على مسرح زقاق في بيروت، وضمن إطار فعاليات برنامج (بح) للعروض المسرحية في لبنان، قُدِّم عرض "نورس" (كتابة وإخراج: نور شماع، تمثيل: نور شماع وميسان شرف الدين)، وهو العرض الأول الذي قُدِّم في برنامج بح المسرحي لهذا العام.
أجرى موقع تلفزيون سوريا الحوار التالي مع الكاتب والمخرج نور شماع، ننشره هنا مع مقتطفات من النص المسرحي وكلمات أغنيات الراب التي تُقدَّم خلال العرض.
الشخصية المسرحية السورية بين أسئلة المصير واللجوء وهواجس الإبداع
ورغم أن عنوان العرض المسرحي يتكون من اسم علم "نورس"، إلا أن مجريات السرد المسرحي لا تكشف حتى النهاية أننا أمام عرض مسرحي من ذلك النوع الذي يبتكر شخصية أساسية تحملها الذاكرة المسرحية كشخصية نموذجية رُسِمَت في تناقضاتها وتساوقاتها، أسئلتها ومصيرها، ضياعها وأهدافها، بطريقة تجمع بين دقة التأليف وهزل الأداء المونودرامي الذي يقدمه نور شماع كأحد مستويات الشخصية.
يظهر نورس كشخصية عصابية بقدر ما هي إبداعية، نرجسية بقدر ما تحمل كلمات أغانيه الهم العام والأسئلة الاجتماعية والسياسية. يتعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي باستهتار، لكنه يرفض التقييم القادم منها دون نقد.
تفتح الخشبة على ديكور غرفة: كنبة، طاولة، شاشة، ومايكروفون، تشكل سينوغرافيا الغرفة الخاصة بالشخصية. هذا المكان النموذجي يجسد الغرف الهامشية للشباب اللاجئ السوري في بيروت، وما يلبث أن يتحول إلى مكان مسرحي يربط الذاكرة في ماضي سورية مع اللحظة الراهنة في بيروت. يمتلك نورس أيضاً صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي وبرنامج يوتيوب، ومايكروفون يحول الغرفة إلى منصة للغناء، يُقدِّم عليها نورس أغانيه من الراب.
مونولوجات، تمثيل، غناء، يوتيوبر، وحكاية، بالإضافة إلى النقاشات التي توجهها الشخصية للجمهور، تجعل من مستويات العرض متعددة، ونخص بالذكر أخيراً حضور الذكاء الاصطناعي، متمثلاً بروبوت (كالي، تمثيل ميسان شرف الدين).
ليست هواجس الفئة المهمشة وأسئلة المصير واللجوء التي تعيشها الشخصية السورية وحدها ما يقترحه العرض، بل يسعى إلى طرح أسئلة الكتابة والإبداع المسرحي المعاصر، مثلاً في علاقتها مع الذكاء الاصطناعي. سنكتشف أن مهمة (الروبوت كالي) هي النقد المسرحي لعرض نورس ونصوصه، وإيجاد المعنى أو الرابط المنطقي بين هذياناته المستمرة وبين إمكانية تحويل كل ذلك إلى عرض مسرحي مكتمل.
يكتب المؤلف والمخرج المسرحي في تقديم العرض: "من أنا في خضم هذا الوجود؟ كيف أجد معنى في واقع مشتت؟
دماغي البشري البسيط لا يستوعب واقعاً جديداً. لا بد أن تنتهي هذه القصة، وأن ينتهي هذا الدور الإجرائي في التاريخ، أن يموت أو أن يعيش حياة لا تتصدر صفحات الأخبار.
المسرح يفتح فضاءه ويدعونا لنعيش مع فنان ناشئ يحاول أن يجمع شتات نفسه وأن يجد معنى لحياته ما يحب هنا والآن.
نورس شخصية ضائعة، لكن ربما ضياعها اليوم يقودها إلى مكان ما... ربما هذه المرة لن تنسى كل ما حدث عندما تستيقظ.
