وقع نحو 200 ألف شخص في مدن وبلدات ريف حمص الشمالي، ضحية اتفاقات المصالحة التي فرضها النظام عقب سيطرته على المنطقة منتصف العام 2018، حيث تستمر معاناتهم في ظل انقطاع مقومات الحياة الأساسية من كهرباء ومياه صالحة للشرب ومحروقات.
ويشتكي الأهالي من ارتفاع كبير في أسعار الخبز والمواد الغذائية والخضراوات وغيرها من الحاجات اليومية للسكان.
ومما يزيد المعاناة أكثر غياب الرعاية الصحية الكافية، فالمشافي التي كانت توجد في الريف قبيل انطلاق الثورة السورية إما دمرها القصف أو تحولت لثكنات عسكرية أو طالتها يد التخريب، ما يجبر السكان على التوجه الى داخل مدينة حمص من أجل تلقي العلاج، بينما تقتصر الطبابة في الريف على نقاط طبية تحوي طبيباً واحداً وعدداً من الممرضين، موزعة في مدن وبلدات الريف.
كورونا يضرب ريف حمص
أزمة جديدة تعصف بريف حمص الشمالي تضاف إلى عديد الأزمات الأخرى، حيث سُجلت إصابات في صفوف الطلاب والمعلمين في مدرسة الفراهيدي في مدينة تلبيسة بريف حمص، وذلك بعد إجراء مسوحات طبية في المدرسة بعد شكوك بإصابة أحد التلاميذ قبل أيام، لتأتي النتيجة إيجابية للتلاميذ الخمسة ومعلميهم.
وأكد أحد المدرسين في المدرسة لموقع تلفزيون سوريا، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أنه كان يتوقع أن يتم إيقاف العملية التعليمية في المدينة برمتها من قبل مديرية التربية في حمص بعد ظهور النتائج، إلا أنه فوجئ وزملاؤه بمنع المدرسين المصابين والتلاميذ من الحضور للمدرسة والطلب منهم الالتزام بالحجر المنزلي مع مواصلة العملية التعليمية وكأن شيئا لم يكن، في استهتار واضح بحياة عشرات الطلاب والمدرسين في المدينة.
ويضيف "لا أستطيع ترك التدريس حتى تنجلي هذه الغمة. فأنا مضطر وزملائي أيضا لمواصلة الدوام في المدرسة وإلا سوف نتعرض للطرد ونبقى بلا عمل. بينما طالبت إدارة المدرسة من مديرية الصحة بإجراء مسوحات طبية إضافية لجميع التلاميذ والمدرسين إلا أن طلبها قوبل بالتأجيل حيث عللت المديرية أنها لا تملك الإمكانيات الكافية في ظل الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على البلاد الذي طال القطاع الصحي".
ويُعتبر ريف حمص الشمالي بيئة مناسبة لانتشار فيروس كورونا بسبب ضعف التزام السكان المحليين بالإجراءات الاحترازية وغياب أي دور للنظام في توعية المواطنين وغياب أي حملات توعية. ناهيك عن غياب دور الرعاية الصحية المناسبة، فالريف الذي يحتوي على ثلاث مدن كبرى وهي الحولة وتلبيسة والرستن تعرضت مستشفياتها للتدمير كما حصل مع المشفى الوطني في الحولة وتلبيسة حيث دمرته قذائف النظام، بينما المشفى الوطني في الرستن تم تحويله إلى ثكنة عسكرية لاتزال قوات النظام فيه إلى الآن دون أن يقوم النظام بأي ترميم للمشافي.
ازدواجية مديرية صحة النظام في التعامل مع مناطق ريف حمص
شكّل تعامل مديرية الصحة لدى النظام مع المصابين السبعة في مدينة تلبيسة حالة من الصدمة في صفوف السكان المحليين في ريف حمص الشمالي، حيث رأى بعضهم أن النظام بتجاهله إجراء مسوحات طبية للمخالطين في المدرسة وأسر التلاميذ، لا يزال ينقم على ريف حمص الشمالي الذي خرج عن سيطرته عام 2012 وحتى عام 2018. وخصوصاً إذا ما قورن ذلك بإجراءات النظام التي قام بها عند تسجيل إصابات في قرية الغور الغربية ذات الغالبية الشيعية بريف حمص الغربي قبل نحو شهر من الآن.
