بعد عشر سنوات من الحرب التي أنهكت سوريا وشوّهت معالمها، تبدو المدن السورية اليوم وكأنها كتل صمّاء، تعيش في عزلة كاملة عما حولها، تسكنها فواجع من كل الأصناف، أشدّها بأساً فاجعة اقتصادية تكاد تلتهم أطفال السوريين قبل كبارهم، وتحاصرهم في شح ما يسدُّ رمق بطونهم، وتملأ بيوتهم غضباً "بارداً" من قلة الحيلة، كما يصفونه، فضلاً عن انهيار شبه كامل للقطاع الصحي والتعليمي والمعيشي.
مع ذلك، يترقب السوريون اليوم الإعلان عن الاستحقاق الرئاسي، الذي كان من المفترض أن يكون جزءاً من عملية سياسية تخرج من رحم حل سياسي تتفاوض لأجله الأطراف السورية منذ سنوات، إلا أن هذه المفاوضات لم تتبلور بعد من جرّاء تشرذم واضح للمعارضة بكل أطيافها، فضلاً عن إرادة دولية تضع أولوياتها بعيداً عن هموم السوريين وتطلعاتهم، الأمر الذي استخدمه نظام الأسد مراراً وتكراراً لتمرير جميع استحقاقاته الانتخابية، منذ الانتخابات الرئاسية في العام 2014، وحتى البرلمانية في تموز من العام الماضي.
ويمكن القول إن شرعية وجود أي مسؤول في منصبه، ترتبط بداهة بقدرته على القيام بأعباء هذا المنصب أو الموقع، وليس فقط بمجرد توفّر حقه القانوني في شغل هذا المكان، إلا أن الأسد وعبر سنوات حكمه الـواحدة والعشرون، أساء الحكم في مجمل قضايا السوريين وهمومهم، وأمعن في تدمير النسيج الاجتماعي للبلاد، وسخّر الموارد في سبيل بقائه في الحكم، ولعل أكبر جرائمه أن سوريا لم تشهد انقساماً سياسياً واجتماعياً عبر تاريخها مثلما تشهده اليوم.
ومع وجود روسيا في سوريا، وتأكيدها على دعم بقاء الأسد في السلطة في مقابل رفض دولي وأممي، يبدو الاستحقاق الرئاسي المقبل فصلاً آخر من فصول المأساة السورية، يعزز نظام الأسد ويطيل أمد المعاناة، وحتى لو غازلت روسيا المجتمع الدولي وأجّلت الانتخابات، سيبقى الأسد على رأس السلطة، فالفقرة الثانية من المادة 87 من دستور 2012 الذي عُلّب على مقاس الأسد، تنص على أنه "إذا انتهت ولاية الرئيس ولم يتم انتخاب رئيس جديد، يستمر الرئيس القائم بممارسة مهمّاته حتى انتخاب رئيس جديد"، ما يعني بقاء الأسد في السلطة حتى إشعار آخر.
في هذا الملف، يناقش موقع "تلفزيون سوريا" استحقاق الانتخابات الرئاسية السورية في سياقها الاجتماعي والدستوري الراهن، ويستطلع آراء خبراء ومعنيين بالشأن السوري.
لماذا يريد الأسد إجراء الانتخابات؟
أكد بشار الأسد في لقاء أجراه مع إحدى القنوات الروسية في تشرين الأول من العام 2020، أن استحقاق الانتخابات الرئاسية سيُجرى في موعده، مع وجود عدد كبير من المرشحين، مشدداً على أنها ستكون بشكل كامل تحت إشراف نظامه "من الألف إلى الياء"، حسب تعبيره.
حتى اليوم لم يعلن بشار الأسد عن ترشُحه للانتخابات، إلا أنه يصرّ على بث الرسائل عبر إعلامه ومسؤوليه، للإيحاء بأنه يملك الشرعية والقانون والدستور لإقامة الانتخابات في موعدها، من دون اكتراث لأي أصوات معارضة لهذه الانتخابات، سورية كانت أم غيرها، في خطوة يفسرها المراقبون للشأن السوري بأنها تصعيد للموقف السياسي، وبمنزلة إطاحة بكل الحلول والمسارات السياسية، للبقاء في سدة الحكم ولو على حساب خراب فوق الخراب وتدمير ما تبقى من البلاد وقتل من بقي من السوريين.
