أخذ التوتر بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وقوات نظام الأسد هذه الأيام شكلاً وبعداً أخرجه من طور المناكفات والاشتباكات الخجولة التي حدثت على مدار الأشهر والسنوات الفائتة بينهما، إلى واقع جديد من شأنه أن يُغير في شكل العلاقة بين الطرفين في محافظة الحسكة، وحتى في مدينة حلب، وقد باتت الأحداث المتسارعة في الحسكة تؤسس لمرحلة جديدة، جاءت على ذكرها وثيقة مسربة اطلع عليها موقع تلفزيون سوريا.
اقرأ أيضاً: تطورات في القامشلي قد تغير من هدوئها
مشهد التوتر عن قرب.. نظام الأسد في مأزق
تُدير روسيا عملية ضبط التوتر في محافظة الحسكة، حتى الساعة، عبر قاعدتها في مطار القامشلي، فجنرالاتها يقدمون المبادرة تلو الأخرى لإنهاء هذا التوتر، لكن جهودهم لم تثمر، رغم ما باتت تتمتع به موسكو من ثقل عسكري شمال شرقي سوريا حيث تسيطر "قسد"، وفشلها (أي موسكو) يبدو واضحاً بعد أن قررت "قسد" تصعيد لغة الخطاب مع النظام وفرضت طوقاً أمنياً على مربعاته الأمنية في مدينتي الحسكة والقامشلي.
ويمتلك النظام في مدينة القامشلي فرعاً لـ "أمن الدولة" وآخر لـ"الأمن العسكري" في بداية حي الوسطى شمالي شارع الرئيس، إلى جانب مديرية أمن المنطقة والمحكمة الواقعتين في حي الوسطى وشارع القوتلي وحارة طي أيضا يسيطر عليها النظام، وهذه المناطق تشكل مربعه الأمني، أما في الحسكة فيتمثل مربع النظام الأمني في مركز المدينة وحي الميريديان ومساكن المحطة وهذا الحي تمكنت "قسد" خلال التوتر الأخير من السيطرة على أجزاء منه، لتصبح الكنيسة الآشورية هي الحدود الفاصلة بين الطرفين.
وتجلى ضعف النظام أمام سلطة "قسد" في القامشلي والحسكة، في اعتراف محافظ الحسكة، اللواء غسان خليل الذي خرج يشكو "قسد" على منابر النظام الإعلامية، متحدثاً عن فرضها منذ 13 يوماً حصاراً مطبقاً على المربعات الأمنية وما فيها من أحياء سكنية ومدنيين، حيث تمنع دخول المواد الغذائية والتموينية والوقود، وتمنع الموظفين في مؤسسات النظام من الذهاب إلى عملهم، كما وضعت "قسد" عناصر النظام وميليشيا "الدفاع الوطني" في الحسكة والقامشلي داخل سجن كبير، تمنع فيه خروجهم منه.
اقرأ أيضاً: التصعيد في القامشلي.. رد قسد على ضغط النظام وروسيا في عين عيسى
ولفت خليل الذي انتشرت شائعات عن هروبه إلى دمشق، عن وجود وساطة جديدة روسية لحل الخلاف مع "قسد"، مرجعاً سبب عدم حل الخلافات إلى ما وصفه بتعنت "قسد" وتقديمها طلبات وصفها بـ"التعجيزية" تتعلق بأماكن خارج الحسكة، ويقصد هنا خليل، ما تطالب به "قسد" نظام الأسد بفك الحصار عن أحياء ذات غالبية كردية في مدينة حلب كحيي الشيخ مقصود والأشرفية إضافة إلى مطالبتها النظام بالسماح بدخول المواد الغذائية والمحروقات إلى سكان منطقة الشهباء في ريف مدينة تل رفعت.
وعلى الرغم من تصريحات خليل ومطالبات "قسد"، إلا أن الطرفين المتخاصمين لم يعترفا بالسبب الحقيقي وراء هذا التوتر المستمر، بينهما منذ أكثر من شهر، وعند النظر إلى سير أحداث هذا التوتر فإنه من الممكن ربطه بعدة عوامل قد تكون تقف وراء هذا التوتر وتأججه، لكنها ليست السبب الجوهري له.
ومن تلك العوامل، هو ما تعتبره "قسد" خذلاناً وضغطاً من النظام عليها في بلدة عين عيسى بريف الرقة التي تستعد تركيا لاقتحامها وإخراج "قسد" منها، حيث ضغط النظام هناك على "قسد" عبر الروس وعرض عليها الخروج من البلدة وتسليمه إياها، وهذا ما رفضته "قسد" واعتبرته ابتزازاً، ليرد النظام بعد ذلك بجملة إجراءات ضيقت على "قسد" منها حرمانه أفران "الإدارة الذاتية" من مادة الطحين ما تسبب بأزمة خبز خانقة في محافظة الحسكة، واعتقال عدد من عناصر قوى الأمن (الأسايش) التابعة لـ "الإدارة الذاتية"، وحشد مؤيدين له أمام حواجز "قسد" المحيطة بالمربعات الأمنية.
