تستغرق رحلة المراجعة الطبية الشهرية لدى "أم أيهم" المهجرة من قرية سنجار شرقي إدلب "نهاراً كاملاً" على حدّ تعبيرها، تقضي أكثر من ثلثي المدة على الطرقات العامة تنتظر سيارة عابرة تقلها من جانب مخيمها الكائن في الريف الشمالي إلى مدينة إدلب حيث طبيب الأطفال.
وتلجأ "أم أيهم" إلى هذه الرحلة المتعبة، لمعالجة ابنتها "مريم" التي تعاني من "فشل في النمو" كي توفر أجرة سيارة خاصة لا تقل عن 40 ليرة تركيّة، المبلغ الذي لا تقوى على تأمينه وإن كان موجوداً فصرفه على كشفية الطبيب أو لشراء الدواء أولى بالنسبة لها.
وتبرز مشكلة الطبابة وتأمين الأدوية كمشهدٍ يتصدر حياة المهجرين في مخيمات إدلب العشوائية، وتتفاقم هذه الأزمة مع دخول فصل الشتاء وشيوع أمراض بين الأهالي وخاصة فئة الأطفال كأمراض "الصدر والحرارة والحساسيّة والتنفّس"، إلى جانب افتقار معظم المخيمات العشوائية الصغيرة إلى نقاط طبيّة أو صيدليّات.
ويرتهن سكان المخيمات خلال فصل الشتاء بعوامل عديدة أبرزها الطقس إذ إنّ الأخير يساهم في تغيير برنامج حياة الأهالي نظراً لما يحدثه من أثر سلبي وخاصةً في وقت تُغرق الأمطار خيامهم والطرقات حولهم وتجبرهم على البقاء في الخيمة حتى تجف الأراضي، وهو ما بدا واضحاً في مسألة الطبابة ومراجعة الأطباء والنقاط الطبية.
النقاط الطبية بعيدة
يضطر سكان المخيمات إلى قطع مسافة لا تقل عن 10 كيلو مترات وأحياناً تتجاوز الـ 20 كيلومتراً، للوصول إلى أقرب نقطة طبيّة، وتختلف المسافة بحسب موقع المخيم، إذ ينحصر وجود النقطة في مراكز القرى والبلدات والمدن.
توضح "أم شذى" وهي امرأة مهجرة من مدينة جرجناز شرقي إدلب، أنّ المسافة تصعب عليهم في فصل الشتاء للوصول إلى النقطة الطبية القريبة لعدم امتلاكهم وسيلة نقل خاصة، كما أنّ النقل العام منقطع تماماً من وإلى المخيم لوجوده في أرض زراعية نائية.
طرقات غارقة
يأتي تردي الطرقات عائقاً إضافياً أمام المهجرين في المخيمات، يعيق التنقل والحركة ضمن المخيم أو خارجه.
وحينما تنهمر الأمطار شتاءً، ويغرق المخيم بالأطيان يؤكد "عزام أبو خالد" وهو مهجّر ومدير مخيم الأجيال شمالي إدلب، أنّ التنقل أو مغادرة المخيم تغدو مستحيلة، وحتى في الحالات الإسعافية بسبب عدم قدرة السيارات أو الآليات الحركة فوق الأطيان والأوحال لغزارتها، فما زالت طرقات المخيم ترابيّة.
ويضيف لموقع تلفزيون سوريا: "لا قدر الله ممكن الطفل يموت بين أيدينا قبل أن نتمكن من إسعافه بحال تراجعت حالته الصحية أو ربما أي شخص من المخيم يتعرض لذلك".
الدواء غالٍ
تؤمن بعض النقاط الطبية كماً محدوداً من الدواء، ويقتصر على بعض الأصناف الرئيسية من الالتهاب والمسكّنات، ويعود ذلك إلى شح الدعم المقدم للنقاط من قبل المنظمات الإنسانية أو كف يد بعضها عن الدعم، وفقاً لتبريرات القيّمين على إدارة النقاط.
وينتشر في النقاط الطبية أدوية ذات منشأين الأول تركي والآخر هندي، وهما أقل جودة وفاعلية من الدواء السوري الطاغي على الصيدليات في إدلب.