لتقفز الحالات والصور والأفكار بشكل عشوائي، علّها تجد معناها عندما تُشارك".
- أريد أن أتوقف عند دخول الشخصية إلى الخشبة. لقد دخل نورس بجو من المزاح إلى خشبة المسرح، لعب مع الجمهور الغميضة، وتوجه إليهم مباشرة بالكلام. لماذا خيار الكوميديا لإطار مسرحي يفترض أن يعالج أزمة الشباب المبدع اللاجئ؟ يبدو وكأنك رسمت العرض وتنويعاته بين الجد والهزل بشكل دقيق، حيث تنتقل المشاهد بين الضحك الهزلي وبين الفاجعة المأساوية؟
بدايةً، اسمح لي أن أتطرق قليلاً إلى طبيعة العرض والمعالجات التي مر بها. لقد كنت بحاجة إلى هذا العرض، لطالما أغراني الأداء التمثيلي، واقتنعت بضرورة أن أتكبد عناء وخطورة وطقسية بأن أكون على الخشبة أمام الجمهور وأن أجد المعنى من وراء كل ذلك. لطالما كنت أميل للتفكير أن المسرح أيضاً مناسبة اجتماعية تتطلب من الكرم ما نقدمه لضيوفنا الأعزاء. لقد وضعت نفسي في سياق كتابة أدائية بحثية سرقت منها جلسات لمعالجة النص ككاتب. وكما رويت داخل العرض في المشهد الذي تلى دخولي "الممازحة"، ببساطة كانت هذه طريقتي الفطرية كطفل كلما زارنا ضيوف جدد، كنت أختفي إلى غرفة النوم مفكراً بلعبة مزحة أو تمثيلية لأخرج وأتواصل مع الضيوف، لقد كانت طريقتي لكسر جليد الحرج. وكذا كان في عرضي الأدائي الأول، كانت طريقتي لأشعر بأمان حضوري مع الجمهور، طريقتي لكسر الصمت والجمود الذي قد أواجهه في القاعة. من الناحية الدراماتورجية، أستطيع أن أقول إن هذه البداية كانت مناسبة لتقريب المؤدي من الجمهور وأيضاً اكتشاف بداية جديدة للدخول في أزمة تم تنميطها كثيراً حتى فقد الناس الصلة بها. أرجو أن أكون قد وفقت في رسم شكل جديد مكثف بما يكفي ليعكس صورة من عمق الأزمة ومقدار جنونها، وواضح بما يكفي ليكون خطاباً سياسياً-اجتماعياً كفيلاً بأن يؤخذ على محمل الجد.
- في المشهد التالي تروي عن طفولة نورس، أخوته من الكرد، صديقة جدته التي تعمده بالكنيسة، ويقول إنه قريب لزين العابدين، وبعد ذلك تتطرق إلى التدريب العسكري الممارس في مدارس الأطفال في سورية، وتالياً حكاية موت صديقة مقربة منه برصاصة قناص. هل تشكل العناصر السابقة، بتتاليها، محطات أساسية في الطفولة وحياة الفرد السوري؟ دين، عسكرية، عنف؟
ما أردت إيصاله من هذا المشهد هو كينونتي المتعددة المشارب الثقافية، سرداً مني لواقع غُيِّب. واقع كنا فيه -ولو على مضض- نسيجاً واحداً، واقعاً كنت فيه صورة ونتيجة لتعايش حقيقي وفهم موحد لطبيعة الهوية الوطنية التي تواجه التفقير والظلم والتجهيل والقيد المحلي والعالمي على المشاركة بخلق العالم من خلال التهميش والتصغير وتنميطنا بالعسكرة والجهل، على الرغم من أننا ننتمي لواقع غني حضارياً ومادياً وثقافياً. حاولت أن أروي صيرورته وما حدث لهذا الواقع من خلال إعادة روي قصتي فيه وبالعلاقة معه. قد لا يشاركني الكثير هذا الشعور وتلك الذاكرة، لكنها كانت هناك وأنا الشاهد عليها، بل أيضاً نتيجتها المادية والفكرية. أما عن تتالي محطات حياة الفرد السوري كدين عسكرية عنف، فقد أتفق على أن هذا التتالي حصل فعلاً لدى بعض الناس، لكني لا أراه تتالياً حتمياً جرى على الجميع. لكل قصة تتاليها ومفرداتها، وأرى أنه لا توجد متتالية قادرة على وصف حياة الفرد السوري خصيصاً في سياق مفرداتي كدين، عسكرية، عنف. قد تجد الدين ومن ثم العنف والعسكرية، أو قد تجد عسكرة تحرر الدين أو عنف عسكرة دين، خصوصاً في بعض البقع الجغرافية في سوريا التي أوصل العنف والموت بعض أفرادها إلى الاعتكاف عبادة بانتظار الموت أو الفرج بعد أن فقدوا الأمل بالإنسانية والقانون الدولي.
