قبل أيام اعتدى عنصر ينتمي لفصيل منضوٍ تحت راية فصيل يعمل في فصيل أكبر منضوٍ هو الآخر تحت راية الجيش الوطني، اعتدى هذا العنصر على كادر جامعة شام لأنه لم ينجح باختبارات الجامعة! إدانات كثيرة خرجت من جهات رسمية ومؤسسات تعليمية وحقوقية وعسكرية تستنكر هذا الفعل المشين وهي إدانات محقة لكنها كانت منقوصة لأنها لم تشر إلى لب المشكلة وركزت على تفصيل صغير، لا أقصد هنا أن ما حدث تفصيل صغير لكن هذا الاعتداء لم يكن الأول على مؤسسات تعمل في الشمال السوري ولن يكون الأخير لأن مسببات حدوثه قائمة ويأتي في مقدمتها غياب المرجعيات والجهات التي يجب عليها القيام بضبط الوضع الأمني.
هذا الطالب والذي استنفد سنواته في الجامعة رغم حصوله على استثناءات سابقة لكنه كان يعتقد ولمجرد أن في يده بارودة يستطيع إرهاب الجامعة وإجبارها على منحه سنوات إضافية وربما كان يريد أن ينجح من دون حتى أن يقدم الامتحانات المطلوبة، لم لا وهو يشاهد كل هذه الفوضى من حوله؟ هذا العنصر-الطالب هو بشكل ما ضحية لكل هذا الانفلات الأمني وغياب القضاء وسلطة قوية واحدة تضبط الوضع الأمني الذي بات كابوساً يؤرق المدنيين في عموم الشمال وأيضا هو عامل منفر للاستقرار ولرؤوس الأموال التي تنوي العمل على مشاريع اقتصادية كبرى تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي وتشغيل العمالة في الشمال مع ازدياد البطالة في منطقة جغرافية تكاد تخنق كل من فيها بسبب كل هذا التيه الإداري والفوضى الأمنية.
سبق هذا الاعتداء على جامعة شام اعتداء من نوع آخر على جامعة حلب بعد أن قام وفد مشيخي من الأوقاف بزيارة تفتيشية للجامعة! هذا الوفد والذي تصرف كأنه هيئة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر كالتي كانت في السعودية وأهان الحرم الجامعي وقدسية الجامعة ومكانتها، والصادم في الأمر هو تجاوب رئاسة الجامعة مع هذا التصرف وبدت الجامعة ضعيفة مستكينة أمام الوفد وكأنها تعتذر منه لكن عن ماذا؟ لم يكن أحد ليتصور بعد عقد على تخليص المنطقة من النظام أن نخوض مثل هذه النقاشات كنقاش الاختلاط في الجامعة والعياذ بالله وكأن جامعاتنا لم تكن منذ نشأتها بما فيها كلية الشريعة تحتوي على قاعات يدرس فيها الطلاب والطالبات معاً!.
وكأن جامعاتنا لم تكن منذ نشأتها بما فيها كلية الشريعة تحتوي على قاعات يدرس فيها الطلاب والطالبات معاً
هذه التفاهة في الطرح تدل على تفاهة من قام به وعجزه عن تقديم أي شيء مفيد للمنطقة والمجتمع فراح ينبش عن توافه الأمور للبحث عن انتصار وهمي في قضية لم تكن يوماً قضية رئيسية لدى المجتمع السوري بكل أطيافه. كان الأجدى بهذا الوفد أن يركز جهوده لأجل أن يحصل طلاب الجامعة على الاعتراف بشهاداتهم لأن هذه المعضلة تؤرق الخريجين، ولو أنه حقا تهمه مصلحة الناس لاهتم أكثر بالقضايا الكبرى، هل قام هذا الوفد مثلاً بالمطالبة بمحاسبة قتلة الناشط محمد غنوم وهل سأل عن مصير العشرات من القضايا المشابهة من جرائم قتل وخطف ونهب وسلب تحصل بشكل متواتر من دون رادع؟.
الواقع التعليمي في الشمال كارثي لاعتبارات كثيرة وأهمها بما يتعلق بمشكلة الاعتراف بالشهادات فآلاف الطلاب يواجهون مصيرا غامضا بسبب تعدد الجهات والمرجعيات فهناك جامعات تتبع للحكومة المؤقتة وهناك جامعات تركية لا سلطة للمؤقتة عليها وهناك جامعات خاصة جزء منها لا يمكن أن نسيمه سوى "دكانة" تبيع الوهم، ولهذا الواقع مسببات كثيرة لكن أن يأتي وفد لجامعة حلب ليزيد من معاناة الجامعة التي تغص قاعاتها بنحو عشرة آلاف طالب عبر انتهاك حرمتها وقدسيتها فهذا أمر مرفوض ولا يمكن القبول به والسكوت عنه، وكان الأجدى برئاسة الجامعة أن تضع له حدا وتمنعه من هذا الفعل المشين، لكن ما صدر عن رئاسة الجامعة وتماهيها مع هذا الوفد عبر اعتبار أن الثورة خرجت لمنع الاختلاط يجب أن تحاسب عليه ويبدو أن اسم جامعة حلب التي تأسست أول مرة عام 1924 بعد قرار إنشاء كلية عليا للهندسة أكبر من الرئاسة الحالية للجامعة الموجودة في اعزاز، من لا يستطيع تحمل المسؤولية والدفاع عن الجامعة في وجه هذا الاعتداء ومن لا يقيم وزنا للحرم الجامعي والذي طالما كان مكاناً للنضال والحراك السياسي لا يجب أن يبقى في منصبه، اللغة التي كتب بها الوفد المشيخي بيانه تعيدنا لنقاشات بداية الثورة حين كانت المزاودات الجهادية على أشدها وحين كان الجميع ينهش في لحم الجيش الحر لأنه يتبنى علم الثورة وشعارات وطنية جامعة ويجب علينا جميعا الوقوف في وجه مثل هذه المحاولات التي تنسف أي جهد لأن تكون مؤسساتنا الثورية تعبيرا أمثل عن أهداف الثورة.