ببضع نقرات، وقعت اللاجئة السورية روى العمور، 38 عاماً، وهي أم لطفلين يعيشون جميعاً شمال غربي الأردن، على أوراق تقضي بحصولهم على لقاح مجاني خلال هذا الشهر وذلك عبر منصة إلكترونية محلية. إذ بعد منح هؤلاء الذين بلغوا 65 فما فوق من العمر أولوية بالحصول على اللقاحات، أو من يعانون من ظروف صحية معينة، تقول روى لصحيفة واشنطن بوست إنها تنتظر رسالة نصية تفيد بموعد ومكان حصولها على اللقاح عندما يأتي دورها.
ومن بين ملايين اللاجئين في العالم، تبرز تجربة هذه المرأة، فالأردن من الدول القليلة التي بدأت بتلقيح اللاجئين مع بدء برامج التلقيح في البلاد. بيد أن الملايين استبعدوا من برامج التلقيح الوطنية في الدول المضيفة أو يواجهون عوائق في سبيل الحصول على اللقاح، وهذا لا بد أن يعرض الجميع للخطر في نهاية المطاف.
إذ من بين 133 دولة حصلت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين على معلومات حولها، هنالك 81 دولة استكملت وضع استراتيجيات وخطط التلقيح لديها، و54 دولة منها فقط أدرجت شروطاً صريحة وواضحة حول شمول تلك الخطط للسكان الذين تعنى بهم المفوضية، مثل اللاجئين وطالبي اللجوء وعديمي الجنسية والنازحين داخلياً.
في حين يحذر المدافعون عن اللاجئين بأن عدم شمول تلك الفئات المستضعفة من السكان، الذين يعيش معظمهم في أماكن مزدحمة في ظل ظروف غاية في الفقر، لا بد أن يقوض في نهاية الأمر جهود أي دولة في القضاء على فيروس كورونا. كما أن القانون الدولي يحتم على الدول المضيفة أن تضطلع بمسؤولية الرعاية الصحية للاجئين وطالبي اللجوء الموجودين ضمن حدودها، إلا أن هذه القاعدة تتعارض مع ما يطلبه البعض الذين يرون بأنه لا بد من تقديم المواطنين بالنسبة لموضوع اللقاحات وإعطائهم الأولوية قبل غيرهم.
وهنا يخبرنا ساجد مالك وهو مدير قسم التأقلم والحلول لدى المفوضية العليا للاجئين عندما سئل عن عدم كشف المفوضية عن أسماء تلك الدول، فيقول: "بالنسبة لتلك الدول التي لم تدرج اللاجئين ضمن مخططاتها، فإننا نحاول أن نتفهم مشكلاتها بشكل أفضل".
فهنالك دول لم تقم بإدراج فئات معينة من الناس ضمن حدود استجابتها لفيروس كورونا، ولهذا لم يتضح ما إذا تم إدراج اللاجئين بشكل افتراضي أم لا. وفي دول أخرى، قامت الحكومات بالإعلان عن ذلك صراحة، ففي شهر كانون الأول، أعلنت كولومبيا بأنها لن تقدم اللقاح لمئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين الفنزويليين عندما ستبدأ بطرح برنامجها في هذا المجال. بل حتى في الدول التي تحدد فيها بشكل نظري بأن جميع المقيمين سيتلقون اللقاح، قد يظل اللاجئون مستبعدين في حال عدم توثيق وضعهم أو تسجيلهم، أو في حال عدم قدرتهم على الوصول إلى الجهات التي تعمل على تقديم الرعاية الصحية بشكل آمن وواضح.
وقد ذكرت وكالة كوفاكس، التي تمثل برنامج التلقيح العالمي التابع لمنظمة الصحة العالمية والمختص بضمان توزيع أكثر عدلاً للقاحات، بأنها تعمل على وضع "حاجز للطوارئ"، من شأنه تخصيص 5% من الجرعات المتوفرة لأغراض إنسانية وطارئة. كما أعلنت المفوضية العليا للاجئين بأن الدول ذات الدخل المتدني أو المتوسط هي التي تستضيف غالبية اللاجئين.
