icon
التغطية الحية

900 إصابة في أقل من شهرين.. التهاب الكبد ينتشر في شرقي سوريا

2024.11.12 | 16:07 دمشق

دير الزور
الفيروس الذي يهاجم الكبد ويتسبب بالتهابه - المصدر: الإنترنت
Food Poisoning News-ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يؤكد تفشي حالات التهاب الكبد من النوع "A" في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور على تدهور وضع البنية التحتية للرعاية الصحية في المنطقة تحت سيطرة "الإدارة الذاتية" لشمال وشرقي سوريا، فلقد أجبر تفشي هذا المرض الذي يعزى بشكل رئيسي لتلوث مياه الشرب أغلب الأهالي على طلب العلاج في مدن بعيدة بسبب القصور الحاد الذي تعاني منه المشافي المحلية.

وتكشف بيانات المراقبة والإشراف الطبي مدى عمق هذه الأزمة، إذ جرى تسجيل أكثر من 900 حالة في غضون أربعين يوماً فحسب بين شهري أيلول وتشرين الأول، ووثقت منظمة المستقبل من خلال نظام التحذير المبكر 732 حالة في شهر أيلول وحده، بعد ذلك وثقت 232 حالة خلال الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول، بيد أن العاملين في مجال الرعاية الصحية ذكروا بأنه من المحتمل للأرقام ألا تعبر عن الأرقام الحقيقة التي تكشف مدى تفشي المرض، بما أنه لا يجري الحديث رسمياً عن جميع الحالات.

والتهاب الكبد من الدرجة "A" هو مرض فيروسي معد سببه فيروس التهاب الكبد من النوع "A"، وينجم عنه مرض شديد في الكبد ووهن بالغ، وذلك لأن الالتهاب لا يكتفي بتدمير الكبد، بل يمنع غيره من الأعضاء عن العمل بصورة صحيحة.

وبخلاف غيره من الأمراض، لا ينتقل التهاب الكبد من النوع ( أ )من شخص لشخص عبر التعامل العرضي بينهما، ما يعني بأن التلامس مع شخص مصاب أو الجلوس بجانبه أو حتى سعال المريض في وجه شخص صحيح لن يتسبب كل ذلك بانتقال العدوى، لأن هذه العدوى تنتشر من جراء حدوث تماس مع براز شخص مصاب، ويحدث ذلك بطرق عديدة مثل:

  • تناول أغذية حضرها شخص مصاب لم يغسل يديه بعد خروجه من المرحاض.
  • شرب مياه لم تخضع للمعالجة
  • وضع شخص لشيء تعرض لتماس مع براز شخص مصاب في فمه.

يعتبر اللقاح من أنجع الطرق لتجنب الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي من النوع ( أ )، حتى بعد التعرض للمرض، ولهذا يُنصح به مع جميع الأعمار ابتداء من عمر سنة واحدة فما فوق.

تكاليف إضافية

أصبح الوضع في سوريا خطراً بالنسبة لأهالي تلك المنطقة، ومنهم عبد القادر الزند، 28 عاماً، والذي يعاني وبشكل مباشر من عواقب عدم كفاية منظومة الرعاية الصحية في المنطقة، إذ بعد حصوله على دواء خاطئ من أحد الأطباء في المنطقة، ساءت حالته، فاضطر إلى السفر إلى الحسكة من أجل الخضوع لعلاج يلائمه. بيد أن الرحلة جعلته يتجشم أعباء مالية صعبة، بما أن كلفة العلاج تتراوح ما بين مليون ونصف إلى مليونين ونصف ليرة سورية (ما يعادل 150 دولاراً تقريباً) وذلك لقاء الاستشارة الطبية، والتصوير وإجراء الفحوصات والتحاليل، في حين أن كلفة انتقاله ذهاباً وإياباً من وإلى الحسكة أضافت إلى قائمة النفقات 800 ألف ليرة سورية أخرى.

يبدو بأن السبب الرئيس لتفشي هذا المرض هو الخطر الذي يهدد سلامة المياه في هذه المنطقة، إذ بحسب ما يراه الدكتور جلال الخالد، المتخصص بالطب العام في شرقي دير الزور، فإن انتشار التهاب الكبد يرتبط بشكل مباشر بتلوث المياه وعدم معالجتها. وقد أكدت منظمة الصحة العالمية بأن العدوى بهذا المرض تحدث عند تناول أطعمة أو مياه ملوثة أو عند الاحتكاك بشكل مباشر مع شخص مصاب، كما أن سوء حال الصرف الصحي ووضع النظافة يزيد من خطر الإصابة بهذا المرض.