يرى الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي أن حاجة نظام الأسد للانتخابات تكمن في كونها "الآلية القانونية الوحيدة لاستمراره في السلطة، وإجراءها ضروري جداً قانونياً"، ويضيف أن "استمرار الأسد بالسلطة يعني بقاء القوات الروسية والإيرانية في سوريا، كونه هو من وجّه لهم الدعوة، وبقاؤه في الحكم يعني شرعية وجودهم العسكري".
من جانبه، يعتبر المحامي المختص بالقانون الدولي الدكتور حسام الحافظ، أن الانتخابات بالنسبة للأسد "تعني بكل بساطة الاستمرار في الحكم، والسيطرة على ما بقي من مقدرات البلاد والعباد"، موضحاً أن "الأسد لن يتخلى بحال من الأحوال عن موقعه، لأن ذلك سيفتح عليه أبواب المحاسبة، والانتخابات توفر له شرعية مزعومة وصورية، لكنه يحتاجها ليبرر استمراره ووجوده".
وتشارك الناشطة الحقوقية والكاتبة هنادي زحلوط، بربندي والحافظ في رأيهما، وتشير إلى أن "نظام الأسد قائم على فكرة الأبدية، ويعتبر أن البلاد مزرعة له، والانتخابات هي القالب الذي يكرّس فيه ذلك".
أما المعارض والصحفي بسام يوسف فيؤكد أن "الأسد مرغم على الانتخابات، ولا خيار أمامه سوى بالذهاب إليها، فهي بوابة المرحلة المقبلة بالنسبة له"، مضيفاً أن ذلك لا يقتصر على النظام، بل إن الروس والإيرانيين يصرون على إجراء الانتخابات، فأي حل أو مسار آخر غير الانتخابات سيكون مشكلة جديدة، وهم غير قادرين على التعامل معها، فضلاً عن أن عدم إجرائها يعطّل مصالحهم في سوريا.
من سينتخب الأسد؟
مع بداية هيمنته على السلطة في سوريا، أدرك الأسد الأب ضرورة تعزيز دور المدن وكسب ود النخب الاقتصادية والاجتماعية فيها، ومع فهمه للتركيبة الإثنية والاجتماعية الفريدة لسوريا، أبعد الأسد اشتراكية "حزب البعث" عن ثروات العائلات السنية، وتقرّب منهم في سبيل خلق عوامل الاستقرار، وربط بقاء المنافع والمكاسب لهذه الفئة باستمرار حكمه ونظامه، وتجلى ذلك واضحاً في أوائل الثمانينات، حيث لم يهب سنّة المدن، وخاصة في دمشق، لدعم الإسلاميين في حماة.
وفي مقابل ذلك، عاشت الطبقة الوسطى من موظفين وأصحاب حرف ويد عاملة في ظروف متواضعة، عانت من تضخم اقتصادي وغلاء معيشي لسنوات طويلة، قضت تدريجياً على معظم أفراد هذه الطبقة وجعلها تندثر لصالح طبقات فقيرة انتشرت مع الطفرة العقارية منتصف الثمانينات في أطراف المدن والعشوائيات المحيطة بها، وطبقة أخرى من أثرياء السلطة ومحدثي النعمة.
هذه الاستراتيجية التي انتهجها الأسد الأب مع مختلف المكونات السورية، ضمنت له سطوة أمنية أفضت إلى أغلبية ساحقة حصدها في الاستفتاءات الرئاسية المتعاقبة التي أجراها خلال ثلاثين عاماً، وهي ذات الاستراتيجية التي اتبعها الأسد الابن خلال استفتاءين أجراهما قبل الثورة، وانتخابات صورية أجراها في العام 2014، زينها بمنافسين "كومبارس".
إلا أن الحال اليوم يختلف عما كان عليه قبل سبع سنوات، فمعظم المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام دفعت ثمناً باهظاً لحراك الثورة السورية، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، سواء شاركت بها أم لم تشارك، حيث الجوع والمرض عنوان للمرحلة الحالية، فضلاً عن غياب أكثر من نصف السوريين بين قتيل ومعتقل ونازح ولاجئ.
ووفق دراسة أعدّها مركز "جسور للدراسات"، فإن التعداد الإجمالي المفترض لسكان سوريا في العام 2021 هو 26.38 مليون شخص، لكن التعداد الفعلي للسوريين هو 16.47 مليون شخص، يعيش منهم في مناطق سيطرة النظام نحو 9.4 مليون، أي ما يقارب 57 % من إجمالي عدد السكان، منهم نحو 40 % تحت السن القانوني للانتخاب، وفق بيانات الأمم المتحدة، أي من بقي ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات المزمع إجراءها نحو 5.64 مليون شخص.
