icon
التغطية الحية

إسقاط التهم عن السباحة السورية سارة مارديني.. فشل لـ "أوروبا الحصينة"

2023.01.27 | 16:20 دمشق

السباحة السورية سارة مارديني في لقاء لدى Rosa-Luxemburg-Stiftung ببرلين - التاريخ 18 شباط 2019
السباحة السورية سارة مارديني في لقاء لدى Rosa-Luxemburg-Stiftung ببرلين - التاريخ 18 شباط 2019
World Socialist Web Site - ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

قبل أسبوع من اليوم، أسقطت اليونان التهم المنسوبة لـ24 متطوعاً في مجال إنقاذ المهاجرين، ومن بينهم السباحة السورية سارة مارديني، 27 عاماً. ويعتبر هذا التراجع خطوة مدمرة بالنسبة للسلطات اليونانية، كونه يؤكد بأن التهم المنسوبة للسباحة السورية وزملائها لا أساس لها من الصحة بل وشائنة أيضاً.

في آب 2018، ألقت حكومة سيرياز اليونانية القبض على مارديني وعامل آخر في مجال الإغاثة اسمه شون بايندر، فقد حكم سيرياز اليونان من خلال حكومة ائتلافية تضم يونانيين مستقلين من اليمين المتطرف. وفي أثناء الإشراف على حالة التقشف الهائلة التي عاشتها تلك الدولة، أقام سيرياز "معسكرات اعتقال" لإيواء اللاجئين الهاربين من الحروب في الشرق الأوسط ومن الظروف المريعة في أفريقيا.

تهم لا أساس لها من الصحة

تم توجيه اتهامات لمارديني ورفاقها في العمل الإغاثي تتصل بمساعدتهم للاجئين والمهاجرين الهاربين من مناطق الحروب في الشرق الأوسط وأفريقيا، والمخاطرة بحياتهم عبر ركوب البحر. كما اتهم هؤلاء بتهريب البشر والاحتيال والانتساب إلى تنظيم إجرامي وغسيل الأموال، مما قد يتسبب بمعاقبتهم بالسجن لمدة قد تصل إلى عشرين عاما، وذلك فقط بسبب عملهم لدى منظمة غير حكومية معنية بأمور البحث عن المهاجرين وإنقاذهم تعرف باسم المركز الدولي للاستجابة الطارئة ومقرها جزيرة ليسبوس.

بعد اعتقال تلك المجموعة، أمضت مارديني وبايندر أكثر من 100 يوم في السجن قبل أن يطلق سراحهما بكفالة، مع احتمال تعرضهما في حال إدانتهما للسجن لمدة ثماني سنوات. وبحسب ما أوردته منظمة هيومان رايتس ووتش، فإن هنالك عاملين آخرين في مجال الإغاثة تم اعتقالهم معهما، بينهم ناسوس كاراكيتسوس وهو منقذ مدرب، وبانوس مورايتيس مؤسس منظمة البحث والإنقاذ، وقد احتجز هو أيضاً لفترة طويلة في السجن خلال عام 2018، ما دفع المنظمة لإيقاف عملياتها. لذا لم تعد هنالك أي منظمة تنشط في مجال البحث عن اللاجئين وإنقاذهم في جزيرة ليسبوس حالياً.

أصبحت سارة وشقيقتها يسرى الأصغر منها سناً مشهورتين بعدما خاطرتا بحياتهما في عام 2015 لإنقاذ 18 لاجئاً ولاجئة في أثناء عبور بحر إيجة من تركيا إلى جزيرة ليسبوس اليونانية، إذ عندما تعطل محرك المركب، وبدأ بالغرق، سارعت سارة ويسرى للسباحة بجانب المركب إلى أن أوصلتاه لبر الأمان. وبعد رحلة استغرقت 25 يوماً وصلتا من خلالها إلى ألمانيا سيراً على الأقدام ثم بواسطة القطار وبعدها بالحافلة، حصلت سارة ويسرى مارديني على حق اللجوء في تلك البلاد، وبعد مرور سنة على ذلك عادت سارة إلى اليونان وانضمت لمنظمة المركز الدولي للاستجابة الطارئة كمتطوعة في مجال مساعدة اللاجئين.

ظهرت قصة سارة في أحد الأفلام الرائجة على منصة نيتفليكس في عام 2022 تحت عنوان: "السباحتان"، وهو فيلم يروي ما حدث لسارة وشقيقتها يسرى خلال السنوات العشر الماضية، بعد أن تركتا والديهما وشقيقتهما الصغيرة في سوريا لتطلبا اللجوء في ألمانيا في عام 2015 خلال فترة الحرب السورية. إذ كلاهما سبحت لتمثلا المنتخب السوري قبل أن تهربا من سوريا. ولكن في ألمانيا تابعت يسرى تدريبها على السباحة إلى أن تأهلت لدورة الألعاب الأولمبية في ريو عام 2016، ثم لدورة الألعاب الأولمبية في طوكيو بعد مرور خمس سنوات على ذلك، حيث نافست ضمن فريق اللاجئين الأولمبي.