نقص على مختلف المستويات

امتدت أزمة الرعاية الصحية لتشمل أموراً أخرى غير تفشي التهاب الكبد الوبائي في الوقت الراهن، وذلك لأن البنية التحتية الطبية تعاني بسبب النقص الشديد على مختلف المستويات والصعد، إذ تفتقر المشافي العامة إلى اللوازم الطبية الأساسية، وإلى الأدوية والأطباء المتخصصين، ومن أهم التخصصات الطبية التي تفتقر إليها طب الأمراض الهضمية، وأمراض التنفس والرئتين، وطب العيون، وطب الأعصاب، بما أن هذه التخصصات غير موجودة في تلك المرافق الصحية المقامة في هذه المنطقة، وهذا النقص هو الذي يجبر المرضى على طلب العلاج في محافظات أخرى، أولها الحسكة والرقة، مما يشكل عبئاً مالياً ولوجستياً إضافياً على الأهل الذين يعانون بالأصل بسبب معاناة المريض لديهم.

ترسم الإحصائيات الحالية صورة صادمة عن القوى العاملة في الرعاية الصحية في هذه المنطقة، إذ بحسب ما ذكره الدكتور بكر السيد أحبش، لا يوجد سوى 250 طبيباً من جميع التخصصات مسجلين لدى الإدارة الذاتية في منطقة ريف دير الزور، ويزداد هذا النقص حدة بسبب المخاوف الأمنية المستمرة، بما أن المتخصصين في المجال الطبي يتعرضون لتهديدات متواصلة دفعت بغالبيتهم إلى ترك مناصبهم ووظائفهم بحثاً عن بيئة عمل أسلم.

يعبر الوضع في المشفى العام بالبصيرة عن مدى توسع هذه الأزمة، إذ كشف طبيب فيها تحدث بشرط عدم ذكر إسمه بسبب القيود المفروضة على الإعلام بأن المشفى يعاني من نقص في المستلزمات الطبية الأساسية، ويعجز في كثير من الأحيان عن تقديم العلاج بسبب نقص الأدوية. وعزا هذا الطبيب حالة النقص لعدم كفاية التمويل الذي تقدمه للمشفى لجنة الصحة في المنطقة.

بالعادة، يشفى المصاب بالتهاب الكبد من النوع أ ويحصل على مناعة ضد هذا المرض مدى الحياة، ويشمل ذلك معظم الإصابات، إلا أن منظمة الصحة العالمية ترى بأن نسبة ضئيلة من المصابين يمكن أن يتطور الوضع لديهم ليتحول إلى التهاب الكبد الوبائي، وهو مرض فتاك، ولذلك تركز التوصيات الخاصة بالعلاج على الالتزام بالوصفة الطبية، وشرب المياه المعقمة، والابتعاد عن أطعمة معينة يمكن أن تزيد من التهاب الكبد مثل منتجات الألبان.

تسببت هذه الأزمة بظهور منظومة ثنائية المستوى للرعاية الصحية، حيث بوسع من يستطيعون سد التكاليف أن يسافروا على نفقتهم من أجل العلاج إلى مرافق صحية مزودة بمعدات أفضل موجودة في محافظات أخرى، في حين يضطر آخرون للاعتماد على الموارد المحدودة المتوفرة في منطقتهم، وهذا البون يؤثر بشكل سلبي على الفئات الضعيفة التي لا يمكنها تحمل التكاليف الباهظة لطلب العلاج في مناطق أخرى.

هذا ويؤكد تكرار تفشي الأمراض البكتيرية في المنطقة على الحاجة الماسة لإجراء إصلاحات شاملة في مجال الرعاية الصحية إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية المرتبطة بهذه المنظومة، كما أن اختفاء التخصصات الطبية المهمة، وخاصة في مجال طب الأعصاب، والجراحة القلبية، واستمرار الأطباء بالهجرة، كل ذلك يشير إلى أن أزمة الرعاية الصحية في منطقة دير الزور قد تزداد سوءاً إن لم يحدث أي تدخل مهم على ذلك الصعيد.

 

المصدر: Food Poisoning News