يؤكد المحامي المختص بالقانون الدولي الدكتور حسام الحافظ أن "فرص الأسد بالنجاح في انتخابات صورية في ظل الوضع المهلهل الذي تعيشه البلاد عالية"، مضيفاً أن هذه الفرص "ربما لن تكون بذات النسبة التسعينية التي كانت سابقاً، لكنها فرص مضمونة".
ويشير إلى أنه "ثمة طيف من السوريين يرتبطون بالأسد ويؤيدونه لأسباب مختلفة، منهم لأسباب أيديولوجية ومنهم من انخرط في آلة القمع والقتل ولا يريد التخلي عن الأسد إلا في سياق تسوية واضحة ذات ضمانات تشملهم".
ويوضح الحافظ أن "الوضع الاقتصادي الطاحن داخل سوريا مرتبط بوجود الأسد، والتخلص منه يعني انتقال البلاد إلى بداية التعافي الاقتصادي، لكن المواطن العادي لا يستطيع بالضرورة أن يعكس هذه المعادلة في صناديق الانتخابات".
من جهته، يعتبر الدبلوماسي السابق بسام بربندي أن "فوز الأسد بالانتخابات ليس له علاقة بالعملية الانتخابية ورأي الناس، وخصوصاً بغياب أي مراقبة قانونية لسير العملية الانتخابية، فضلاً عن غياب مرشحين منافسين وغياب الأحزاب والديمقراطية، وبالتالي رأي الشعب غير مهم، ونسبة التصويت غير مهمة".
ويضيف أن "كل المستفيدين من النظام اقتصادياً سيؤيدون بقاءه في السلطة، أياً كان انتماؤهم، والأسد يحاول دائماً الإيحاء لمن يحارب معه بأنه سيستفيد في المرحلة المقبلة، لكنه لن يستطيع تنفيذ أي مما يعد به".
ويشير بربندي إلى أنه "منذ أن حكم البعث سوريا ومدد الأحكام العرفية التي كانت موجودة زمن الوحدة مع مصر، وأعلن قانون الطوارئ، كان هدفه إظهار العملية الانتخابية كاستحقاق، وليس كانتقال سياسي أو ممارسة للديمقراطية".
ماذا عن العلويين؟
من جانب آخر، عسكر الأسد طائفته العلوية، وحولهم إلى حرّاس لنظامه، وأفرغ بيوتهم في الساحل السوري لصالح تطويعهم في القتال ضمن الوحدات العسكرية والمليشيات المقاتلة على امتداد الجغرافيا السورية، ولعل أبرز ما حرص الأسد على زرعه في نفوس العلويين خلال السنوات الماضية هو الخوف من الآخر، والذي طالما استثمره وراهن عليه بهدف كسب دعمهم وتأييدهم والموت في سبيل حماية حكمه.
يقول المعارض والصحفي بسام يوسف إنه "لا يوجد أي حالة تنظيمية للعلويين في سوريا اليوم، وليس لهم أي أفق أو أي دور، فنظام الأسد اختطفهم وبالنسبة له هم عبارة عن أرقام يسيّرها كما يريد، ومن جانبهم، مشكلة العلويين حالياً ليست مع شخص بشار الأسد، بل هي هاجسهم الأمني، وإذا جاء أي أحد آخر يضمن لهم أمنهم سيقتلعون الأسد من جذوره".
ويوضح أن العلوييين "هم ضد الأسد بالتأكيد، لكن ليس لديهم أي خيار آخر أمام أمنهم وخوفهم من حالات الانتقام والقتل التي زرعها نظام الأسد في أذهانهم، والتي طالما ابتزهم بها، فهم كبقية السوريين بأوضاعهم الاقتصادية الصعبة ومختلف أشكال المعاناة"، مؤكداً أنه "سنسمع قريباً حوادث وتفجيرات يختلقها النظام في مناطق العلويين، لشد العصبية القبلية ومواصلة ابتزازه لهم".