- يسجل نورس فيديو عبر كاميرا الكمبيوتر، حلقة من برنامجه الذي يقدمه على محطته الخاصة على يوتيوب. يجري الحديث في المشهد مع جمهور يوتيوب من ناحية ومع جمهور الصالة المسرحية من ناحية أخرى، وتتركز الموضوع على الجنس. أريد أن أتوقف عند اختيار هذه الموضوعة للحلقة التي سجلها. هل هو تأكيد على أهمية موضوع الجنس، رغم طغيان موضوعات الحقوق واللجوء والعنصرية في المسرح السوري واللبناني؟
المشهد الخاص بالمسرحية بقناة "مسرح نورس على يوتيوب" هو نقطة التقاء العرض المسرحي مع وسيط يوتيوب على الإنترنت، وهو جزء من نقاط تواصل الجمهور مع العرض وخلطة الأونلاين أوفلاين للفضاء المسرحي. أما عن الموضوع، فأعتقد أن الجنس، على الرغم من مركزيته وأهميته في تفاعلاتنا اليومية وسلوكياتنا، غاب النقاش حوله وتوجه النقاش العام الآن إلى الجنسانية والميول الجنسي، وهي مفردات أعتقد أن نقاشها لا بد وأن ينطلق أساساً من نقاش موضوع الجنس ومعناه الأخلاقي وأبعاده النفسية ومساحة التعبير عن الذات فيه وتطوير الشخصية بالعلاقة معه ومع مفردات أخرى مثل الخوف من الموت وحب الثناء وإيجاد معنى لكل هذه الفوضى التي نعيشها كلما التفتنا لسؤال الجدوى.
كما أنني أعتبر أن المسميات المفروضة على حركة حياة الأفراد، كاللجوء والعنصرية، وعلى الرغم من أهميتها وضرورة المعركة في إحقاق حقوقها، لا تشمل الأبعاد الإنسانية للفرد بقدر ما تناقش المسمى الذي سيطلقه كيان فاسد على واقع مر. أعتقد أن فتح موضوعات أخرى مشتركة إنسانية كالجنس يفتح على أفق المشاركة الثقافية، ويحرض على الاختلاط والحب بمواجهة التفرقة والقمع.
- يقدم نورس على المسرح أغنيتين من نوع الراب. تحمل الشخصية المايكروفون وتغني لمدة 10 دقائق الأغنية الأولى بعنوان (اسبح بحمدك)، والممثل للشخصية هو أنت، المخرج. فهل تقدم نفسك كمغني راب قادم؟ هل فكرت برد فعل الجمهور الرافض أن يكون العرض المسرحي حفلة غنائية، أم أن مضمون الأغنيتين يمكن أن يكونا من تأليف شخصية نورس؟ أم أنك تباعد بين الشخصية التي تؤديها نورس وبين المؤلف والمخرج نور؟
الأغنية الأولى: بعنوان "اسبح بحمدك"
مكتوبة بلغة المحكي البذيئة والجريئة، وتلعب على الألفاظ بطريقة تصعب على الجمهور، لكن المضامين واضحة في الدفاع عن الإنسانية والديمقراطية، وإدانة العنصرية. ثم في الفقرة الثانية، تركز الأغنية على فكرة المقاومة.
