احتشدت مجموعات من المهاجرين في محطة مدينة كاليه بانتظار لحظة الانطلاق التي يحددها مهربو البشر لتقلّهم قوارب مطاطية صغيرة في محاولة للوصول إلى بريطانيا بحثاً عن حياة أفضل.
كان من بين تلك المجموعات فتى في السادسة عشر من عمره ذكر بأن والده في سوريا جمع عشرة آلاف جنيه إسترليني ليؤمن له مكاناً على متن قارب ينقله إلى المملكة المتحدة حيث يمكنه أن يدرس ليصبح طبيباً في يوم من الأيام.
وذكر لنا ذلك الفتى بأنه خائف قليلاً بعد غرق 27 شخصاً حاولوا العبور في اليوم الماضي، إلا أن أباه يريده أن يجد لنفسه حياة أفضل، وعندما سئل إن كان والده يعلم بأن القارب سيقلّه، أجاب: "نعم".
كان ذلك الفتى برفقة خمسة شباب سوريين، قرر أحدهم يومها بأنه لن يحاول العبور مجدداً بعد هذا اليوم، إذ ذكر حمادة (29 عاماً) بأنه يعرف شخصين ممن كانا على متن المركب الذي غرق قبل يوم، حيث قال: "عندما رأيت ما حدث البارحة، قلت لنفسي: حسناً لا أريد أن أذهب لأني خائف".
ويخبرنا هذا الشاب بأنه حاول أن يقنع الفتى بالعودة إلى ألمانيا برفقته، إلا أن الفتى أخبره بأنه لا يحب ألمانيا!
وعندما سئل عن سبب مغادرته لسوريا، رد حمادة بأنها "مخيفة" أكثر من عبور بحر المانش بقارب، كما قال: "أعرف أن الأمر خطير، ولكن الخوف لن يستمر أكثر من يوم واحد، أما في سوريا فالخوف مستمر كل يوم، إذ إنك تحس بالخوف طوال الوقت كل يوم في سوريا".
يتعرض المهاجرون الذين يعبرون بحر المانش بقوارب صغيرة لظروف مرعبة، تجعل حتى صيادي السمك لأغراض تجارية يهابون خوض غمار تلك المخاطرة.
فلقد لقي 27 شخصاً بينهم امرأة حامل مع طفلها، حتفهم قبل يوم، وذلك عندما غرق في بحر المانش زورقهم الذي وصفه مسؤولو الإنقاذ بأنه: "مصيدة عائمة للموت" والذي يتسع لعشرة أشخاص، فلم ينج منهم سوى شخصين اثنين فقط.
كما أكدت الشرطة اليوم بأنه تم العثور على رجل على شاطئ يقع بين كاليه وسانغات في فرنسا، إلا أنه لم يعرف بعد ما إذا كانت لهذا الرجل أي صلة بالمأساة التي وقعت قبل ليلة.
في حين أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل اليوم بأنه لا يوجد "حل سريع" لمعالجة هذه المشكلة.
يذكر أن فرنسا طلبت مزيدا من المساعدة في هذا السياق، في الوقت الذي قام فيه العشرات بالعبور في تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر عقب أكثر يوم دموي في تلك الأزمة، إذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه طلب "مزيدا من المساعدة" من قبل المملكة المتحدة.
كما كشفت السلطات البريطانية بأن نساء حوامل وأطفالاً كانوا بين الأشخاص السبعة والعشرين الذين غرقوا عندما انقلب القارب بهم قبالة سواحل كاليه.
وذكرت الوزيرة باتيل بأن حالات الغرق كانت "صدمة مريعة" ووصفت عمليات العبور بأنها "غير ضرورية على الإطلاق" بعد عرض فكرة إرسال ضباط بريطانيين من جديد للمشاركة في دوريات الحراسة على الشواطئ الفرنسية وذلك في مكالمة هاتفية مع وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين.
إلا أن حجم الكارثة يتضح من خلال الأعداد الجديدة لطلبات اللجوء في المملكة المتحدة التي كشفت عنها وزارة الداخلية البريطانية والتي وصلت لأعلى مستوى لها منذ نحو 20 عاماً، وذلك بسبب ارتفاع عدد عمليات العبور للمهاجرين عبر بحر المانش، إلى جانب زيادة عدد طالبي اللجوء عقب تفشي جائحة فيروس كورونا.
وفي تصريح عاجل لمجلس النواب، ذكرت الوزيرة باتيل ما يلي: "ما حدث البارحة شكل صدمة مريعة، لم تكن تلك مفاجأة بقدر ما كانت تذكيراً لنا بمدى المخاطرة التي يتعرض لها الضعفاء على يد عصابات إجرامية.. كما لا يوجد حل سريع للمشكلة، لأن الأمر يتصل بمعالجة عوامل الجذب على المدى الطويل، وتفكيك العصابات الإجرامية التي تتعامل مع البشر وكأنهم بضائع للشحن، إلى جانب معالجة سلاسل التوريد".
وبعدما أوضحت بأن رئيس الوزراء قدم العرض نفسه في مكالمة عاجلة مع الرئيس ماكرون، ذكرت السيدة باتيل بأنها قدمت عرضاً بغاية الوضوح لنظيرها الفرنسي يقوم من خلاله ضباط بريطانيون بالمشاركة في "دوريات مشتركة" لمنع قيام تلك الرحلات الخطرة.
