فكرة لا غالب ولا مغلوب وهي أحد بنود المدونة وهي حرفياً: (الحرب السورية لا غالب فيها ولا مغلوب، وفيها خاسر وحيد هو الشعب السوري)، هل هذا البند، يذكر أن النظام انتصر ويجب التعامل مع الأمر من هذا المبدأ؟؟؟!
ثم من يقرأ المدونة يجد أن هذا البند يتحدث عن الشعب السوري وليس عن الأطراف المتحاربة، هؤلاء الذين جاء عنهم في المدونة أن: لا أحد بريء من الذنب ويجب محاسبتهم.
الحقيقة لسنا بحاجة إلى تذكيرنا من صديقي بسام يوسف أو من غيره، بجوهر الصراع في سوريا، فنحن ندرك تماما أننا أمام طاغية مدجج بالسلاح، ونعرف أيضاً الأطراف التي تريد تعويم النظام من جديد، ولسنا منهم قطعاً كما يقول، كما أننا نشد على كل يد تستطيع اقتلاع هذا النظام من جذوره، لكن نحن في مجلس المدونة نتعامل مع الواقع، ولا نسهم بتزوير الحقائق كما ورد في المقال، بل ننطلق من الممكن وما يمكن أن نستطيع فعله في ظل أسوأ كارثة شهدها العالم منذ الحرب العالية الثانية، أدت إلى تدهور كبير في ما بقي من الروابط الإنسانية والاجتماعية بين السوريين، كما أدت إلى استقطاب حاد بين مكونات الشعب السوري، أي باختصار أدت هذه الكارثة إلى انهيار ما بقي من السلم الأهلي الذي كان قائماً قبل سنوات الحرب.
إن عمل مجلس المدونة، هو محاولة إعادة تفعيل العلاقات والروابط وشبكات الأمان الاجتماعي والسلم الأهلي، وتعزيز التعاون والتضامن بين الأفراد والجماعات السورية، معتمدين في ذلك على أفراد وجماعات سورية لها وزنها الاجتماعي والديني والسياسي، ومن كل مكونات الشعب السوري.
شبكات الأمان هذه ليست مشروعا سياسيا، بل هي عمل مدني يهدف إلى تعزيز ثقافة السلم الأهلي.
طبعاً مجلس المدونة له موقع على شبكة الإنترنت وأيضاً له صفحة على الفيس بوك اسمها (سوريا11)، يتابعها نحو 75 ألف متابع، وكذلك على يوتيوب وتويتر، ويمكن لكل من يريد المزيد من المعلومات عن المدونة وأعضائها الدخول إلى الصفحة أو إلى موقع سوريا 11.
وفي النهاية أقول: بعض الاجتماعات لا تكون سريّة، لكنها تنأى بنفسها عن الاستعراض الإعلامي، ويصادف أنها تحصل من دون وجود أي نوع من أنواع المخابرات.