كشف قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، إليعازر شكدي، تفاصيل غير مسبوقة عن عملية تدمير موقع "الكُبر" في ريف دير الزور في عام 2007، الموقع الذي كان يعتقد بأنه يشكل "مفاعلاً نووياً".
جاء ذلك في مقال مطول كتبه الصحفي الإسرائيلي البارز، بن كسبيت، نشرته صحيفة "معاريف"، أول أمس الثلاثاء، بمناسبة مرور 15 عاماً على عملية تدمير المفاعل، والمعروفة في إسرائيل باسم عملية "خارج الصندوق".
يتناول المقال حواراً تفصيلاً مع شكدي يستعرض فيه لأول مرة خفايا وتفاصيل عملية تدمير موقع "الكبر"، بدءاً من لحظة تلقي المعلومات وسيرورة التحضيرات وتعقيداتها ووضع الخطط وصولاً إلى ساعة الصفر.
كما يستكمل الصحفي الإسرائيلي مقاله بإجراء اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت لاستيضاح بعض الجوانب حول العملية.
ويذكر الصحفي بن كسبيت أن اجتماعاً استثنائياً عقده الفريق الذي خطط ونفذ عملية تدمير موقع "الكُبر"، في 8 أيلول/سبتمبر الماضي، احتفالاً بالذكرى السنوية الـ 15 لتنفيذها.
حضر الاجتماع نحو 20 مشاركاً، بينهم ثمانية طيارين مقاتلين وثمانية ملاحين مقاتلين وقائدان سابقان في سلاح الجو الإسرائيلي، هما إليعازر شكدي وعميكام نوركين، ورئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت الذي نفذت العملية في عهده.
كان من بين الطيارين المشاركين بالاحتفال تومر بار، القائد الحالي لسلاح الجو الإسرائيلي.
ويأتي نشر التفاصيل بالتزامن مع احتفال الإسرائيليين بـ "عيد الغفران"، الذي صادف يوم أمس الأربعاء، ويرتبط هذا اليوم بالذكرى حرب تشرين (أكتوبر) 1973، التي شنت فيها سوريا ومصر حرباً ضد إسرائيل.
تدمير المفاعل النووي السوري
يسترجع قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، إليعازر شكدي، الذي خطط وقاد عملية تدمير موقع "الكُبر"، كواليس إحدى أكبر العمليات وأكثرها تعقيداً في تاريخ إسرائيل، على حد وصفه.
ويقول شكدي، في 6 أيلول/سبتمبر 2007 قام ثمانية طيارين وملاحو الطائرات الحربية الثماني، (أربع طائرات من طراز F-16 وأربع من طراز F-15) بإلقاء أكثر من 17 طناً من المتفجرات على المفاعل.
ويسرد قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق كيف تم إعداد الخطط من دون التعويل على الجانب الأميركي، الذي اكتفى بتزويد إسرائيل بالإمدادات العسكرية، لتدمير المشروع النووي السوري، المنشأ حديثاً وقتئذ.
وكانت الخطة تقوم على اعتماد أسلوب الغارة الجوية وعنصر المفاجأة، بحيث يتم تدمير الهدف بعيداً عن الأضواء والضوضاء وتضع الأسد في حالة إرباك.
كاد الهجوم الإسرائيلي على المفاعل المفترض أن يشعل حرباً شاملة مع سوريا، وفقاً لمعطيات ذكرها رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، إلا أن الأسد لم يرد على الهجوم خلافاً للتوقعات الإسرائيلية.
ويكشف قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق أنه كان على علم بموقف الجانب السوري المحتمل في حال قصفت إسرائيل المفاعل، وكانت التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن الأسد ومعه إيران كانا على استعداد مسبق لهجوم أميركي إسرائيلي بعد تلقيه تحذيرات استخبارية من إحدى الدول الصديقة.
يترجم موقع "تلفزيون سوريا" أجزاء واسعة من الحوار وأبرز ما جاء فيه مع قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق إلعازر شكدي ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، يتضمن تفاصيل ولحظات التخطيط والتنفيذ وملابسات أخرى تنشر لأول مرة.