وأوجدت النقطة الطبيّة خلال السنوات القليلة الماضية، كبديل عن المستوصفات الحكوميّة التي كانت منتشرة إلا أنها تسجل انتشاراً وحضوراً في القرى والبلدات أكثر من الوقت السابق، بسبب تغطية المنظمات الطبية لها والإقبال الكبير والاحتياج من قبل الأهالي لها.
تشير محدثتنا "أم شذى" إلى أنّ النقطة الطبية التي تتردد عليها تعتذر عن تقدم كل الأدوية لعدم توفرها، ما اضطرها للجوء إلى صيدلية خاصة التي اقتصرت لاحقاً على شراء ظرف مسكّن واحد، والتخلي عن شراء صنفين دوائيين من أجل المعدة بسبب غلائهما.
وتعاني "أم معتز" المهجّرة من شرقي مدينة معرة النعمان، من نقص في التروية إلى جانب بعض المشكلات في الأعصاب، وتحتاج من الأدوية بما يقارب الـ 50 ليرة تركيّة، إذ إنها تواظب على طبيب خاص في مدينة إدلب بشكل شهري.
"أحمد الباشا" مهجر من قرية الزكاة شمال حماة، أشار إلى أنّ معاناة فصل الشتاء تتلخص في تزايد أعداد الإصابات بين الأطفال وخاصة ما يتعلق بالصدر والحساسيّة، إضافة إلى عرقلة الطرقات الترابية التنقل.
وأضاف لموقع تلفزيون سوريا أنّ الدواء سجل ارتفاعاً كبيراً خلال الأشهر القليلة الماضية، الأمر الذي اضطرهم للاقتصار على الأصناف الأساسية من الدواء، ونوّه "الباشا" أيضاً إلى انعدام النقاط الطبية والصيدليات داخل المخيم.
"أبو أحمد" مهجر أيضاً من ريف حماة الشمالي، لفت إلى أنّ مخاوف المهجرين القاطنين تتزايد هذا العام على فئتين هما الأطفال وكبار السنّ من جراء الأمراض، وذلك بسبب تفشي فيروس "كورونا" بشكل واسع بين مخيمات النازحين.
واستطرد قائلاً: "كلما شعر أحد سكان المخيم بأعراض الكريب التي تتشابه في بعضها مع كورونا يشعر بالقلق، لكن في المقابل خياراتنا قليلة في ظل انعدام أدنى الخدمات الطبية".
الإتاوات ترفع أسعار الدواء
"أبو أحمد" موزع دواء في منطقة سرمدا شمال إدلب، أوضح أنّ نسبة ارتفاع سعر الأدوية تجاوزت تقديراً الـ 400% منذ الشتاء الماضي.
وقال لموقع تلفزيون سوريا إنّ حركة المعابر والطرقات من مناطق سيطرة النظام تتحكم بشكل رئيسي في أسعار الدواء وبارتفاع أسعارها على اعتبار أن معظم الأدوية في السوق هي ما تُعرف بـ"الأدوية الوطنية" مصدرها مناطق النظام والمعامل المنتشرة هناك، وكذلك "الإتاوات" المفروضة على قوافل الأدوية.
وأكد الصيدلاني "محمد الرجب" لموقع تلفزيون سوريا أنّ نسبة الصيدلاني كـ "ربح" تتراوح من 25 إلى 35% فقط، وهي شبه ثابتة وموحدة بين الصيادلة، إلا أنّ ارتفاع الأسعار مصدره المعامل في مناطق سيطرة النظام بسبب تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية لأنّ موادهم الأولية بالكامل مستوردة من الخارج.
وأضاف أنّ ارتفاع السعر من مصدره إضافةً إلى مصاريف الشحن المرتفعة جداً من مناطق سيطرة النظام إلى مناطق شمال غرب سوريا بسبب فرض الإتاوات، يدفع أصحاب المستودعات إلى رفع أسعاره أيضاً معزين السبب بذلك.
وعن تعايش الأهالي مع الواقع، أشار "الرجب" إلى أنّ قسماً كبيراً من الأهالي يضطرون إلى استخدام الدواء المقدم في النقاط الطبية وهو أقل فاعلية، في حين أنّ البعض الآخر قادرون على تحمّل ارتفاع الأسعار من ذوي الدخل الجيد والمقبول.