بداية لابد من القول إن مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" هو حدث بالغ الأهمية في مسار الدراما السورية، وربما العربية، وتأتي هذه الأهمية لأنه - وربما لأول مرة - يتصدى عمل فني تلفزيوني لمهمة تناول سلطة طاغية في عالمنا العربي بالصميم، وبلا مواربة وهي ما تزال في موقع السلطة، هذا الاختراق لمحظور عربي راسخ وقوي ومدجج بمئات السجون وبعشرات الجيوش وبأجهزة أمنية متوحشة هو حدث يستحق الإشادة.
كان من الطبيعي أن ينشغل السوريون بهذا المسلسل خلال عرضه، وسينشغلون به بعد عرضه، ومن الطبيعي أيضا أن يختلفوا حوله، وألا يستطيع عدد كبير منهم انتظار نهايته لإبداء آرائهم، فالمأساة السورية ما تزال حاضرة في ثواني حياتهم اليومية، وهم في خضم تفاصيل هذه المأساة إنما يريدون لكل مشهد أن يقول مأساتهم، وأن يكون صرختهم في وجه هذه المأساة، والأهم أنهم لا يقبلون من مسلسل تلفزيوني أقل من أن يسحق قتلتهم ومن تسببوا لهم بكل هذا القهر الذي يتجرعونه كل يوم، وعندما يتهمونه فلأنه لم يصرخ صرختهم التي حددوها له.
أيضاً لا بد من القول إنه وبغض النظر عن وظيفة الفن، وأساليبه، وطريقة تناوله لأي فكرة أو حدث، فإنه بالتأكيد يتفارق عن السياسة ودورها وآليات عملها و..الخ، إلا أن الرافعة الأساسية لهذا المسلسل تمثلت في أنه كان يشاهد بعين السياسة، وأنه مهما حاولنا الفصل بين السياسة والفن – في المسلسل - فإننا لن نستطيع، وبالتأكيد فإن عدم الفصل كان حاضرا وسيظل في مواقف الأشخاص منه وطريقة تناولهم له.
سأوجز نقاط القوة لهذا المسلسل بثلاث نقاط:
الأولى والأهم هي موضوعه، فتحطيم المحظورات هو دائما محط اهتمام شديد في الدين أو السياسة أو الثقافة وبالتالي الفن على اختلاف أنواعه.
معظم – إن لم يكن كل - ممثلي الصف الأول مصنفون ضمن ما يسمى "المعارضة" السورية، وهذا يضفي على المسلسل وجها آخر
الثانية الأسماء التي صنعت هذا العمل، بدءا من كاتب السيناريو "سامر رضوان" الذي أصبح بجدارة اسما له حضوره المميز كسيناريست مبدع وجريء، ووصولا إلى الفنانين الذين جسدوا شخصيات المسلسل، فهم ممثلون معروفون ولهم حضورهم الراسخ في الدراما السورية، وشكّل حضورهم قوة إضافية مهمة لهذا المسلسل، وإن كانت بعض الأسماء معروفة جيدا مثل مكسيم خليل، والأخوين قطيفان، وعزة البحرة، وسوسن أرشيد، ومي علي، ومازن الناطور، لكن ما قام به الفنان غطفان غنوم كان استثنائيا بحق. وما قام به الفنانون الآخرون مثل نوار بلبل ومحمد الأحمد وكمال البني ومرح جبر أيضا كان عاملا مهما في قوة المسلسل.
الثالثة هي أن معظم – إن لم يكن كل - ممثلي الصف الأول مصنفون ضمن ما يسمى "المعارضة" السورية، وهذا يضفي على المسلسل وجها آخر، فالممثلون ليسوا محايدين حيال ما يحدث في سوريا، وبالتالي هم جزء من المواجهة المحتدمة بين الشعب السوري والنظام السوري، وإن كانت هذه النقطة بوابة لمعظم النقد والاتهام والتبخيس الذي تعرض له المسلسل من قبل من يعتبرون أنفسهم من اللون السياسي المختلف إلا أنها كانت عاملا بالغ الأهمية في إعطاء المسلسل قوة إضافية.
في جانب آخر، كان للمسلسل نقاط ضعف عديدة، وكان الإخراج أهمها، ورغم أن هذا الانتقاد يجب أن يقال من قبل اختصاصين وناقدين إلا أنه كان واضحا حتى للمشاهدين العاديين، ويمكن الحديث مطولا عن تفاصيل كثيرة في هذا المجال، لكن بالتأكيد لن يكون هذا في مقال رأي محدود، وقد يكون من الظلم تجاهل أن هناك ثغرات كثيرة في الإخراج يمكن ردها لأسباب خارجة عن إمكانية المخرج، مثل ضعف التمويل الذي قد يكون ألزم المخرج بحلول إخراجية ليست مقنعة لكنها كانت الوحيدة المتاحة، فمعظم المشاهد الخارجية التي تطلبت كومبارسا أكبر وتفاصيل مشهدية أقوى صورت على نحو ضعيف وغير مقنع.
ومن نقاط ضعف المسلسل الأخرى والتي قد تكون مبررة إلى حد ما هو أن البيئة التي صور فيها المسلسل لم تكن مساعدة، لا بل ربما كانت معيقة، وهذا ما ألقى بظلاله على مجمل تفاصيل العمل، وربما أرهق المخرج والجهة المنتجة والمنفذة، وكذلك العاملين والفنانين، والسؤال الواجب طرحه هنا يتعلق بمدى امتلاك المخرج لخيارات أخرى، خصوصا أن عملا إشكاليا، وساخنا، مثل "ابتسم أيها الجنرال" قد يفرض قيودا على اختيار مواقع التصوير، فهل كان المخرج أمام خيارات محدودة في اختيار المواقع؟
أيضا في معرض نقاط الضعف يمكن القول إن الكثير من المشاهد التي قام بها ممثلون ثانويون، كانت بالغة الضعف، وظهروا فيها كما لو أنهم هواة ولا علاقة لهم بالتمثيل، وهذه علامة مهمة من علامات ضعف المسلسل، فالتفاصيل الصغيرة التي تبدو غير ذات أهمية في سياق الخط الدرامي الأساسي للعمل قادرة بضعفها على إسقاط العمل مهما كان قويا في جوانبه الأخرى.
إن مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" سيشكل بحق عتبة جديدة للدراما السورية والعربية
بقي أن أشير في معرض الحديث عن نقاط الضعف أن النص بدا متعثرا في بعض المفاصل، فهل كان سبب هذا التعثر في النص أصلا، أم أن ضرورة الإخراج وظروف العمل ككل هي من تسببت بحلول غير مقنعة، هذا يتطلب معرفة بمجمل الظروف المحيطة بالعمل، لكن غياب هذه المعرفة لا يحجب الحق عن النقد، ولا عن التقييم، فالمشاهد ليس مطالبا بالبحث عن الأعذار، وهو – أي المشاهد - على الأغلب ديكتاتور نزق ومتغطرس وسليط ويريد الأمور كما يريدها بلا عيب أو نقصان.
أخيرا يصح القول كثيرا إن مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" سيشكل بحق عتبة جديدة للدراما السورية والعربية، فهو عدا عن كونه افتتح الاستثمار في أرض بكر ما تزال مغلقة لكنها شديدة الغنى والإمكانات، هو أيضا فرض مستوى من جودة العمل والجرأة والمستوى الفني سيفرض على كل الأعمال القادمة في هذه الأرض البكر محاولة تجاوزه، لأن المعايير الأهم لأي عمل فني أو غير فني إنما تشكل خطوته الأولى معيارا أساسيا لما يأتي لاحقا.