ويشير يوسف إلى أن "الرغبة الحقيقية لكل السوريين، بمن فيهم النخب الاقتصادية والاجتماعية، ليس لها مصلحة ببقاء الأسد، بل على العكس من ذلك، أصبح الأسد عقبة أمام مصالحهم، فهم يعلمون تبعات بقائه في الحكم على الاقتصاد والمجتمع السوري، ولو كان هناك إمكانية لانتخابات حقيقية، فلن يحصل الأسد على أكثر من 5% من أصوات السوريين، بما فيهم العلويون".
بينما تعتبر الناشطة الحقوقية والكاتبة هنادي زحلوط أن "العلويين، بما فيهم الموالون للأسد، يعيشون في حالة تذمر واضحة، والمؤشرات تدل على أن الطائفة العلوية ليس لديها مانع بتنحي الأسد، في مقابل انفراج الأوضاع وخلاص البلاد من الحالة التي تعيشها، لكنهم لن يصرّحوا بذلك نتيجة عقود طويلة من الكراهية والخوف التي زرعها النظام بين الطوائف السورية"، لكنها تشير إلى أنه "في حال وجود أي توافق على الانتقال من حقبة الأسد إلى حقبة أخرى، فالعلويون سيعملون على الفور للخلاص من الأسد".
وعن الأصوات المعارضة، تقول زحلوط إن "الأصوات المعارضة موجودة، والجيد أن النظام لا يستطيع اعتقالها وتعذيبها كما كان يفعل من قبل، فالروس لن يسمحوا له بذلك، فهم يستخدمون المعارضة الداخلية، ووجودها يخدم ادعاءهم بأنهم يسعون للحل في سوريا".
وتضيف زحلوط "رغم ذلك الحل ليس بيد الروس، نحن بانتظار توافق دولي للخلاص من الأسد، وقد يكون هذا التوافق بصيغة توافق محلي بين الأحزاب والتيارات والقوى الوطنية السورية، ما يساعد في الخروج من عنق الزجاجة الذي نحن فيه منذ سنوات".
شرعية الانتخابات دستورياً وموقف روسيا والغرب منها
تعتقد المعارضة السورية أن الدستور الحالي في سوريا فُصّل عام 2012 بما يتناسب مع بقاء بشار الأسد على رأس السلطة، ولذلك هي تعتبر أن هذه الانتخابات غير شرعية، إلى جانب أنها تنسف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بإيجاد حل سياسي في سوريا، وينسجم هذا الموقف مع موقف الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي الذي رفض الانتخابات الرئاسية المقبلة، في مقابل إصرار روسي على أن هذه الانتخابات لا تعطل عمل اللجنة الدستورية في جنيف ولا تتعارض مع قرار مجلس الأمن 2254.
ما آلية انتخاب الرئيس وفق الدستور الحالي في سوريا؟
كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية إلى اجتماع "جنيف 4"، محمد صبرا، يرى أن نصوص دستور بشار الأسد (دستور 2012) تعتبر أن الدعوة للانتخابات يجب أن تكون محصورة بين تاريخي 16 نيسان و16 أيار 2021، أي أنها يجب أن تكون في مدة لا تقل عن 60 يوماً ولا تزيد على 90 يوماً من انتهاء الولاية التي تنتهي رسمياً بـ 16 تموز المقبل.
والمادة 85 التي تضمنت "إجراءات انتخاب الرئيس" وضعت مهلة زمنية لدعوة رئيس مجلس الشعب لانتخاب الرئيس، لكنها سكتت عن الأثر القانوني في حال لم يقم رئيس مجلس الشعب بتوجيه هذه الدعوة، بمعنى أن المهلة هنا تصبح مجرد مهلة تنظيمية لأنه لا يوجد نص يحدد أي إجراء في حال عدم الالتزام بهذه المهلة، وفق صبرا.
وتشير شروط الترشّح لرئاسة الجمهورية في سوريا إلى أنها تبدأ بتقديم طلبات الترشح إلى المحكمة الدستورية خلال عشرة أيام من دعوة رئيس مجلس الشعب، مشفوعة بموافقة 35 عضواً من أعضاء المجلس على كل مرشح، حيث لا يحق للعضو إلا تزكية مرشح واحد، وفي حال لم يحصل على تزكية الـ 35 عضواً سوى مرشح واحد يعود رئيس مجلس الشعب لفتح مهلة الأيام العشرة وفق المهل والإجراءات السابقة.