كذب ومغالطات

وجهت حكومة سيرياز تهماً للمتطوعين في مجال الإنقاذ بناء على تقرير قدمته الشرطة اليونانية يشتمل على مغالطات وقحة، وذلك لأن الشرطة لم تقدم أي دليل يدعم تلك التهم. ولهذا أعلن محامي مارديني، هاريس بيتسيكوس في عام 2018 بأنها: "أنكرت كل التهم المنسوبة إليها.. ثم إن هذه الاتهامات الخطيرة لم تعزز بأدلة في ملف الشرطة على الإطلاق، ما يعني بأن المتهمة بريئة تماماً، كما لم تتمكن الشرطة من إثبات أي شيء، إلا أن المحاكم ستحتاج إلى وقت حتى تسمع مرافعاتنا.. لقد وجهت إلى موكلتي وغيرها من المتهمين تهمة ارتكاب جرائم في اليونان بتواريخ محددة لم يكونوا موجودين فيها في تلك الدولة. ولهذا قدمنا أدلة محددة من ألمانيا وإنكلترا توضح أنهم كانوا في هاتين الدولتين في تلك التواريخ".

اقرأ أيضا: الشرطة اليونانية تجنّد طالبي لجوء لقمع المهاجرين القادمين من تركيا | فيديو

وأضاف ذلك المحامي بالقول: "لا يمكن تصديق هذه التهم.. إذ كانت بحوزتهم أجهزة لاسلكية ليتحدثوا من خلالها إلى بعضهم، وهذه الأجهزة تعمل على تردد الراديو العام في هذه الدولة، أي أن بوسعهم أيضاً سماع ما تقوله الشرطة، والآن تنسب لهم تهمة سماع بث الراديو الخاص بالشرطة والذي من المفترض أن يحتوي على أسرار دولة، إلا أن القضية ليست كذلك كما هو واضح".

عبر توجيه تلك التهم لمارديني ورفاقها، أصبحت حكومة سيرياز تحاول منع الملايين من الناس الذين أجبروا على النزوح من بيوتهم من القدوم إلى أوروبا. وبعد الدوس على الحق الأساسي للاجئ في طلب اللجوء، أقامت اليونان شبكة تشبه "معسكرات الاعتقال" لاحتجاز طالبي اللجوء.

وكان من المفترض لمحاكمة سارة ورفاقها أن تبدأ في العاشر من كانون الثاني 2023، إلا أن منظمات حقوقية استنكرت تلك المحاكمة، ووصفت التهم الملفقة لهم بأنها ترقى إلى السعي لتجريم كل من يعمل في مجال مساعدة اللاجئين والمهاجرين.

وحول ذلك يقول شون بايندر: "إن تم تجريمي بسبب قيامي بشيء أكبر من توزيع قوارير المياه والابتسامات، فهذا يعني أنه يمكن تجريم أي شخص آخر، فهذه المحاكمة ليست لي ولسارة فحسب، أو لـ22 متهماً فقط، بل إنها محاكمة توضح محاولة السلطات اليونانية سحق حالة التعاطف ومنع الناس من البحث عن بر الأمان. لكني على يقين من أن العدالة ستسود، وبأننا سنعود لحياتنا".

أما بيل فان إيسفيلد وهو معاون مدير حقوق الطفل لدى منظمة هيومان رايتس ووتش، فقد علق على ذلك بقوله: "إن هذه المحاكمة ما هي إلا لائحة اتهام للسلطات اليونانية التي تلاحق الأشخاص الذين ينقذون أرواح الناس بما أن السلطات لا تريد لأحد أن ينقذهم. وفي هذه الأثناء تواصل الحكومة اليونانية تقييد عمليات الإنقاذ الإنسانية إلى جانب صدها بطريقة غير قانونية للمهاجرين واللاجئين وإجبارهم على العيش في ظل ظروف تهدد حياتهم والتي يحاول العاملون في المجال الإنساني تخفيف وطأتها".

عند بدء المحاكمة، جددت منظمة العفو الدولية دعوتها للسلطات اليونانية حتى تقوم بإسقاط كل التهم المنسوبة للمنقذين، ولهذا قال مدير المكتب الإقليمي الأوروبي لدى منظمة العفو الدولية، نيلز مويتشنيكز: "لقد فعلت سارة وشون ما ينبغي على أي شخص منا فعله في حال كنا مكانهما، لذا فإن مساعدة الأشخاص عند تعرضهم لخطر الغرق ضمن أخطر الطرقات البحرية في أوروبا ومساعدتهم على الوصول إلى الشاطئ ليس بجريمة. ولهذا تكشف هذه المحاكمة بأن السلطات اليونانية ستصل إلى أبعد نقطة في ردع المساعدة الإنسانية وإيقافها، ومنع المهاجرين واللاجئين من البحث عن بر الأمان في شواطئ هذه البلاد، وقد سبق أن رأينا ذلك في عدد من الدول الأوروبية. لذا من المضحك لهذه المحاكمة أن تقوم أصلاً، ولهذا يجب إسقاط كل التهم المنسوبة للمنقذين دونما تأجيل".

إن إسقاط هذه التهم التي نسبت لمارديني ورفاقها من قبل اليونان يؤكد بأن سياسة "حصن أوروبا" ما هي إلا سياسة رجعية، بيد أن الدفاع عن حقوق المهاجرين يحتاج إلى حشد وتحرك دولي.

المصدر: World Socialist Web Site