تشهد العاصمة الألمانية برلين اليوم اجتماعاً جديداً يضم قادة الائتلاف الحاكم في ألمانيا، المعروف بتحالف "إشارة المرور"، والمكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (FDP). ويأتي هذا اللقاء الحاسم في إطار سلسلة من المحادثات الهادفة إلى معالجة الخلافات العميقة حول التوجهات الاقتصادية والمالية للحكومة الألمانية، وسط تصاعد التوترات الداخلية في ظل تباين رؤى الأطراف الثلاثة.
يقود الاجتماع كل من المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي يمثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ووزير الاقتصاد روبرت هابيك، العضو البارز في حزب الخضر، بالإضافة إلى وزير المالية كريستيان ليندنر، زعيم الحزب الديمقراطي الحر. كان القادة الثلاثة قد أجروا عدة محادثات في الأيام الماضية بهدف تضييق الهوة بين مواقفهم حول السياسات المالية التي من شأنها رسم مستقبل الاقتصاد الألماني.
في تصريح له يوم أمس، أعرب شولتس عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق، مؤكداً إيمانه بقدرة التحالف الحاكم على تجاوز الخلافات والتوصل إلى حل يعكس تطلعات الشعب الألماني.
وأضاف أن الحكومة تعمل في ظروف اقتصادية صعبة، خصوصاً في ظل تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم الذي يضغط على الأسر والشركات في البلاد. ومع ذلك، أشار شولتس إلى أن وجود التحالف على طاولة المفاوضات يعكس التزام الأطراف الثلاثة بمسؤولياتها أمام الشعب الألماني.
ومع استمرار المحادثات، وجه وزير الاقتصاد روبرت هابيك انتقادات لاذعة إلى ورق العمل التي أعدّها وزير المالية كريستيان ليندنر، مشيراً إلى أنها تفتقر إلى العناصر الضرورية لتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية المناخ، وهما من القضايا الأساسية التي تتبناها رؤية حزب الخضر.
وأوضح هابيك أن ألمانيا لا يمكنها تحقيق نمو اقتصادي مستدام إذا لم تأخذ بعين الاعتبار التحديات البيئية المتزايدة، داعياً إلى سياسات مالية تُشجع على الاستثمار في الطاقة المتجددة والتحول الأخضر للاقتصاد. كما أضاف أن السياسة المالية يجب أن تتضمن برامج لدعم الفئات الأكثر تضرراً من الأزمات الاقتصادية.
وفي المقابل، يرى كريستيان ليندنر أن الأولوية يجب أن تكون لتحقيق الاستقرار المالي وتجنب الدخول في ديون جديدة من شأنها أن تضعف الاقتصاد على المدى الطويل. ويؤكد وزير المالية على أهمية اتباع سياسات تقشفية لضبط النفقات العامة وتجنب الإفراط في الإنفاق، مشيراً إلى أن ألمانيا بحاجة إلى سياسات اقتصادية أكثر انضباطاً لتجنب المخاطر المالية المستقبلية.
وتدور الخلافات الأساسية بين الأطراف الثلاثة حول كيفية تحقيق التوازن بين الإنفاق العام الهادف إلى دعم الفئات الاجتماعية الأقل دخلاً وحماية البيئة، وبين السياسات التقشفية التي يراها حزب الديمقراطي الحر ضرورية للحفاظ على استقرار الاقتصاد. كما تبرز قضية تمويل مشاريع التحول الأخضر وتكاليف التغير المناخي كأحد أبرز نقاط الخلاف، إذ يرى حزب الخضر ضرورة الاستثمار الكبير في هذه المجالات لتحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد، بينما يتحفظ الحزب الديمقراطي الحر على الإنفاق الكبير دون تأمين مصادر تمويل ثابتة.
ومع مرور الوقت، تزداد الضغوط على الائتلاف الحاكم للتوصل إلى اتفاق يضمن الاستقرار الداخلي للحكومة وقدرتها على تنفيذ سياساتها الاقتصادية في المرحلة القادمة.
وتراقب الأوساط الاقتصادية والسياسية داخل ألمانيا وخارجها هذه المحادثات بترقب شديد، حيث يعتبر نجاح أو فشل الائتلاف في تجاوز هذه الأزمة مؤشراً على استقراره واستمراريته.