أغنية 1: اسبح بحمدك
بتكون حيوان بشري لما تفقد إنسانيتك
ديمقراطية اللي معو واك خرا ععنصريتك
يا محتل لسا فينا عبد القادر، لسا فينا حيل نعافر
وقد ما تزود بالتشتيت، في ذكاء أجيال مرابطة صوت بقلبي يقلي: قاوم
على نفس على طاقتك راهن … فبقاوم وبقاوم
بدنا نضل نحكي باسمينا لحتى النانات تكفينا وتدل عالفاعل
وإذا الحضارة عكتاف المدنية، الحضارة بالفرنك الأفريقي
إذا الحضارة عحساب بلدي، عحساب جنسيتي أو مين أنا
عالمتحف بلا زوار بس للعبرة
أنا بموت، انت بتموت، بتضل الفكرة والعرش ساقط، ساقط اليوم وبوكرة...
لأيمت رح نتركك بالوهم واقف لتم الصيرورة... لتحين اللحظة
أجد نفسي عندما أكتب حراً بلغتي. الإيقاع والضجة يشبهان حياتي، صوتي كمغني هو صوتي. أعتقد أن الراب هو أبهى صور الشعر المحكي، وأراه لغة مسرحية بامتياز لكثافة المعاني وحرية القراءة. الراب هو محاولة من محاولات نورس العديدة للبوح، لقول البذيء والهش والمقاوم. في هذا الفضاء تبدو هوية نورس/فاصل أكثر اتساقاً، فهو الصوفي الذي غضب، الصوفي المحب الذي تتصارع دواخله بين الاعتكاف والجهاد.
- فكرة توظيف الذكاء الاصطناعي في البحث عن مساعدة لكتابة نص مسرحي، أو للمساعدة في تركيب عناصر عرض مسرحي غير مكتمل في ذهن المؤلف والمخرج، أو إيجاد المضمون المنطقي الذي يربط عناصره، تتضمن الكثير من الجدة والدعابة، وهي تدخل الجمهور في تجربة إيجاد المعنى المسرحي بنفسه. وفي نهاية المسرحية يتبين فعلاً أن كاتب النص يجمع عناصر سردية واسعة، يطرح على الجمهور أسئلتها وفوضاها كما يطرحها على روبوت الذكاء الاصطناعي، يقول: "هل لكم أن تجدوا ترابطاً للنص المسرحي؟" إنه خيار لماح أن تنتقل مهمة البحث عن المعنى المترابط لمجريات المسرحية إلى مهمة الذكاء الاصطناعي أولاً، ومهمة الجمهور ثانياً؟
بدأت فكرة الـ AI كمحاولة بائسة لصوغ مقترح العرض لجهات التمويل الذين أصبحوا بعين العرض بؤساً وتشتيتاً مضافاً على كاهل فنان يحاول أن يلتقط أنفاسه بالخلق وبالتوحد مع أفكاره. هنالك ضغط اجتماعي هائل على من لا يجيدون كسب التمويل، وكأنهم لا يجيدون الفن نفسه، وكأن كل الفن صار منوطاً بـ 15 شخصاً يصيغون بمنحهم صورة مشهدنا الفني وبالتالي صورتنا الاجتماعية-الفنية.
إن إحالة النص لمراجعة الذكاء الاصطناعي هي إحالة للمنطق المفقود بعين نورس، والإحالة إلى الجمهور هي الإحالة التي يقترح العرض العودة إليها والإيمان بها ومشاركة الهشاشة أيضاً، وليس فقط الاستعراض والمبالغة للفت الانتباه، ولذلك قدم نورس نصوصه للناس في طقسية عاطفية على أنغام "عايش لغناياتي عايش للناس" للرائع دائماً لطفي بوشناق.