ويؤكد محمد شمعون وهو ناشط إعلامي فضل البقاء بريف حمص، لموقع تلفزيون سوريا، أن النظام قام بنقل المصابين إلى المشافي داخل مدينة حمص وقام بإجراء مسوحات طبية لجميع المخالطين للحالات التي تم تسجيلها، كما أكد على أن المديرية طالبت من وجهاء المجتمع المحلي في قرية الغور الغربية بضرورة العمل على إلزام أهالي القرية بالبقاء داخل منازلهم خلال الفترة الحالية.
كارثة إنسانية تلوح بالأفق
الحذر من فيروس كورونا ترف لايملكه سكان ريف حمص الشمالي، وقال أحد الممرضين في النقطة الطبية في مدينة تلبيسة "كيف لك أن تشرح لشعب ذاق الموت مرات ومرات متأرجحاً بين قصف وجوع وتهجير، أن هناك وباء هو بمثابة عدو جديد لن يستطيع مقاومته إلا بالتباعد الاجتماعي والعزل، سواء كانوا مقيمين أم نازحين في منطقة جغرافية صغيرة مكتظة بالسكان؟".
ويضيف "السكان هنا أمام خيارين أحلاهما مر، إما الموت جوعاً أو الموت بوباء كورونا. فالسكان هنا لايملكون ترف البقاء معزولين في منازلهم لأيام طويلة.. فلا مساعدات حكومية تقدم لهم ولا منظمات إنسانية تعينهم، لذلك هم مجبرون على الخروج من منازلهم للعمل من أجل تحصيل لقمة العيش ناهيك أن السكان مخيرون أساساً بين شراء ربطة الخبز أو شراء لوازم الوقاية من فيروس كورونا، فالريف الذي حوصر لسنوات طويلة يعاني من تبقى فيه من سكان من فقر شديد حيث يعتمدون على الزراعة بنسبة 90 بالمئة في معيشتهم التي تعاني هي الأخرى من تراجع كبير نتيجة ظروف معقدة".
تردي الواقع المعيشي بريف حمص عقب سيطرة النظام عليه
وعد النظام السوري بإجراء تغييرات وتحسينات على ظروف حياة الأهالي في منطقة الحولة التي تقع في الريف الشمالي لمحافظة حمص، عقب فرض سيطرته عليها بعد اتفاق التهجير الذي حصل في مايو/أيار 2018، لكن تلك الوعود لم يتحقق منها شيء.
وقارن أبو موسى (56 سنة) بين الواقع في تلدو حاليا، وما كانت عليه المدينة قبل اتفاق التهجير، مؤكدا أن الفارق الوحيد هو غياب القصف، وأوضح في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "كنا محاصرين لسنوات في المنطقة، وعشنا تحت القصف والخوف والجوع تسعة أعوام تقريبا، حتى دخول جيش النظام إلى المنطقة في آب 2011، والذي تزامن مع حلول شهر رمضان، واليوم نعيش في ظل غلاء الأسعار، وظروف صعبة تشبه تلك التي عشناها خلال الحصار، لكن اليوم نستطيع التنقل، ولا يوجد قصف، أو غارات طيران، وهذا الفارق الوحيد".
وأضاف: "خرج أولادي الثلاثة إلى إدلب، وبقيت أنا وزوجتي هنا لأن بقائي في المنطقة أفضل، فلا أحد يحفظ لي بيتي وأرضي، ومن جهة ثانية لم تتحسن الظروف الصحية، فعدد الأطباء قليل، وعلينا التوجه إلى مدينة حمص، ودفع مبالغ كبيرة لتلقي العلاج، وأظن أن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه أبدا هنا".
وأوضح خالد (52 سنة) المقيم في مدينة تلدو، لموقع تلفزيون سوريا، أنه "كل فترة تنقل قوات النظام جثة أحد الشبان الذين يقتلون في صفوفها، وغالبا هؤلاء الشبان ممن بقوا في المنطقة، وتم اعتقالهم بعد مهلة تسوية أوضاعهم، وأجبروا على الخدمة الإلزامية، وبالنسبة لي كان خيار ذهاب ابني وإخوته إلى إدلب خلال التهجير أفضل من بقائهم هنا، وكثيرا ما يحدثني أصدقائي عن ندمهم لكونهم أصروا على بقاء أولادهم في المنطقة".
وعند دوار مدينة تلدو باتجاه طريق بلدة البرج، لا تزال المباني شاهدة على القصف، والمقبرة التي دمرتها صواريخ النظام، ويعمل السكان على ترميم الجدران لتعود منازلهم ملائمة للسكن، بينما فضل البعض السكن في منازل أقربائهم كون الدمار لا يمكن إصلاحه، ومن هؤلاء خولة أم أحمد التي فضلت السكن في منزل قريبة لها غادرت عام 2013، إلى خارج سوريا.