ولد في حماة عام 1909 لعائلة من ملاك الأراضي، ثم التحق بالمدرسة الزراعية في سلمية. لم يمارس أية أعمال زراعية بل انتقل إلى المدرسة الحربية في دمشق، قبل أن تنتقل المدرسة إلى حمص ويصبح اسمها الكلية الحربية، تخرج برتبة ضابط، والتحق بقطعات جيش المشرق.
لمست سلطات الانتداب الفرنسي لأديب الشيشكلي مواقف وطنية فوضعته تحت رقابة نارية وحرمته من الترقيات العسكرية، وأرسلته ليخدم بعيدا في المناطق النائية ليبقى معزولا عن أي اتصال مع رفاقه. وبعد خدمة سبع سنوات في الريف النائي التحق بالفوج الثالث الذي كان موقعه في الجامعة السورية، وهناك ارتاب ضباط الفوج الفرنسيون به وخافوا تمرده فأمروا بنقله إلى حامية الرقة.
شارك بعض السوريين في حركة رشيد عالي الكيلاني العراقية، وبعد فشل الحركة عاد السوريون عن طريق البوكمال فاعتُقِلوا وأودعوا في معسكر فرنسي، وبصفته قائد موقع البوكمال أطلق الشيشكلي سراح هؤلاء السوريين، من دون استشارة رئيسه مما أثار غضب سلطات الانتداب عليه.
فر الشيشكلي من الجيش مع ضغط قوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني إلى جيش فيشي في سوريا، وشكل مع أكرم الحوراني مجموعات مسلحة هاجمت أطراف المعسكرات الفرنسية، وقد اقتحم الشيشكلي وشقيقه صلاح برفقة الحوراني مع بعض أعضاء الحزب القومي السوري قلعة حماة وطردوا الحامية الفرنسية منها، وبحماسة غير مدروسة خططت الكتيبة الصغيرة لمهاجمة دمشق ذاتها.
تعاطف الشيشكلي في بداياته مع الحزب القومي السوري الذي كان ناشطا ورائجا في ريف حماة وما يحيط بها، ولكنه لم يترجم تعاطفه بارتباط حزبي، فكانت للرجل خططه الخاصة، وانخرط في المجموعات التي شكلها فوزي القاوقجي تحت عنوان "جيش الإنقاذ"، وقاد فوج اليرموك الثاني الذي كانت جبهة عملياته منطقة الجليل وصفد وكان تحت إمرته في الفوج أكرم الحوراني.
شارك بفعالية في الانقلاب العسكري الأول حيث قاد فوج مدرعات دخل دمشق، واحتل بعض المباني الحكومية الرئيسية، ولكن حسني الزعيم قائد الانقلاب خشي قوته وشخصيته المميزة فسارع إلى تسريحه من الجيش، وأعاده سامي الحناوي إلى الجيش بعد انقلاب ناجح أعدم فيه حسني الزعيم ومحسن البرازي، فتسلم الشيشكلي قيادة اللواء الأول القوي، المتمركز على مشارف مدينة دمشق في قطنا.
التف الشيشكلي على سامي الحناوي ونفذ مع أمين أبو عساف ومجموعة من العقداء انقلابا ناجحا، وعاد الجيش ظاهريا إلى ثكناته، وصار الشيشكلي يدير كل قرار سياسي مهم من خلف وظيفته المتواضعة وهي نائب رئيس الأركان، وأبقى القيادة السياسية السابقة في مواقعها.
وعاد بحركة انقلابية جديدة فأطاح بحكومة معروف الدواليبي التي تحدته، وتسلم رئاسة الأركان ووضع فوزي سلو، وهو ضابط مقرب منه، رئيسا للجمهورية، واستمر يدير الشؤون السياسية لسوريا حتى نفذ حركته الانقلابية الثالثة ووضع نفسه رئيسا للجمهورية.
توقفت الحركات الانقلابية التقليدية بعدها فقد احتاط الشيشكلي جيدا فسرح بعض الضباط المنافسين كعدنان المالكي، وأوحى باغتيال بعضهم الآخر كالعقيد محمد ناصر، وأبعد آخرين إلى مناطق نائية كالعقيد أمين أبو عساف، ولكن انقلابا مختلفا جرى هذه المرة بطريقة لم يتوقعها الشيشكلي. أذاعت حلب عبر إذاعتها الخاصة بيانا بصوت مصطفى حمدون تمردت فيه على حكم الشيشكلي ودعته إلى المغادرة، وسريعا انضمت إلى حلب محافظات أخرى، فوقع الشيشكلي في حيرة بين أن يقاوم ويعيد الأمور إلى نصابها أو يغادر كما طُلب منه، وفضل في نهاية الأمر المغادرة وترك الميدان نهائيا..
