توفي رضيع عمره أربعة أشهر في أحد مراكز اللجوء بتير آبل في هولندا، بعد أيام على إعلان المجلس الهولندي للاجئين رفع دعوى على الحكومة بسبب معاملتها اللاإنسانية للقادمين الجدد.
السلطات الهولندية أعلنت بأن الوفاة حدثت في 25 آب 2022، وذكرت بأنهم سيحققون في سبب الوفاة، إلى جانب دراسة الظروف المعيشية في المخيم وفي قاعات الرياضة التي استخدمت في تير آبل كمأوى طارئ للاجئين.
إذ بوسع هذا المخيم أن يؤوي ألفي شخص، لكنه يحوي حالياً لاجئين قادمين من الصومال وسوريا وإيران وتركيا، وتؤكد حالة الوفاة المأساوية تلك على الأوضاع المتردية التي يعيشها اللاجئون الذين قدموا إلى هولندا، كما تعزز مخاوف المجلس الهولندي للاجئين حول المعاملة اللاإنسانية والقاسية التي يتعرض لها اللاجئون.
فشل حكومي في إدارة ملف اللجوء
بالحديث إلى الصحافة، أعلن وزير الداخلية الهولندي، إيريك فان دير بيرغ أن: "الطفل البالغ من العمر ثلاثة أشهر توفي في قاعة رياضية بتير آبل، وكما هي حال الجميع، أحس بصدمة بالغة إزاء ذلك الحدث الجلل"، أما فان دير ليندين من المجلس الهولندي للاجئين فقد صرح بأن هولندا لم تكن دولة لاإنسانية، "ولكن حكومتنا فشلت خلال السنوات الماضية".
وبحسب تقرير صدر مؤخراً عن المجلس الهولندي للاجئين، فإن مركز تير آبل أصبح مكتظاً بالناس لدرجة اضطر معها المئات من طالبي اللجوء، بينهم نساء حوامل، وأطفال، وأشخاص يعانون من أمراض مزمنة، للنوم خارج المركز، كما لم يحصل هؤلاء على الأغذية والمأوى أو حصلوا على قدر ضئيل من كل تلك الخدمات. وإضافة لذلك، زار فريق من منظمة أطباء بلا حدود المخيم وأبلغ عن وجود أشخاص يعانون من أمراض جلدية، وأضافوا بأن وضع الصرف الصحي صار مشكلة، وذلك "لعدم توفر حمامات وانعدام العناية بالمراحيض بشكل جيد".
ليست أزمة لجوء في هولندا
وقد سبق لهذا المجلس أن هدد في مطلع شهر تموز بأنه إن لم تقم الحكومة بالتحرك لحل وتحسين ظروف القادمين الجدد في غضون ثلاثة أسابيع، إلى جانب وعدها بمعاملة طالبي اللجوء بموجب أدنى الشروط القانونية، فإنه سيقوم برفع دعوى قضائية في مطلع شهر آب لإجبارها على التوصل لحل تلك الأزمة. كما ذكر المجلس أن: "الوضع تردى لما دون الحدود القانونية الإنسانية" وهذا ما أجبرهم على رفع الدعوى، إذ إن هذه ليست بأزمة لجوء بنظر هذا المجلس، وذلك لأن اللاجئين لم يتدفقوا بأعداد هائلة، بل إنها أزمة إدارية تسببت بها الحكومة عبر تخفيض الميزانية المخصصة لذلك وبسبب إغلاقها لمراكز اللاجئين. ومن المقرر لجلسة استماع حول تلك القضية أن تعقد في الخامس عشر من أيلول الجاري، حيث يطالب المجلس بتحسين ظروف ذلك المكان خلال مدة تنتهي في الأول من تشرين الأول، وتشمل تلك التحسينات الحصول على مياه نظيفة، وحمامات، ومراحيض، وما يكفي من الطعام والرعاية الصحية.
بموجب القانون الدولي، يتعين على الدول حماية الحقوق الأساسية لجميع الناس على أراضيها، بصرف النظر عن جنسياتهم أو وضعهم القانوني، وتختص المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه يتعين على الدول اتخاذ الإجراءات الكافية لتقديم الرعاية والحماية للفئات الأشد ضعفاً، مثل الأطفال وضحايا التعذيب والعنف والاتجار بالبشر، والأشخاص الذي يعانون من مشكلات صحية، وغيرهم ممن يتعرضون لظروف حساسة. وإن من تقدموا بطلب لجوء يعتبرون من الفئات الأشد ضعفاً، وذلك بعد هروبهم من دولهم بسبب أوضاع وظروف تعيسة إلى أبعد الحدود. فقد هرب معظم من طلبوا اللجوء في مخيم تير آبل من العنف وانتهاكات حقوق الإنسان والاتجار بالبشر. إذ ذكر أحد الأشخاص المقيمين في المخيم لرويترز وهو الشاب المراهق منصر محيي الدين بأنه هرب من الصومال بعدما قتل المقاتلون الإسلاميون معظم أفراد أسرته، كما توفي شقيقه وهو يحاول الوصول لأوروبا على متن قارب. وهذا يعني أن الأشخاص من أمثال منصر تشملهم المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، لأنهم مستضعفون وبحاجة لحماية. وإضافة لهؤلاء، وبموجب المادة الثالثة من الاتفاقية نفسها، يتم تصنيف الأطفال على أنهم من الفئات الأشد ضعفاً، ما يعني أن على الدول أن توفر لهم حماية ورعاية خاصة، وهذا يشمل وضع إجراءات منطقية لمنع تعرضهم لأي إساءة في التعامل. إلا أنه من الواضح بأن وفاة رضيع في الشهر الثالث من عمره في ظل ظروف مرعبة داخل مركز لجوء يؤكد بأن الحكومة الهولندية لا تفي بالتزاماتها التي تنص عليها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
ولهذا يتعين على الحكومة الهولندية أن تقر بتلك الالتزامات المنصوص عليها في هذه الاتفاقية وأن تعيد ترتيب أمورها بما يتوافق مع ذلك حتى تحمي الأفراد المستضعفين المقيمين في تلك المخيمات، فالأمر لا يتطلب أن يموت طفل وأن ترفع دعوى قضائية لترغم الحكومة على تقديم مأوى آمن مؤقت يتمتع بصرف صحي ملائم لمن هربوا من العنف والاضطهاد، ولهذا علينا أن نذكر الحكومة الهولندية بأن حقوق اللاجئين هي جزء من حقوق الإنسان، وبأن الوضع في تير آبل يجب أن يتحسن قبل أن يلفظ شخص آخر أنفاسه.
المصدر: منظمة السلام العالمي