حوار مع قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق اللواء إليعازر شكدي
*متى علمت لأول مرة أن الأسد كان يبني مفاعلاً نووياً في الصحراء؟
عندما كنت رئيس قسم العمليات في سلاح الجو، قررت عدم الاكتفاء بجمع المعلومات الاستخبارية من التحليلات والتفسيرات، ولكن طلبت قراءة المواد الخام.
في نهاية عام 2006، لاحظت فجأة خبراً غريباً جداً جاء من سوريا، أثار انتباهي، وحاولت معرفة مدى ارتباطه بصلب مهامنا، لذلك شكلت فريقاً استخباراتياً خاصاً، يضم خبراء من المخابرات الجوية ومن المخابرات العسكرية "آمان"، وتلقيت نتائج بأن هناك مؤشرات غير نهائية عن احتمال أن تكون سوريا تطور أسلحة نووية سراً، وهذه المؤشرات بدأت تثير الشكوك من دون أن تكون هناك دلائل قطعية.
*إذن، ظهر مؤشر الخطر "الضوء الأحمر" في نهاية عام 2006؟
نعم، لكن الدليل النهائي قدمه الموساد في وقت لاحق، في آذار/مارس 2007.
*ما الذي جال في ذهنك لحظة سماعك أن الأسد لديه مفاعل نووي؟ هل أدركت بالفعل أنك ستواجه هذا المفاعل يوماً ما؟ خصوصا -أنه في النهاية- أن الشخص الذي سيضطر إلى تدميره هو أنت؟
في تلك اللحظة فهمت أن الأمر يتعلق بحدث استثنائي ويفوق قدرتنا، ولكن كان من الواضح لي أن سلاح الجو سيتعين عليه التعامل معه بأقصى درجات الدقة وفق الطرق الممكنة.
وكنت طوال تلك الفترة ينتابني شعور بالازدواجية، من ناحية كيف يجب تدمير الهدف بطريقة احترافية، ومن الناحية الأخرى كان الأمر لا يتعلق بمجرد عملية عسكرية اعتيادية "إنها أكبر منا جميعاً".
الدور الأميركي
يشير إليعازر شكدي إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، آنذاك، إيهود أولمرت، توجه خلال التحضير للضربة العسكرية إلى الولايات المتحدة، رغم قناعة أولمرت بأن إسرائيل هي الوحيدة التي يجب عليها القيام بهذه المهمة.
ويقول إليعازر، كان أولمرت على حق، وفهمت منطقه، لأنه إذا قام الأميركيون بتدمير المفاعل السوري، ستكون رسالة رادعة غير مسبوقة لبقية دول الشرق الأوسط. وتأثيرها أقوى من تدمير قواتنا الجوية للمفاعل، مشيراً إلى أنه فضّل الحفاظ على قوة الردع الإسرائيلي في المنطقة.
*إذاً، ماذا فعلت؟
قررت تجاهل النداء الموجه إلى الأميركيين، ولم أنتظر الرد من واشنطن، وسارعت في إعداد الخطط الأسرع والأكثر فاعلية لتدمير المفاعل السوري، وذلك تحسباً "في حال جاءني رئيس الوزراء وسألني إذا يمكننا تنفيذ العملية صباح غدٍ، فسأقول له: نعم ".
*متى أعلن الأميركيون أنهم لن يهاجموا؟
اتصل أولمرت بالرئيس الأميركي، آنذاك، جورج بوش على الفور، ولكن رد واشنطن جاء بالرفض، في تموز/يوليو 2007، ولم يكن لديهم خلافات معنا، وقد اطلعوا على المعلومات ورأوا المواد وفهموا ما يجري بناؤه في صحراء دير الزور.
لكن بوش قرر عدم الهجوم، ومن وجهة نظره لم يكن على إسرائيل أن تستخدم الخيار العسكري، مفضلاً المسار الدبلوماسي وأرسل وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس لهذه المهمة.
ومن دواعي سروري أن أولمرت أظهر العزم في هذا الموقف ورفض الطرق الدبلوماسية، وأبلغ الأميركيين ببساطة: إذا لم تهاجموا فسنهاجم المفاعل السوري، وبعدها تسارعت استعداداتنا لشن الهجوم بشكل كبير.
*كانت هناك عدة خيارات لتدمير المفاعل، وليس فقط سلاح الجو، أليس كذلك؟ وكان لديك ثلاث أو أربع خطط بديلة: من هجوم علني واسع ومزلزل عبر عشرات الطائرات إلى هجوم محدود ومن دون صخب عبر ثماني طائرات فقط.
