مع بداية موسم حصاد القمح، في بداية شهر حزيران/يونيو المقبل، يستعد المزارعون في مختلف مناطق السيطرة ضمن الجغرافيا السورية، لصعوبات في تسويق محاصيلهم، من حيث السعر والتصريف، في ظل التنافس على القمح بين تجار السوق السوداء وحكومة النظام من جهة ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، من جهة ثانية.
تُقدم حكومة النظام السوري تسهيلات لمزارعي القمح منها أكياس لتعبئة إنتاجهم وآليات الحصاد "الحصادات"، وذلك بهدف الاستحواذ على كميات كبيرة من المحصول.
كما رفع النظام سعر شراء الكيلو إلى 2000 ليرة، بعد أن كان 1500 ليرة في الموسم الماضي.
في حين يشتكي المزارعون من انخفاض سعر الشراء الذي لا يتناسب مع تكاليف الزراعة.
وينتقد مزارعو القمح في مناطق سيطرة النظام سعر الشراء المحدد بـ 2000 ليرة. واعتبروه قليلا ولا يغطي تكاليف زراعة القمح وسقايته وحصاده، مطالبين بسعر 3000 ليرة لكل كيلو غرام من القمح.
أزمة القمح في سوريا
تشهد أسواق القمح في سوريا تنافساً بين النظام وقسد، وبينما لم تحدد "الإدارة الذاتية" سعر كيلو القمح لهذا العام، حددت حكومة النظام السبت الفائت سعر شراء كيلوغرام القمح من المزارعين للموسم الحالي بـ 1700 ليرة سورية (أقل من نصف دولار) مع منح مكافأة 300 ليرة لكل كيلو يُسلم من المناطق "الآمنة" و400 للمناطق غير "الآمنة".
كما أعلنت حكومة النظام عن فتح 45 مركزا لتسلّم المحصول الحالي يبدأ من تاريخ الأول من حزيران/يونيو المقبل.
ويشهد قطاع القمح تراجعاً كبيراً في سوريا، بسبب الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من عقد، ولا يغطي الاستهلاك المحلي، ويتزامن ذلك في الوقت الحالي مع شح إمدادات القمح عالمياً إثر الحرب في أوكرانيا.
كانت سوريا، قبل العام 2010، تنتج نحو الـ 4.1 ملايين طن قمح، يُصدر منها مليون طن، والباقي يخصص للاستهلاك المحلي. لكن بعد العام 2011 تدنى مستوى الإنتاج، ووصل العام الفائت إلى 1.9 مليون طن على مستوى كامل سوريا.
وبحسب تقديرات وزارة الزراعة التابعة لحكومة النظام السوري زُرع هذا العام 2022 نحو مليون ونصف المليون هكتار. وقدر وزير الزراعة التابع للنظام، حسان قطنا، إنتاج العام الحالي 2022 بـ 5 ملايين طن من الحبوب بما فيها القمح، تغطي نسبة لا بأس بها من الاحتياج الغذائي، بحسب قوله.
تسعيرة النظام "رأس برأس"
يقول باسل (45عاماً) وهو مزارع من منطقة الغاب في ريف حماة لموقع تلفزيون سوريا، "إن تكاليف المحروقات وأجور الحراثة والبذار والأسمدة والمبيدات الحشرية والعمال كانت غالية ولا يمكن أن يعوضها هذا السعر المحدد لشراء كيلو القمح".
وأوضح المزارع الأربعيني في حديثه أنَّه اضطر لشراء المازوت من السوق السوداء بسعر 5000 ليرة لكل لتر، نتيجة امتناع حكومة النظام عن تزويد المزارعين بكامل مخصصات السقاية من مادة المازوت. وتساءل، هل قدرت حكومة النظام هذه الكلفة؟
باسل ومزارعون آخرون، يرون أن التسعيرة المحددة بـ 2000 ليرة لن تشجع المزارع على بيع محصوله عبر مراكز التسليم الحكومية، إنما سيلجأ معظم المزارعين إلى بيع إنتاجهم لتجار القطاع الخاص الذين يشترون القمح بسعر أعلى من السعر الحكومي كما حدث بالعام الماضي.
ولا يختلف حال باسل عن غيره من مزارعي مناطق سيطرة النظام، إذ اضطر خليل (51عاماً) وهو مزارع أيضاً إلى بيع بقرة كان يملكها كي يستطيع شراء مازوت ليتمكن من سقاية محصوله المزروع على مساحة تقدر بـ 25 هكتارا.
وقال المزارع الخمسيني للموقع "أفضل بيع محصولي كعلف للدواب على أنَّ أبيعه بسعر 2000 ليرة، لأنه لا يغطي نفقات الزراعة".
وعلى غرار خليل يعاني مزارعو القمح في مناطق سيطرة النظام من آلية تحديد سعر شراء القمح غير المنصفة لجهودهم والتي لا تغطي تكاليف ما دفعوه ثمناً لإنتاج القمح خلال العام.
من جهته، يقول الخبير التنموي أكرم عفيف، إن الإنتاج الوسطي للدونم ٣٥٠ كيلوغراما. وبالتالي لن يتمكن المزارع من تحقيق أي ربح إضافي ولا حتى استرداد تكاليف الزراعة الباهظة، وفي أحسن أحواله يخرج من الموسم "راس براس"، بحسب تعبيره.
وأضاف في منشور له على صفحته في موقع فيس بوك أن كلفة دونم القمح من وقت زراعته وحتى الحصاد تبلغ 700 ألف ليرة سورية، في حين إنتاج المزارع من دونم القمح الواحد حسب السعر الحكومي والمقدر بـ 2000 ليرة يبلغ 700 ألف في حال أنتج الدونم الواحد 300 كيلوغرام من القمح.
وبحسب إحصاءات وزارة الزراعة التابعة للنظام تحتاج مناطق سيطرته إلى مليوني طن من القمح سنوياً لتأمين حاجته من الخبز إضافة إلى 360 ألف طن من البذور، ونحو 800 ألف طن للاستخدامات الأخرى، أي ما يزيد على 3 ملايين طن.
بينما تشير تقارير اقتصادية إلى أن المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، في شمال شرقي سوريا، تحتاج إلى 600 ألف طن لطحين الخبز وبذور في العام المقبل، والرقم نفسه تحتاجه مناطق المعارضة السورية شمال غربي البلاد.
القمح عالمياً
تشهد أسعار القمح عالمياً ارتفاعاً إذ ارتفع السعر المرجعي الأميركي للقمح، الذي يبلغ 11.07 دولار للبوشل (وحدة قياس القمح)، بنسبة 72% مقارنةً بالعام السابق. ويتوقع محللون اقتصاديون أن تحافظ الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار القمح مرتفعة.
ويرجح أن ينخفض إنتاج القمح العالمي للمرة الأولى منذ 4 سنوات، وفقاً لتوقعات الإدارة الأميركية التي قامت بمراقبة موسم المحاصيل المقبل عن كثب، ما يؤكد المخاوف من زيادة تعقد الإمدادات وارتفاع أسعار المواد الغذائية، بحسب تقرير لصحيفة "Financial Times".
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة التجارة والصناعة في الهند حظر تصدير القمح، الذي دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 4 أيار/مايو الجاري حيث لا يُسمح بالتصدير إلا للشحنات المتفق عليها سابقاً قبل الحظر، أو بإذن خاص من حكومة الهند.