ويرى صبرا أن هذا الإجراء يُمكّن النظام من إعطاء الأمر لأعضاء مجلس الشعب بعدم تزكية أي من المرشحين المفترضين أنهم سينافسونه وهذا يسمح بإبقاء المهل مفتوحة ولا سيما أن المادة 87 من الدستور تقول في حال انتهت ولاية الرئيس ولم يتم انتخاب رئيس آخر يبقى الرئيس الحالي في منصبه حتى انتخاب بديل، وهذه المادة من دون سقف زمني، وعليه فإن هذه إحدى الثغرات الأساسية في الدستور التي تسمح لبشار مدّ ولايته من دون أن يضطر لاتخاذ أي إجراء قانوني مثل تعديل الدستور أو تأجيل الانتخابات مثلاً.
وبناء على أن الدستور يغيب عنه النصوص المرجعية التي تسمح بإدارة عملية الانتخاب بشكل محايد ومستقل أو تضمن أي حد من النزاهة، فقد رفضنا، يقول صبرا، مثل هذه المسرحية، لمعرفتنا الدقيقة بأنها مجرد وهم دستوري شكلي يراد منه فقط القول إن في سوريا قانون ودستور.
ولا يتضمن دستور 2012، أي نص يحدد نسبة الحد الأدنى اللازم من المشاركة حتى تكون الانتخابات صحيحة، كما أنه لا يوجد نصوص تسمح بنقل السلطة إلى هيئة أخرى مثل مجلس الشعب أو الحكومة لمنع مد ولاية رئيس الجمهورية من دون أي سقف زمني محدد.
هل سيقبل النظام برقابة أممية على الانتخابات؟
يدور سؤال في أوساط سورية عدة حول ما إمكانية قبول نظام الأسد بمراقبة أممية للانتخابات الرئاسية المقبلة انطلاقاً من أن النظام يعتبر أن هذه الانتخابات حق مشروع للسوريين وللسلطة الحاكمة وأنها لا تتعارض مع العملية السياسية في جنيف.
ويرى كبير الباحثين في مركز "جسور للدراسات"، عبيدة فارس، أن النظام يسعى بدعم إيراني كامل إلى تكرار النموذج الانتخابي لعام 2014، والذي لا ينسجم بأي شكل مع المعايير الدولية، ولا يمكن أن يتوافق مع أي إشراف أممي ولو بالحدود الدنيا، ولذا فإنّ النظام ومعه إيران يرفضون بشكل قطعي وجود مثل هذا الإشراف.
ويعتبر، أن روسيا تسعى بالمقابل إلى وجود إشراف أممي، في مسعى منها لمنح الانتخابات نوعاً من الشرعية الدولية، لأنها تدرك أن ذلك يعني ضرورة إجراء تغييرات في شكل ومضمون الانتخابات، وهو ما لا تُمانع فيه، طالما أن ذلك لن يؤثر على النتيجة النهائية المتمثلة في فوز بشار الأسد.
ويعتقد فارس أنّ موافقة النظام وداعميه على الإشراف الأممي لا تُشكل العقبة الوحيدة أمام تنفيذ هذا الإشراف، إذ إن المجتمع الدولي لن يوافق على الحضور ما لم يتم تنفيذ جملة من الترتيبات القانونية والأمنية والسياسية، وهو ما يستحيل حصوله إن تم تنفيذ الانتخابات في وقتها المحدد دستورياً.
هل تصعّد الانتخابات الموقف السياسي؟
يمثل إجراء الانتخابات في موعدها، إن حصلت، تحدّياً من طرف النظام وداعميه للمجتمع الدولي، حيث سيعني تثبيتاً للأمر الواقع مدة سبع سنوات أخرى، وهو ما سيتعامل معه المجتمع الدولي باعتباره مؤشراً عن عدم رغبة داعمي النظام في التوصل إلى حل سياسي في سوريا، وفق فارس.
ويرى أن الطرف الروسي لا يرغب في الوقت الراهن في تصعيد الموقف السياسي، خاصة في ظل توتر العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة. ولذا فإنّ من الملاحظ أن الدول الغربية عمدت إلى إعلان رفضها المسبق للاعتراف بالانتخابات ونتائجها، في مسعى منها للضغط على موسكو لتأجيل هذه الانتخابات، وهو ما يُعتقد أن روسيا تقوم بجهود حثيثة من أجله، إلا أنها تواجه بمقاومة إيرانية شرسة.