وضعنا كل هذه الخطط وكان لسلاح الجو الدور الأبرز، كما درسنا جميع الاحتمالات والخيارات، منها هجوم جوي فقط، ومنها هجوم جوي وبري معاً، وكان هناك العديد من الإصدارات.
حرصت على أن يكون الهدف تدمير المفاعل من دون التسبب بحرب مواجهة شاملة، وهذا يعني، أن يكون الهجوم بعيداً عن الأضواء قدر الإمكان.
وكانت الخطة بأن نهاجم جواً بنوعين من الطائرات باستخدام ثلاثة أسلحة مختلفة.
*لماذا؟
كل شيء يحدث في أثناء التنقل، ويجب أن تكون الخطة آمنة، لذا عليك تغطية جميع الاحتمالات وتفادي المخاطر، نوعان من الطائرات بحيث تصل واحدة على الأقل إلى موقع الهدف، وثلاثة أنواع من الأسلحة بحيث يضرب واحد منها على الأقل الهدف ويدمره.
*كيف تعاملت مع احتمال أن يبدأ الأسد حرباً شاملة عندما يكتشف أن مفاعله قد دمر؟
كان علينا إيجاد طريقة يمكننا من خلالها مهاجمة المفاعل وتدميره، بأي ثمن، ومن دون أن يستوعب الطرف الآخر ما حدث، عبر عملية خاطفة ومفاجئة.
حوار مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت
لاستيضاح مزيد من الجوانب حول خطة تدمير موقع "الكبر"، يقول الصحفي الإسرائيلي بن كسبيت اتصلت هاتفياً برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، الذي أعطى الضوء الأخضر لعملية "خارج الصندوق".
يقول أولمرت كان الأمر معقداً ولم يكن مجرد تدمير مفاعل، وإنما كان علينا تجنب اندلاع حرب شاملة وبكثافة لم نختبرها بعد، لا سيما أن الأسد كان في وضعية الاستعداد لشن حرب على إسرائيل في ذلك الوقت.
ويضيف أولمرت كانت تقديراتنا تشير إلى أن الأسد سيضغط على الزر (الرد العسكري) في حال نفذنا العملية.
*لماذا فعل ذلك؟
في بداية ذلك العام 2007 تلقى السوريون معلومات تفيد بأن إسرائيل والولايات المتحدة تخططان لشن هجوم في خريف ذلك العام، الولايات المتحدة ستضرب إيران وإسرائيل ستضرب سوريا، وصلت إليهم المعلومات من خلال معلومات استخبارية من دولة ثالثة، كانت على صلة وثيقة بهم.
وبالفعل أخرج الأسد، في نهاية تموز/يوليو 2007، مئات الصواريخ التي تزن أطناناً، والتي يتراوح مدى انحرافها بين 30 إلى 60 متراً، ووضعها على منصات الإطلاق، كان مستعداً لإطلاق النار بضغطة زر على جميع الأهداف الاستراتيجية في إسرائيل، وكنا نعرف بنك أهدافه.
الأسد لم يكن يعرف أننا علمنا بأمر المفاعل النووي، ولكن كان الخوف هو أن يفسر الأسد الهجوم على المفاعل على أنه بداية الحرب التي تم تحذيره منها، وعندها سيطلق هذه المئات من الصواريخ علينا.
وصل التعقيد لدرجة أنني رفضت مقترحاً من قبل وزارة الدفاع، يقضي بتوزيع الأقنعة الواقية على جميع المستوطنات الشمالية تحسباً لرد الأسد، لأنه بمجرد توزيع الأقنعة سيصل الخبر إلى السوريين، وبعدها سيكونون مقتنعين بأننا كنا نخطط لشن هجوم عليهم.
سألوني وقتها، ماذا ستفعل إذا رد الأسد كيميائياً؟ قلت: أنا رئيس الوزراء، إنها مسؤوليتي.
كان علينا الاستعداد لهجوم ندمر فيه المفاعل، في نفس الوقت الاستعداد لحرب شاملة، كل ذلك تحت جناح السرية التامة/ ومن دون أي تسريب، مع الحرص على إتاحة مجال للأسد في التملص من الرد بحيث نسمح له بامتصاص الضربة بصمت من دون أن يرد.