سافر إلى البرازيل وافتتح مزرعة هناك بعيدا عن كل كواليس السياسة والجيش ولكنه سقط برصاص سوري مغترب كان يمتلك مزرعة إلى جواره في البرازيل في العام 1964، قيل إن الشخص الذي اغتاله كان ينتقم بسبب مهاجمة الشيشكلي مدينة السويداء، وقيل أيضا إن الخلاف كان شخصيا على مساحة أرض مجاورة.
شخصيات مؤثرة أبدت رأيها في الشيشكلي:
فاورق الشرع: لم يدرك أن التفرد في حكم سوريا سيقود حتما إلى تنافس كبير في المؤسسة العسكرية نفسها، وسخط سياسي مدني في الشارع السوري. لقد حاول أن يعالج هذا الانقسام بتأسيس حزب جديد أطلق عليه اسم "حركة التحرير العربي"، شابت فترته بعض القيود وكبت الحريات، وفشل في إنهاء تمرد شعبي في جبل العرب، ومعالجته متهورة عن طريق الجيش وبالقصف الذي ذهب ضحيته عشرات المواطنين الأبرياء.
أكرم الحوراني: وإذا كان قد نشأ نشأة وطنية فإن ظروفه لم تتح له أن يشارك في معارك النضال الشعبي، لذلك لم يتحرر من ارتباطاته الطبقية والعائلية وكان لوالدته تأثير كبير عليه، وتدريجيا التف إقطاعيو حماة حوله ثم أصبحت الطبقة الإقطاعية والرجعية في سوريا كلها تلتف حوله وتعتبره المنقذ.
سأل ياسين نحاس مصطفى طلاس: بفرض أن أديب الشيشكلي رفض المغادرة فهل ستضرب دمشق؟ أجاب طلاس بعدما غمز مصطفى عمران، أن يساعده في اللعبة: سأضربها، ولو اختبأ الشيشكلي في مسجد بني أمية.
أحمد عبد الكريم: اتصف بالطموح والذكاء والبراعة بالمناورة، والمهارة باستمالة الضباط الشباب، فقد كان يمضي معظم لياليه منذ الانقلاب الأول في نادي الضباط يحتسي العرق ويتناول طعامه مع العشرات منهم، كان يضرب على أوتار الوطنية والمحافظة على استقلال سوريا ونظامها الجمهوري من المطامع الأجنبية وتخليص البلاد من الطبقة التقليدية.
أسعد كوراني: كان على جانب من الذكاء وهدوء الطبع وحسن الكلام، وكان من عادته تعاطي الخمرة، فكان حين يشربها ينقلب إلى إنسان آخر في سوء التصرف على عكس صفاته الحسنة.
فضل الله أبو منصور: أخذ يتخلص من الذين تعاونوا معه ليصبح ديكتاتورا وليقبض على السلطتين التشريعية والتنفيذية وليفرض نفسه على البلاد بالقوة القاهرة، ولكي يبلغ هذا الهدف، أقدم على حل الأحزاب السياسية وأنشأ حزبا جديدا يدين له بالولاء والعبودية سماه حزب التحرير العربي وأخذ يجول في البلاد داعيا لحزبه.
غسان محمد رشاد حداد: ظهر أنه أكثر دهاء وصلابة ومهارة سياسية من الذين سبقوه إذ جعل الجمعية التأسيسية تمضي في طريقها، وترك للسلطة السياسية الاستمرار في مهامها لإعداد الدستور وتشكيل الحكومات أو سحب الثقة منها، واكتفى هو بدور القوة الفاعلة من وراء ستار، وقد استمرت هذه الحقبة زهاء سنتين.
عادل أرسلان: يصرح الشيشكلي علانية أن الأمر كله للجيش وما الحكومة إلا أداة تنفيذ، على أن الشيشكلي نفسه يراجع صغار الضباط في كل شيء، فإذا وقع أمر مهم كتب كتابا عاما، ومر به على صغار الضباط لأخذ موافقتهم وتوقيعهم على ذلك الكتاب، ينبغي أن نسمي الشيشكلي الشورباجي لأن هذه الحال لم تعد في جيش إلا الجيش العثماني.
خالد العظم: كان باستطاعة الشيشكلي أن يهزم القوات العاصية ويسترد السلطة في المحافظات الثائرة. ولكنه جبن عن مواجهة الأمر بحزم، ولا يعرف بالضبط، سبب هذا التهرب فهل آثر الشيشكلي النجاة بنفسه والهروب إلى أوروبا بعد أن أضعف رئيس أركانه شوكت شقير أعصابه لاشتراكه في الخفاء مع المتآمرين؟
الكاتب هاني الخير: كان هاجس البطولة الفردية ينمو معه، ويغوص إلى أعماقه الدفينة التي تشبه الخلجان السرية، ينمو معه هذا الهاجس العذب، ويتفاعل مع كل خطواته الصغيرة، وفي كل دفقة من دمه، وفي كل شهقة ضمن الخانق المعذب الملون بألوان الطيف.