كما ذكرت كاثرين ماهوني الناطقة الرسمية باسم المفوضية عبر رسالة إلكترونية بأن: "المبدأ يقوم على أن يعمل هذا الحاجز على تأمين اللقاح للدول التي تم فيها استبعاد المقيمين المتضررين على الصعيد الإنساني ويشمل ذلك اللاجئين وطالبي اللجوء وعديمي الجنسية من برامج التطعيم الوطنية وذلك لضمان الوصول إلى تلك الفئات".
وذكر الناطق باسم وكالة غافي التي تعمل على تأمين اللقاح بالتعاون مع كوفاكس بأن التفاصيل ما تزال قيد النقاش، وبأن المجلس سيصوت عليها في المستقبل القريب على حد تعبيره.
هذا ولقد أدرجت دول أخرى اللاجئين ضمن حساباتها منذ البداية، فألمانيا التي استقبلت أكثر من مليون لاجئ خلال أزمة الهجرة، صنفت من يعيش أو يعمل في مرافق مخصصة للاجئين أو المشردين ضمن الفئة الثانية التي لها الأولوية والأسبقية ضمن استراتيجية التطعيم في تلك البلاد.
إلا أن بعض الجاليات المهمشة لا تدري إن كانت ضمن تلك الحسابات أم لا، ففي الوقت الذي هرعت فيه إسرائيل لتلقيح مواطنيها، تخبرنا زوي غوتزيت مديرة برنامج المهاجرين واللاجئين ضمن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، بأن الحكومة تسير ببطء نحو إيجاد بديل بالنسبة لـ30 ألف طالب لجوء أفريقي لا يمكنهم الحصول على الموارد المخصصة للقطاع الصحي في البلاد والتي تعمل على توزيع اللقاحات. أما في اليونان، حيث تقطعت السبل بعشرات الآلاف من الناس ضمن مخيمات مزدحمة أقيمت في الجزر اليونانية، إلى جانب مراكز الإقامة في البر الرئيسي، فترى منظمات إغاثية بأن اللاجئين الذين يعيشون في ظل ظروف تزيد من احتمال إصابتهم بكورونا لا بد من إعطائهم الأولوية وتقديمهم على غيرهم.
وعندما بدأت الأردن ببرنامج التطعيم في منتصف شهر كانون الثاني، أصبحت من بين أوائل الدول التي تقوم بتلقيح اللاجئين وطالبي اللجوء إلى جانب مواطنيها عموماً، وذلك بحسب ما أوردته مفوضية اللاجئين. إذ تؤوي الأردن نحو 1.3 مليون سوري، منهم 660 ألفا مسجلون بشكل رسمي لدى الأمم المتحدة. كما لدى الأردن جالية كبيرة من اللاجئين العراقيين والفلسطينيين، بالإضافة إلى القادمين من دول أخرى.
وبالعودة إلى السيدة روى فقد عرفنا أنها نزحت من مدينتها الأم درعا بسوريا، ثم وصلت إلى الأردن في عام 2012. وتخبرنا تلك المرأة التي تخرجت في جامعة دمشق بأنها لم تتمكن من إيجاد عمل يناسبها. وبالرغم من أن نسبة الإصابات المؤكدة تعتبر قليلة نسبياً، فإن الأردن طبقت قيوداً صارمة لمنع انتشار العدوى، بالرغم من الضرر الاقتصادي الكبير الذي لحق بعجلة الاقتصاد الذي يعاني بالأصل.
وتخبرنا السيدة روى فتقول: "سواء أكنت سورياً أم فلسطينياً أم عراقياً أم أردنياً، فقد بذلت الأردن كل ما لديها للسيطرة على الفيروس ولحماية الناس".
إلا أن شمول اللاجئين بتلك البرامج لم يتأكد بعد، لا سيما بالنسبة للاجئين الذين لا يحملون الإقامة القانونية، والذين قد يخشون أن ينبهوا الحكومة إلى وضعهم ناهيك عن عدم قدرتهم على الحصول على الرعاية الصحية. بيد أن دعم شمول اللاجئين أتى منذ البداية من قبل القيادة العليا، ففي يوم الخميس الماضي، أعلن ملك الأردن عبد الله الثاني في لقاء عقده المنتدى الاقتصادي العالمي بأن: "حماية صحة وسلامة اللاجئين مسؤولية عالمية"، بحسب ما نقلته وكالة رويترز.