كانت إحدى أكثر العمليات التي يمكن تخيلها تعقيداً.
*كيف تستعد لحرب شاملة "يأجوج ومأجوج" بهذا الصمت؟
رئيس الأركان غابي أشكنازي فعل ذلك في ظل هذه الظروف. كان الجيش بأكمله يستعد ويتدرب، ولم يعرف أحد لماذا. وكان التفكير فيما سيحدث في أسوأ السيناريوهات، لأنه عندما يطلق السوريون علينا مئات الصواريخ وتندلع الحرب. سوف يعتقد العالم أننا مجانين، وأننا بدأنا الحرب. لهذا السبب قمنا سراً بإعداد حملة أطلقنا عليها اسم "الدوري الممتاز"، مع مجموعات دعاية سرية خاصة تم إعدادها لكل دولة على حدة، مع عدد كبير من المبعوثين الذين كان من المفترض أن ينطلقوا في اليوم التالي إلى جميع الوجهات المهمة في العالم يشرحوا لهم أهداف الضربة وما المستهدف فيها، حتى يفهم الجميع أن إسرائيل لا تحرض على الحرب، ولكي يعرفوا ماذا ينوي الأسد بناءه في صحراء دير الزور.
*كيف جرت الاستعدادات للحرب؟
كانت هناك مشكلة في التوقيت. كنا بعد حرب لبنان الثانية (تموز 2006)، مع الكثير من النقص وتجديد الموارد. كما كنا نحرص على ألا تندلع الحرب في الشتاء، لأن الطقس سيحرمنا من ميزة جوية هائلة، بعبارة أخرى، يجب ألا ندخل في شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر، كان الوقت قصيراً، وعندما قدم إليّ رئيس الأركان أشكنازي قائمة طويلة من عشرات الوسائل من الإمدادات اللازمة للحرب.
أرسلت، على الفور، توربو (يورام توربوفيتش، رئيس مكتب أولمرت) إلى البيت الأبيض. طار توربو في المساء، ووصل في الصباح، وجلس مع ستيف هيدلي، مستشار الأمن القومي، الذي بدوره أبلغ الرئيس بوش.
*متى حدث ذلك؟
في بداية شهر آب/أغسطس 2007، سألنا الأميركيون كيف نريد استلام الإمدادات، عبر سرب جوي أم عبر السفن؟ افترضنا أن تلقي الإمدادات عبر طائرات جالاكسي سيتم تسريبه، لذلك فضلنا السفن.
وأخبرنا الأميركيين بطريقة التسليم وأن الأمر عاجل للغاية، لقد جمعوا كل ما طلبناه من أسلحة من مخازن الطوارئ والمخزون الموجود، من كل مكان وقاموا بتحميل سفينة ضخمة جداً، لا يمكن أن ترسو على شواطئ إسرائيل، لذا رست في جزيرة كريت، بعدها أغلقنا ميناء أشدود لمدة يومين، ونقلنا كل شيء في سلسلة سفن من جزيرة كريت إلى هنا، ثم جاءني رئيس الأركان وقال لي: أنا جاهز"
*كم كانت الكلفة؟
ستندهش، لم يكلفنا ذلك شيئا على الإطلاق. كل هذه الإمدادات تم تحويلها إلى مخازن الطوارئ للولايات المتحدة الموجودة لدينا، بمعنى آخر لم ندفع أي أموال على الإطلاق، لقد خرجت الأموال من البنوك الأميركية. وذهبت إلى البنوك الأميركية.
*هناك إشاعات مفادها أن قصة المفاعل السوري تم تسريبها إلى صحفي أميركي، مما عجل بالهجوم؟
ليس صحيحاً، نحن من أخبر الأميركيين في مرحلة ما من إعداد الخطة بأن هناك جهة استخبارات "من دولة صديقة" مهتمة أخبرتنا فجأة بما يحدث في الصحراء السورية. الأمر الذي جعل معظم جهود الأقمار الصناعية تركز فجأة إلى تلك المنطقة.
وأنا بدوري رفعت سماعة الهاتف واتصلت برئيس وزراء تلك الدولة، ورتبت معه أن يسافر رجالي للقاء نظرائهم في بلدهم، وأرسلت مائير داغان وعاموس يادلين إلى هناك، وجلسوا مع رئيس الخدمات (المخابرات) في الدولة الصديقة.