- خلال تمرينات نورس المسرحية، والتي تجري على الخشبة أمام الجمهور وأثناء العرض، يستذكر جسده مخزون الذاكرة، تجره يداه ليسجد ثم ليرتدي الشال، وينطلق بعدها في تمثيل-تجسيد قصص من طفولته وصولاً إلى قراره بالسفر إلى بيروت. يتكرر حضور موضوعة الذاكرة المخزنة بالجسد في أكثر من مشهد، ويتكرر سرد مجريات اتخاذه القرار للانتقال للعيش في بيروت، حتى ليبدو حدثاً مصيرياً في حياة الشخصية؟
هو كذلك، بيروت التي جاء إليها نورس هي بيروت الصحافة وحرية التعبير، بيروت التي التقى فيها -بدون مبالغة- كل الفنانين والمفكرين والرحالة والصيادين والتجار والقادة. بيروت الواعية سياسياً بوعيها للخبز والهواء، محطة المغيرين والعشاق. تلك الوردة الرائعة رآها نورس تذبل أمام عينيه، جارة الربيع، لكن أدركها الخريف سريعاً ومن بعده شتاء منفلت الأعاصير. يقف نورس على أطلال الذاكرة دون التعمق في عنف أفولها، متسائلاً ما إذا كان هذا هو الموت، أم أن موتها المؤقت مرحلة من دورة لا تنتهي من الازدهار، ويردد قوله الآتي مراراً: "إذا بتزبط معنا ببيروت بتزبط معنا وين ما كان".
- رغم حال الهجرة واللجوء التي يعيشها نورس، وعدم امتلاكه الأوراق الرسمية التي تكفل حقوقه، يوحي نورس على طول الحكاية بأنه في لحظة انطلاق نحو المستقبل. هذا ما توحي به حركيته وشخصيته، ورغم ذلك تتكرر حكايات من الماضي والذاكرة، إحداها تتعلق بخسارة وموت صديق في عنف قمع المظاهرات، والأخرى عن فقدان صديقة توفيت برصاصة قناص. هل ستبقى الخسارات والقرارات المصيرية بالبقاء أو الرحيل مركزية في حياة شخصية مثل نورس، أي في حياتنا نحن؟
كم يريحني هذا السؤال من شكي في الأسئلة السابقة عن من عليه أن يجيب، نور أم نورس؟ كنور أرى الانطلاق نحو المستقبل حتمياً وليس رفاهية. هو المكان الوحيد الذي يستحق شد الرحال والهجرة، المكان الذي لا يزال يحتمل إمكانية أن نشارك في صياغته وأن لا نكون مجرد عبيد لحيثياته وإجراءاته.
أكبت في صدري قولاً أخشى من ثقله على الآخرين، حيث أن لكلٍ قصته وحيثياتها وحدود إمكانياته فيها، لكني أؤمن به على المستوى الشخصي حيث أقول لنفسي: "يا متفائل يا عميل، مافي مكان ثالث". أرى أن الكسل وفقدان الأمل ليس إلا تطبيعاً واستسلاماً للقاهرين.
أما عن الخسارات والقرارات المصيرية بالبقاء أو الرحيل ومركزيتها في حياتنا، فلا أرى ملاذاً منها سوى السعي للانتصار على الشروط المفروضة علينا. فلا يطفئ هاجس البقاء أو الرحيل سوى حرية العبور، ولا يخمد الخسارات إلا أن تساهم حقاً في صياغة واقع يقرها ويعي أهمية عدم الوقوع فيها. أقول إننا عشنا فاجعة تتنافى مع إنسانيتنا، ونحن معلقون بين التوحش والإنسانية، على أمل أن يكون كل ما جرى طقساً لفهم مجتمعي لا يختلف على حقوقنا بالحياة والحرية والمشاركة في صناعة المستقبل.