إلا أن هذا التوجه الرسمي لم يبد كل تلك المودة تجاه اللاجئين في دول أخرى ضمن تلك المنطقة، مثل ما حدث في تركيا ولبنان، اللتين تؤويان أكبر نسبة من اللاجئين السوريين. إذ أصدرت كلتا الدولتين إرشادات بالنسبة للقاح تتعهد بتقديم اللقاح للجميع، باستثناء من لا يحملون جنسية البلاد. كما أن الحكومة في كلتا الدولتين لم تضع برنامجاً يحدد شروطاً لوصول عمليات التلقيح للاجئين. ثم إن غالبية السوريين في لبنان وضعهم غير قانوني، ولم تحدد الحكومة ما إذا كان اللاجئون الذين يسعون للحصول على اللقاح سيتعرضون لتبعات من جراء ذلك.
بيد أن أغلب السوريين في الأردن يعيشون في فقر داخل المدن، وعشرات الآلاف منهم يعيشون في مخيمات اللجوء في مناطق معزولة داخل تلك الدولة. وهنا يحدثنا أحمد زغول وهو المنسق الصحي لدى المنظمة الطبية الدولية ومقرها لوس أنجلوس والتي تعمل في أكبر مخيمين في الأردن وهما الزعتري وأزرق، فيخبرنا بأن المقيمين المعزولين لم يتم إبلاغهم أو تلقوا معلومات مغلوطة حول الفيروس واللقاح.
ففي مخيم أزرق الذي يؤوي 36 ألف سوري، تواصلت تلك المنظمة مع نحو 3.700 شخص يحققون المعايير التي وضعتها البلاد بالنسبة للفئات الأولى المؤهلة للحصول على اللقاح، وذلك نظراً لسنهم والمشكلات الصحية التي يعانون منها. فاستجاب منهم نحو 56% ممن اهتموا بأمر اللقاح بحسب ما ذكر السيد زغول. ولهذا أجرت المنظمة جلسات لتثقيف الناس وتعليمهم حول اللقاح ولمساعدتهم في البحث عن البوابة الخاصة بذلك عبر الشابكة.
وتتوقع تلك المنظمة افتتاح عيادات مخصصة للتلقيح، بالتنسيق مع وزارة الصحة، وذلك في مخيمي الزعتري وأزرق خلال الأسابيع القادمة. وفي الوقت ذاته، ساعدت تلك المنظمة في نقل اللاجئين إلى المدن من أجل تلقي اللقاح هناك. وابتداء من أواخر كانون الثاني، تلقى قرابة 200 شخص من مخيم الزعتري، الذي يؤوي 80 ألف لاجئ، وسبعة أشخاص من مخيم أزرق، جرعة من ذلك اللقاح بحسب ما ذكر السيد زغول.
أما في اليونان، فقد ذكر السيد أبوستولوس فيزيس المسؤول الصحي الإقليمي لدى منظمة أطباء بلا حدود، بأن الحكومة أعلنت أنها ستدرج اللاجئين وطالبي اللجوء ضمن برنامج التلقيح، دون أن تدلي بأية توضيحات أو تأكيدات أخرى.
ثم إن أغلب اللاجئين في اليونان من فئة الشباب وأتوا من أفغانستان وسوريا والصومال التي ما تزال النزاعات دائرة فيها. إلا أن الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات لجوء مزدحمة ضمن الجزر اليونانية يرتفع احتمال إصابتهم بكوفيد- 19 ثلاثة أضعاف مقارنة بعموم الشعب اليوناني، كما يزيد خطر إصابة من يعيشون في المخيمات وفي أماكن الإقامة الموجودة في البر اليوناني بنسبة 2.5 مرة بحسب ما ذكره السيد فيزيس. كما أن عزل حياة المخيم كان له تبعات على الصحة العقلية والجسدية، مما يزيد من احتمال ظهور مشكلات صحية بحسب رأيه. ففي شهر أيلول الماضي، تسبب حريق بتدمير أكبر مخيم للاجئين هناك، ألا وهو مخيم موريا الذي أقيم في جزيرة ليسبوس، ما أدى إلى نزوح نحو 12.500 شخص.
ويعلق السيد فيزيس على ذلك بالقول: "لسوء الحظ ظل هؤلاء الناس يعتبرون مجرد أرقام لا بشراً طوال السنوات الماضية".
المصدر: واشنطن بوست