إلا أن نائب البرلمان الفرنسي الذي يمثل كاليه رفض هذا الاقتراح الذي وصفه بالمجنون، كونه برأيه "لن يغير أي شيء" على ذلك الشريط الساحلي الطويل.
وفي أثناء زيارته لكرواتيا، تحدث الرئيس ماكرون فقال: "سنطلب مزيدا من المساعدة من قبل البريطانيين لأن كل هؤلاء الرجال والنساء لا يرغبون بالإقامة في فرنسا، ثم إننا أخبرناهم أنه بوسعهم القيام بذلك بكل وضوح، وبأن هنالك مراكز في كاليه ودنكيرك يمكنهم أن يراجعوها، إلا أننا سندعم عمليات إنقاذهم في البحر".
سبق أن وصف الوزير دارمانين حالة غرق 27 شخصا يوم الأربعاء الماضي بأنها "مأساة محضة"، وألقى باللائمة على عصابات تهريب البشر التي تعد الناس بالوصول إلى "إلدورادو إنكلترا" وتأخذ منهم مبالغ نقدية طائلة مقابل ذلك.
وفي الوقت الذي وجه فيه سياسيون فرنسيون إصبع الاتهام للسلطات البريطانية بسبب فشلها في معالجة تلك المشكلة، ساد الاعتقاد بأن قاربين صغيرين يقلان أشخاصاً تمكن منهم اليأس قد وصلا إلى الشواطئ البريطانية.
حيث شوهدت المجموعة الأولى وهي ترتدي ستر نجاة وبطانيات وقد تجمعت على متن قارب إنقاذ قبل أن تحط الرحال في دوفر صباح يوم الخميس. إلا أن الرياح والأمواج العاتية منعت انطلاق عمليات العبور بعد صباح ذلك اليوم.
وفي حديثه عبر أثير شبكة الإذاعة الفرنسية، وصف الوزير دارمانين المهربين بأنهم: "مجرمون، فهم أناس يستغلون تعاسة الآخرين، بينهم نساء وأطفال، إذ ثمة نساء حوامل وأطفال غرقوا البارحة على متن ذلك القارب... إذ يعدونهم بالوصول إلى إلدورادو إنكلترا مقابل بضع آلاف من اليوروهات... للأسف بقي ذلك المشهد يتكرر كل يوم طوال السنوات العشرين الماضية".
وفي ساعة متأخرة من ليلة الأربعاء، توقفت عمليات البحث والإنقاذ المشتركة التي قامت بها السلطات الفرنسية والبريطانية بعدما شاهد مركب صيد أشخاصاً يركبون البحر قبالة سواحل فرنسا.
ثم أعلن مكتب المدعي العام الفرنسي المكلف بالتحقيق في الحادثة بأنه كان بين الغرقى 17 رجلاً وسبع نساء، وطفلان وطفلة واحدة يعتقد أنهم بعمر المراهقة.
في حين أعلن الوزير دارمانين بأن المركب الذي غرق كان هشاً للغاية، حيث شبهه بمسبح مطاطي تنفخه وتضعه في حديقة بيتك.
ولم يستطع الوزير أن يصرح عن جنسيات الضحايا، لكنه ذكر أن الناجيين أحدهما صومالي والآخر عراقي، وبأنهما يتلقيان العلاج بسبب انخفاض حاد في درجة حرارة جسميهما.
هذا ولقد اعتقلت السلطات الفرنسية خمسة أشخاص يشتبه بأنهم يعملون في الاتجار بالبشر وبأن لهم صلة بذلك الحادث، وأعلن مكتب المدعي العام الفرنسي بأن قضاة يحققون في احتمال تورط هؤلاء بتهم تتصل بالقتل والأذى غير المتعمد، والمساعدة في الهجرة غير الشرعية، والتآمر بطريقة إجرامية.
وبعد اجتماع لجنة الطوارئ، ذكر رئيس الوزراء البريطاني جونسون بأنه من الواضح بأن العمليات الفرنسية التي تهدف إلى منع انطلاق قوارب المهاجرين "لم تكن كافية" بالرغم من الدعم الذي قدمته المملكة المتحدة، والذي بلغت قيمته 54 مليون جنيه إسترليني، وأضاف بأن تجار البشر "ينجون من العقاب فعلاً".
في حين ذكرت رئيسة بلدية كاليه، ناتاشا بوتشار، بأن البريطانيين هم من يقع عليهم اللوم، وطالبت جونسون "بالالتزام بمسؤولياته"
أما فرانك ديرسين نائب مدير مؤسسة النقل في منطقة أو دو فرانس الشمالية، فقد ذكر بأن "قادة المافيا" المسؤولة عن شبكات الاتجار بالبشر، يعيشون في المملكة المتحدة، ولابد من إلقاء القبض عليهم.
يذكر أن مضيق دوفر يعتبر أكثر ممر بحري ازدحاماً في العالم، وفيه لقي كثير من الناس حتفهم في أثناء محاولتهم العبور إلى بريطانيا على متن قوارب مطاطية.
المصدر: إل بي سي