وكان المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، شدد على وجوب انخراط نظام الأسد في اتخاذ قرارات واضحة لا لبس فيها، لإنهاء قمع الشعب السوري، والدخول بصورة هادفة في المفاوضات التي ترعاها وتشرف عليها منظمة الأمم المتحدة، لتنفيذ القرار الدولي 2254.
بوريل قال عن الانتخابات "إذا كنا نرغب في رؤية انتخابات تسهم في تسوية النزاع القائم، فلا بد أن تُجرى وفق القرار 2254"، مؤكداً أن نظام الأسد "أخفق في الانخراط في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، لذلك لا يمكن لهذه الانتخابات الرئاسية أن تسفر عن أي إجراءات من شأنها التطبيع المباشر مع النظام".
وعليه، يضيف بوريل "دعونا أطرافاً أخرى في المجتمع الدولي، والمنطقة على نطاقها الأوسع، إلى تجنب الخوض في أي درجة من درجات التطبيع من هذا القبيل".
وسبق أن أصدرت كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، بياناً وصف الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها العام الحالي في سوريا بأنها "لن تكون حرة ونزيهة"، كما أنها "لن تلبي تطلعات المجتمع الدولي".
وشدد البيان على أن نظام الأسد وداعميه "مسؤولون عن الآلام التي وقعت في الحرب المستمرة منذ 10 أعوام"، وأكد أن قرابة 13 مليون شخص في سوريا باتوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مضيفاً أن "هناك ملايين السوريين الذين تستضيفهم تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر، أو من اللاجئين فيها لا يستطيعون العودة إلى منازلهم خشية العنف والاعتقال التعسفي والتعذيب".
كيف ينظر الروس إلى الانتخابات الرئاسية في سوريا؟
في شباط الفائت، دعت موسكو المجتمع الدولي إلى تقديم مساعدة لسوريا في إجراء الانتخابات الرئاسية خلال العام 2021، الدعوة الروسية جاءت على لسان النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، الذي قال إن النظام لديه الحق الكامل في إجراء الانتخابات حيث لا توجد أحكام قد تعرقل ذلك، معتبراً أن إعادة انتخاب الأسد لا تتعارض مع عمل "اللجنة الدستورية".
وجدد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تأكيد موقف بلاده حين قال "إن الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا لا تتعارض مع قرار مجلس الامن 2254"، وهو ما يعني إصرار روسيا على عقد الانتخابات في وقتها.
المحلل الروسي أندريه أنتيكوف، يرى أن هذه الانتخابات تأتي وفقا للدستور الحالي (دستور 2012) وأنه لا يوجد خيارات أخرى غير إجراء هذه الانتخابات في موعدها وأي إجراء غير ذلك سيكون خارقا لـ "الدستور السوري"، وفق تعبيره.
وأما عن الدستور الجديد الذي تعمل المعارضة والنظام على وضعه فيرى أنتيكوف أنه "لم يتشكل بعد، حتى تكون هذه الانتخابات منافية له، ولو كان الدستور الجديد مشكّلا لكان هناك فرص للحديث عن الإجراءات التي ينص عليها"، معتبراً أن سوريا الآن فيها دستور وهذا الدستور ينص على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية، وعليه ووفق هذا الدستور فإنه لا مانع من أن يترشح بشار الأسد للرئاسة.
ويرى أنتيكوف أن إجراء هذه الانتخابات في ظل وضع اقتصادي منهار ووضع معيشي متردٍّ لا تقع المسؤولية في ذلك على بشار الأسد، بل على الدول التي فرضت العقوبات على النظام كأميركا ودول الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن "هذه العقوبات ستُرفع بمجرد وصول شخصيات خاضعة لهذه الدول إلى السلطة في سوريا"، على حد قوله.
وتابع "حتى لو دخل شخص محسوب على النظام في الانتخابات وفاز بالرئاسة فإن هذه العقوبات لن ترفع لأنه غير خاضع للأجندة الخارجية المرتبطة بأميركا وغيرها".
ووفق وجه النظر الروسية التي ينقلها أنتيكوف، فإنه "من الضروري رفع العقوبات عن سوريا ودفعها إلى حياة الأمام، كما أن روسيا ستتعامل مع أي شخص ينتخبه الشعب السوري، سواء كان بشار الأسد أم غيره، وهي (أي روسيا) مستعدة للتعامل مع بشار الأسد أو غيره من قاعدة العلاقات الثنائية بين البلدين".