تجدد إسرائيل تأكيد خطها الأحمر في سوريا، عبر إعادة طرح ملف الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد، مؤكدة أن عدداً من الهجمات التي نفذتها في سوريا استهدفت منشآت لإنتاج الأسلحة الكيميائية تابعة للنظام، كان آخرها قبل ستة أشهر، وذلك بالتزامن مع ما كشفه تقرير صحيفة "واشنطن بوسطت" بهذا الخصوص.
وقال معلق صحيفة "يديعوت أحرونوت" للشؤون الأمنية والعسكرية، رون بن يشاي، إن الهجوم الإسرائيلي في 8 حزيران/يونيو الماضي، الذي أشار إليه تقرير "واشنطن بوست"، كان أحد أهم العمليات العسكرية التي قامت بها إسرائيل، بشكل سري، بهدف منع نظام الأسد من القدرة على إنتاج أسلحة دمار شامل.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" كشفت في تقرير نشرته، أمس الإثنين، أن إسرائيل نفذت هجومين في سوريا لإحباط محاولات الأسد لاستئناف إنتاج غاز الأعصاب القاتل (السارين)، الهجوم الأول كان في 5 مارس/آذار من العام الماضي على "فيلا" جنوب شرقي حمص، والثاني في 8 حزيران/يونيو الماضي.
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن الهجوم الأخير استهدف ثلاث منشآت عسكرية قرب مدينتي دمشق وحمص، ترى تل أبيب أنَّ النظام كان يستخدمها لإعادة بناء برنامجه لإنتاج أسلحة كيميائية.
وزاد بن يشاي، أن الهجومين المذكورين لم يكونا الأول من نوعهما، مشيراً إلى أن بداية الحرب الإسرائيلية ضد استئناف الأسد لبرنامجه الكيماوي كانت في هجوم نفذه سلاح الجو الإسرائيلي في نيسان/أبريل 2018 على "معهد 4000"، المخصص لتطوير وتصنيع الأسلحة الكيميائية، في مدينة مصياف التابعة لمحافظة حماة.
وأوضح الخبير الأمني والعسكري الإسرائيلي، أن إسرائيل اكتشفت أن نظام الأسد مستمر في إنتاج الأسلحة الكيميائية على الرغم من توقيعه صفقة تسليم مخزونه الكيماوي بضغط دولي قبل ثماني سنوات.
وتكرر في الأيام الأخيرة فتح ملف الأسد الكيماوي في عدة اجتماعات دولية، ودعت الأمم المتحدة، الأربعاء الماضي، إلى محاسبة المتورطين باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، مطالبة نظام الأسد بالتعاون مع "منظمة حظر الأسلحة الكيماوية".
وسبق ذلك انعقاد المؤتمر السادس والعشرين لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للدول الأعضاء، في 2 من الشهر الحالي في بريطانيا، وقالت النائبة البريطانية، أنابيل جولدي، عضو مجلس اللوردات، إن برنامج الأسلحة الكيماوية في سوريا لا يزال مصدر قلق بالغ، والحقيقة الصارخة هي أن نظام الأسد قتل المئات من أبناء سوريا بهذه الأسلحة.
الخط الأحمر الإسرائيلي
وقال بن يشاي، تعليقاً على تقرير "واشنطن بوست"، إن تدمير سلاح الجو الإسرائيلي لمنشآت تصنيع الكيماوي هي رسالة للأسد وإيران، بأن إسرائيل لن تتوانى للحظة واحدة عن فرض خطها الأحمر الذي وضعته، والمتمثل بمنع تطوير الأسلحة غير التقليدية بما فيها الأسلحة الكيميائية.
وأعلنت إسرائيل مراراً أنها لن تتردد في استخدام القوة، إذا لزم الأمر، لمنع نظام الأسد من نقل مثل هذه الأسلحة إلى حزب الله في لبنان أو استخدامها بنفسه ضد إسرائيل.
ويربط الخبير الأمني والعسكري الإسرائيلي، إعادة إسرائيل طرح ملف الأسد الكيماوي بتعثر المفاوضات النووية الجارية في فيينا، والرامية لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي ترفضه إسرائيل وتحاول منعه وتضع الخيار العسكري على الطاولة لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
ويأتي كشف إسرائيل عن ضرباتها ضد نشاطات الأسد الكيماوية تسويقاً لخطط الجيش الإسرائيلي البديلة في المرحلة الحالية في مواجهة النووي الإيراني عبر تكثيف ضرباتها ضد إيران في سوريا.
وفي هذا السياق، أشارت تقارير إسرائيلية سابقة إلى أن الجيش الإسرائيلي سيلجأ إلى تكثيف ضرباته ضد إيران في سوريا في ظل صعوبة توجيه ضربة عسكرية فورية ضد إيران في حال فشلت المفاوضات في فيينا، وذلك ريثما يتم الانتهاء من الاستعدادات الجارية لضرب المفاعلات النووية لإيران.