قد أبدو مفرطاً في الوجدانية في جوابي السابق، لكن حرارة الموقف أعلى من قدرتي على صياغة كلام رصين يخلو من الأمل. هذا العنصر الذي لولاه لا معنى برأيي لأي فعل، ولولاه لما وجدت القدرة الذهنية والجسدية على صناعة العرض أو كتابة هذه الكلمات. الأمل الذي أجدني جاهزاً للدفاع عنه دفاعي عن فرصتي بالبقاء والحرية.
- الأغنية الأخيرة تحمل المضامين الفكرية والوجدانية لشخصية نورس. تظهر عبارات مثل "الإيمان بالشك"، "كينونة الأشياء"، "حزن ومطر ولحن، والأمل صوت". والمضمون المركزي لكلمات الأغنية هو "الحرية بالشك". لكن أيضاً يتكرر حضور الرقص والطرب كمعنى وجودي. حدثنا عن خيارات المضامين والكلمات في هذه الأغنية؟
أغنية 2: الإيمان بالشك:
فارغٌ تماماً كالموت، لا بوصلة، فقط حدس
قمر متغيرٌ، مستذئبٌ يضخ الدم بالأمس
وحيد مثل عاصفة جواتي كتير أشياء
عندي كينونة وحدة مركبة من أشلاء
صمتي، الضجة، حزني، مطر عالأحياء
الريح رقراقة وبطعم البرد... بالبال لحن
روائحٌ من غير لون وأصواتُ آمال تغص
شاهد أعدائي عم تتبرج... وأنا بشلح بس
بشفي حالي وانت اتفرج مين فينا بيصح
الحرية شقفة وحدة مرج مين فينا بيطح
أوهامنا كلنا طبقة تلج وحتفك عالشمس
حريتي خلاصي من إيماني بالشك
بإيماني بالشك.
حريتي خلاصي من إيماني بالشك
بإيماني بالشك.
أكبت الجمر في الصبح، في الليل ماسٌ أقطفه صلد، أكبر الرف.
وعيوني طربٌ، وفي قلبي رقص،
نايٍ من صوت قطٍ مستقلٍ، شهيدَ حُب.
آه، من أصعب المهام... إن أي نص راب أقدمه هو حكماً كان تداعياً حراً، تلك طريقتي وسري في كتابة الراب. ككاتب للمسرحية، أتعامل مع نصوصي هذه ككتل معنى مكثفة لموضوعة ما. فكما لاحظت في هذه الأغنية، الموضوع هو المضامين الفكرية والوجدانية للشخصية والتي يمكن أن تتلخص بتبسيط إلى "الإيمان بالشك". كما نزور بيئات وجوانب عملية لرحلة البحث والتساؤل.
- تميز العرض المسرحي بشكل أساسي يحضر في الأداء المسرحي، وهذا ما يكتشف مع الوصول إلى النهاية. ويتنوع الأداء المسرحي بين التمثيل، السرد المونولوج، الغناء. وأحياناً يخاطب الجمهور مباشرة، وأحيانا يتحول إلى one man show، ما هي الخيارات التي قادت إلى هذا الشكل المسرحي؟
اشعر ان كل وسيط له فنياته الخاصة جداً وطيفاً حسياً يحيل نوعية تواصل مناسبة. المسرح كمفهوم عام هنا ليس سوى إطاراً ضامناً للجمال والسلام ومساحة تشترط الاعنف بمعناه القهري٬ فهو المكان الآخر دوماً الذي يبدآ من انسانيتنا ورغبتنا بالتواصل الانساني هو زمان ومكان مفترض نحاول جاهدين ان لا يكون فيه ساتر او حاجز هو المكان الذي باحترام خصوصياته ومعاييره الجمالية نضمن ان نوصل صوتنا حتى ولو كان كلامنا مواجهة نارية وصرخة بوجه المشاهد مباشرة. اعتقد انه كان خياراً اساسياً ان اقبل بتنوع ما احب.