كنا على صلة قرابة (تقارب) مع تلك الدولة، وقررت تحديثهم (الدولة الصديقة) بمستجدات الموضوع، بشرط ألا يتصرفوا ولا يسربوا أي معلومة، وقلت لرئيس الوزراء فيها: سأبقيك على اطلاع، بشرط ألا تخبر أي مخلوق.
في وقت لاحق، عندما أنهى رئيس الخدمات (مسؤول المخابرات) في الدولة الصديقة مهامه، قابلني وأخبرني بأنها كانت لحظة نادرة وغير مسبوقة في تاريخ بلاده، وهي أن دولة أجنبية تبلغهم بقراراتها قبل الشروع بتنفيذ عملية حساسة مثل هذه.
وقال لي المسؤول الاستخباري الأجنبي إنه عندما أبلغ رئيس وزرائه بهذا الأمر كاد أن يبكي.
*دعنا نذهب إلى ذلك الاجتماع حيث تم تقديم جميع المقترحات وطرق العمل؟
كان ذلك في يوم الجمعة، 31 آب/أغسطس 2007، في مقر إقامتي في قصر بلفور بالقدس الغربية. طلبت من الفريق تقديم جميع البدائل. وكنت قد نسقت مسبقاً مع شكدي لتقديم البديل الذي أطلقنا عليه اسم" العزف الهادئ"، وكانت بديلاً عن خطة أكثر صخباً اسمها "أضواء المسرح".
كانت خطة " أضواء المسرح" تقضي بأن تدمير المفاعل سيفضي إلى تدمير منظومة الصواريخ السورية بأكملها أيضاً، وذلك من أجل منع الضرر الاستراتيجي الذي يلحق بنا في حال نشوب الحرب، ولكن الخطة تغيرت.
واتفقنا أنا ومائير داغان وعاموس يادلين وإليعازر شكدي على أن تتم الضربة من دون ضوضاء ومن دون استجلاب الرد السوري، وفقاً للخطة التي قدمها شكدي "العزف الهادئ".
*أنا أفهم أن البديل كان عملية برية من قبل وحدات خاصة، والتي كانت جاهزة بالكامل بالفعل.
صحيح. لكن قوة العملية الجوية كانت أكبر بكثير، حيث أسقطت طائراتنا المقاتلة 17.2 طناً من المتفجرات على المفاعل السوري. بينما في العملية البرية، كانت القوة أقل بكثير، وكنا نخشى من مخاطر إعادة القوات إلى البلاد عبر مئات الكيلومترات في أرض "العدو".
ساعة الصفر
بعد أسبوع من اجتماع قصر بلفور والذي اتخذ فيه القرار وتحديد الخطة، نفذت المقاتلات الحربية الإسرائيلية في 6 أيلول/سبتمبر عملية "خارج الصندوق"، إلا أن الطيارين الإسرائيليين لم يكونوا على علم بالمهمة ونوعية الهدف.
يقول قائد سلاح الجو الإسرائيلي إليعازر شكدي، كان هناك عدد قليل جداً من المشاركين السريين. في كل سرب كان هناك شخص واحد يعرف، وجميع الطيارين وأعضاء الأطقم الجوية تلقوا تدريبات على نماذج تحاكي الهدف، ولا يعرفون إلى أين سيطيرون وما الغرض من هذه التدريبات.
ويضيف شكدي، لقد صنعت نماذج لكل برنامج، وبمختلف الأحجام، سواء من خطة “أضواء المسرح" إلى "العزف الهادئ"، حتى إن رئيس الأركان غابي أشكنازي حضر التمرين، وأردته أن يطير ويجرب بنفسه في أحد النماذج، ولكنه لم ينجح لضيق الوقت.
ويتابع، لقد استغرقت العملية نحو ساعتين ونصف الساعة. كانت كلمة السر لتدمير المفاعل هي" أريزونا "، والتي كان على الملاح أن يبلغنا بها، بعد أن يتلقى من كل طيار تقرير "ألفا" بعد إصابة الهدف. انتظرنا تلك الكلمات.. عندما سمعت "أريزونا" كانت لحظة حاسمة، ولكن بعدها بقيت 20 دقيقة أخرى، لأنه في أي لحظة يمكن أن تندلع الحرب.