الصفقة المشؤومة
وكان نظام الأسد أفلت من العقاب على استخدامه السلاح الكيماوي وخاصة غاز السارين، المحرم دولياً، ضد المدنيين في غوطة دمشق الشرقية، عبر صفقة روسية أميركية، نسجها حليفه الرئيس الروسي بوتين لإنقاذه، تضمنت تسليمه ترسانة الأسلحة الكيميائية وأنه يجب تدميرها والتخلص منها بحلول منتصف 2014.
وجاءت الصفقة التي حمت الأسد من العقاب، بعد ارتكابه مجزرة فظيعة هزت العالم في ضرب المدنيين بالغوطة الشرقية ومعضمية الشام في ليلة الـ 21 من آب/أغسطس 2013، راح ضحيتها نحو 1400 مدني بينهم مئات الأطفال والنساء.
وفي 27 من أيلول 2013، تبنى مجلس الأمن الدولي، قراراً حمل رقم 2118، بشأن نزع السلاح الكيماوي من نظام الأسد، أشار فيه إلى إمكانية فرض عقوبات واستخدام القوة في حال تنفيذ هجمات كيميائية في سوريا من قبل أي طرف.
ولم تكترث الصفقة لإنصاف الضحايا وإنما اكتفت بنزع السلاح من يد الجاني من دون أن تردعه، وكانت نتيجة اتفاق "غامض"، جعل أوباما يتراجع في اللحظات الأخيرة عما اعتُبر ساعة الصفر للتدخل العسكري الأميركي ضد النظام السوري على تجاوزه "الخط الأحمر" الذي رسمه (أوباما) قبل أن يكون خطاً إسرائيلياً أحمر.
وأشار بن يشاي إلى أن النظام واظب على استخدم الأسلحة الكيماوية منذ 2012 وخاصة غاز السارين القاتل، ولكن مجزرة الكيماوي، المذكورة آنفاً، كانت نقطة فاصلة في تاريخ برنامج الترسانة الكيميائية لنظام الأسد.
حينذاك، هدد الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما، بتوجيه ضربة عسكرية ضد النظام، والتي كانت وشيكة، ولأسباب غير مفهومة توقفت، وأغمض أوباما عينيه واستغل بوتين حليف الأسد الفرصة لعقد الصفقة والتي اعتبرها فرصته لكسب مكانة عالمية.
يشار إلى أنه في 2014 قدم مدير الأسلحة الكيماوية بالوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً سرياً لمجلس الأمن، جاء فيه أنه تم تسلّم وتدمير 1300 طن من الأسلحة الكيميائية كانت في مخازن جيش النظام في سوريا.
إسرائيل وصفقة الكيماوي
كانت تقديرات الجيش والمخابرات الإسرائيلية أن خطر أسلحة الأسد الكيميائية على إسرائيل قد زال بعد صفقة الكيماوي، ما يشير إلى أن تل أبيب كانت أبرز المستفيدين منها.
وأوضح بن يشاي هذه النقطة، أن أجهزة الدفاع والاستخبارات قدرت أن الأسد لم يعد بإمكانه تهديد إسرائيل بالأسلحة الكيميائية، لذلك قررت تل أبيب إيقاف توزيع الأقنعة الواقية عن مواطني إسرائيل، حتى أنها قلصت التصنيع، كما أوقف الجيش الإسرائيلي بشكل شبه كامل التدريبات الخاصة بالتعامل مع الأسلحة الكيميائية.
واستدرك الخبير الأمني والعسكري، إلا أن إسرائيل خاب أملها، فلم تمض سوى ثلاثة أشهر من إبلاغ مجلس الأمن بأن عملية تفكيك الأسلحة الكيميائية في سوريا قد اكتملت حتى تبين أن نظام الأسد لا يزال يمتلك احتياطات كبيرة من الأسلحة الكيميائية، الأمر الذي أثار مخاوف تل أبيب مجدداً.
وعلى الرغم من توقف الأسد عن استخدام غاز السارين القاتل، في أعقاب الصفقة، فإنه استمر في استخدام غاز الكلور بتراكيز عالية، بحسب الخبير الإسرائيلي.
وفي 2017 عاد النظام لاستخدام غاز السارين ضد المدنيين في مدينة خان شيخون بريف إدلب، الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي، آنذاك، دونالد ترامب إلى الأمر بشن هجوم على سوريا كعقاب لنظام الأسد، وبالفعل في 7 نيسان/أبريل 2017 ضربت أميركا مطار الشعيرات قرب حمص ومركز برزة للبحوث العلمية.