وثيقة مسربة تتحدث عن مستقبل النظام في الحسكة
خطوة تشبث "قسد" بمطالبها وحشرها لعناصر ومسؤولي النظام في بضعة كيلومترات بمحافظة الحسكة، ورفضها وساطة روسيا يشير إلى وجود دعم تتلقاه على ما يبدو من حليفها الأساسي الولايات المتحدة الأميركية، وقد تحدثت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية عن شيء من هذا الدعم في مقال نشرته في 27 من الشهر الحالي، حمل عنوان "يجرّون روسيا إلى معارك ضد الأكراد في سوريا".
ولم يستبعد المقال حدوث صدام مسلح بين روسيا و"قسد" في الحسكة، خاصة أن روسيا زجت بعدد من قواتها مؤخراً في الحسكة على ضوء الاشتباكات بين قوات نظام الأسد وميليشيا "الدفاع الوطني" من جهة و"الأسايش" من جهة ثانية.
وسبق أن قال مسؤول مركز المراقبة الروسية - السورية المشتركة الرائد دميتري سونتسوف، عن إرسال تعزيزات روسية إلى الحسكة، إنّ هدفهم من هذا الإجراء، هو تعزيز نقاط المراقبة المشتركة مع قوات نظام الأسد في المحافظة، كما تحمل التعزيزات مهمة رئيسية تتمثل بالمساهمة في تهدئة النزاع بالمنطقة، ومراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار، وتقديم جميع أنواع المساعدة للسكّان المحليين، وفق قوله.
وتدفع جملة التطورات التي تعصف بمحافظة الحسكة والتي عكست علو كعب "قسد" على نظام الأسد هناك، إلى النظر بجدية إلى مجموعة بنود جاءت في وثيقة قيل إن نظام الأسد سربها قبل مدة بعد حصوله عليها من البيت الداخلي لـ "قسد".
وكان ناشطون من محافظة الحسكة تداولوا قبل نحو أسبوع وثيقة -اطلع عليها موقع تلفزيون سوريا- تتحدث عن تغيير جذري في شكل نفوذ ووجود النظام في الحسكة.
وتحدث موقع تلفزيون سوريا مع أحد هؤلاء الناشطين الذي أكد على صدقية هذه الوثيقة، والتي قال إنها جاءت نتيجة اجتماع روسي- أميركي قبل مدة (لم يحددها)، وتم الاتفاق خلال هذا الاجتماع على مجموعة بنود، بعضها بدأ بالتحقق تدريجياً وفق المعطيات على الأرض.
الوثيقة تنص على أن هناك تفاهماً جرى مع روسيا، من شأنه أن يحد من مساندتها لنظام الأسد في حال اندلعت اشتباكات بينه وبين "قسد"، إضافة إلى إخراج النظام من مراكز المدن في كل من الحسكة والقامشلي (في الحسكة باتجاه فوج كوكب وفي القامشلي باتجاه فوج طرطب)، مع السماح لروسيا بالحفاظ على نقاطها شرقي الفرات، وأن يكون مطار القامشلي بإدارتها، مع التزامها بفتح مكتب لـ "قسد" في مطار القامشلي.
اقرأ أيضاً: أبو دلو.. رامي مخلوف "الإدارة الذاتية" وأغنى رجل شمال شرقي سوريا
وتتضمن الوثيقة أيضاً معلومات حول اتصالات سرية أجرتها مندوبة أميركية (لم يذكر اسمها) في إحدى الدول الإقليمية المجاورة لسوريا، وتلك الاتصالات حدثت بينها وبين بعض الشخصيات الموجودة في مناطق شرقي الفرات، وتناولت فيها المندوبة الرؤية الأميركية لمستقبل شمال شرقي سوريا، منها تأسيس إدارة جديدة للمنطقة يشارك فيها جميع مكونات المنطقة (عرب، أكراد، سريان، آشوريون، وغيرهم) وقد تم تسمية بعض الشخصيات لتلك الإدارة.
ويشير أحد المطلعين على الوثيقة من أهالي الحسكة، إلى أن روسيا أجرت خلال الفترة الماضية زيارات لبعض وجهاء المنطقة، وقال إن هذه اللقاءات تأتي في إطار التأسيس للمرحلة الجديدة.
وعلى ضوء تسريب هذه الوثيقة، يقول المصدر ذاته، إن اللجنة الأمنية التابعة للنظام في الحسكة، أجرت مؤخراً اجتماعات مكثفة تمخض عنها العديد من القرارات التي تصب في مواجهة هذا السيناريو إذا ما حصل، ولعل ما يجري من أحداث الآن في الحسكة مرتبطة بما قرره النظام من خطوات للتصدي لهذا السيناريو.