أثارت إصابات الكوليرا في مناطق سيطرة النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية، مخاوف المنظمات الطبية والأهالي بأن يصل الوباء إلى منطقة سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا المكتظة بمئات المخيمات والتي تعاني في الأساس من ضعف كبير في الاستجابة الإنسانية وشح في الدعم المطلوب للقطاع الطبي.
وبحسب مصادر تلفزيون سوريا وإحصائيات مركز الترصد الوبائي ووزارة الصحة في حكومة النظام السوري، بلغت أعداد المصابين بالكوليرا في كامل سوريا حتى يوم أمس الثلاثاء 865 إصابة.
في شمال غربي سوريا يبدو الوضع مستقراً حتى الآن، فلم تسجل أي إصابة، والتحليلات التي أجريت للحالات السبع التي اشتبه بأن تكون مصابة بالكوليرا جاءت نتيجتها سلبية، لكن التخوف كبير من وصول الوباء، حيث يؤكد الطبيب محمد سالم أن انتقال المرض إلى شمال غربي سوريا متوقع وليس بالأمر الصعب، ما يؤكد كلام الطبيب هو الانتشار الكبير لمعابر التهريب على الحدود الداخلية بين مختلف مناطق نفوذ قوى الصراع في سوريا وسهولة انتقال الأفراد بين تلك المناطق.
هذا التخوف دفع كلاً من وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة ومديرية صحة إدلب لإصدار بيانات تحذر من خطر تفشي وباء الكوليرا في شمال غربي سوريا، حيث تكتظ المنطقة بالسكان والصالحين في المخيمات، كما عملت على تقديم الإرشادات للمواطنين للاهتمام بنظافتهم الشخصية بهدف الوقاية من الإصابة بالمرض.
أهلنا الكرام في سوريا في الأيام الماضية ظهرت عدة حالات كوليرا مثبتة في مناطق متفرقة من سوريا لذلك ننصح أهلنا الالتزام...
Posted by Assistance Coordination Unit - وحدة تنسيق الدعم on Wednesday, September 7, 2022
نظام صحي هش في مواجهة الوباء
الطبيب دريد الرحمون مسؤول شعبة الصحة المجتمعية والأمراض المعدية في مديرية صحة إدلب قال لموقع تلفزيون سوريا: "نحن نمتلك إمكانيات لكن لا نمتلك موارد مالية، فلدينا الكادر البشري المختص القادر على متابعة الوباء، لكن الموارد المادية معدومة وانعدام المال يمنعنا من تجهيز أماكن خاصة لاستضافة حالات الكوليرا وتقديم العلاج لها".
وأضاف الرحمون أنهم عملوا بالتنسيق مع الجهات الدولية للبحث في الحلول وتم طرح عدة سيناريوهات والبحث عن حلول لكل منها، وطرحوا خططا لإقامة تدريبات لعمال الصحة المجتمعية لبث التوعية في المجتمع حول مخاطر الكوليرا وطرق الوقاية منه وتجنب العدوى.
لكن الرحمون اعتبر أن "بطء الإجراءات الدولية وتأخر المنح المقدمة من المانحين لإقامة المشاريع الصحية المطلوبة يزيد الوضع سوءاً في حال انتشر الوباء قبل إتمام الاستعدادات".
المستشفيات باتت وحيدة في مواجهة الوباء بسبب غياب البنية التحتية
الطبيب رامي كلزي مدير البرنامج الصحي في منظمة الأمين أكد في مقابلة تلفزيونية، أن القطاع الصحي والمستشفيات هي الخط الأخير في الدفاع أمام الوباء، معتبراً أن التصدي للوباء يكون من خلال البنى التحتية لكنها مدمرة ولم يتم تأهيلها كمحطات معالجة المياه والمضخات والآبار وشبكات الصرف الصحي، وتحولت من مصدر للتصدي للوباء إلى مصدر رئيسي لنقل العدوى، مما جعل الاعتماد على المستشفيات التي تبدو مبروكة وحيدة للتصدي للوباء.
أيضاً يعتبر الطبيب محمد سالم، أن الوضع الصحي في شمال غربي سوريا متردٍ من دون وجود الكوليرا، وسيزداد وضعه سوءاً فيما لو انتشرت الكوليرا في المنطقة، وتعود أسباب تردي النظام الصحي في شمال غربي سوريا إلى الكثافة السكانية العالية، وغياب البنية التحتية، فهناك مدن سكنية كبيرة أنشئت بلا بنية تحتية ودون تخطيط وتنظيم هندسي صحيح بحسب وصفه.
الوضع في المخيمات ينذر بكارثة
يعيش أكثر من مليون ونصف المليون شخص في مخيمات الشمال السوري وسط ظروف صحية وإنسانية غاية في الصعوبة. وحذّر فريق منسقو استجابة سوريا في تقريره الأخير حول مراقبة حالة المخيمات في شمال غربي سوريا من أن نسبة الاستجابة الإنسانية في المخيمات لم تتجاوز الـ 22% في قطاع المياه والإصحاح، والـ 30% في قطاع الصحة والتغذية.
محمد حلاج مدير فريق منسقو استجابة سوريا قال لموقع تلفزيون سوريا إن 590 مخيماً في شمال غربي سوريا لا تصلها مياه الشرب النظيفة والمجانية، ويعتمد سكانها على شراء مياه الشرب بأسعار مرتفعة أو نقل المياه من مصادر غير آمنة من المشاريع الزراعية القريبة، مما يخفض كمية المياه التي يحصل عليها الفرد إلى ما دون الـ 20 ليتراً يومياً، وتمثل تلك المخيمات ما نسبته 43% من مخيمات الشمال السوري.
هذا وتعاني مخيمات الشمال السوري من نقص كبير في الخدمات والبنى التحتية، وأبرزها المياه والصرف الصحي، حيث تنتشر أقنية ومجاري الصرف الصحي المكشوفة داخل المخيمات وقربها مما تسبب بكثير من الأمراض الجلدية والمعوية، فضلاً عن انعدام المصادر الآمنة لمياه الشرب، وانخفاض كميات المياه التي يحصل عليها الأفراد والتي أدت بدورها لتراجع الاهتمام بالنظافة الشخصية خاصة لدى الأطفال، مما يجعل المنطقة بيئة خصبة لانتشار الكوليرا.
وتعتبر دورات المياه والحمامات المشتركة في المخيمات واحدة من أكبر المشكلات التي تهدد السكان في حال وصول الوباء إلى المنطقة، فالتعرض لفضلات وبراز المصاب ينقل العدوى بشكل سريع للشخص السليم المتعرض لتلك الفضلات.
الحلول المقترحة
يقول الطبيب واصل الجرك إن الوعي المجتمعي بالنظافة الشخصية والاهتمام بنظافة مصادر الطعام والشراب، والتوجه إلى المراكز الصحية في الوقت المناسب لتلقي العلاج ووقف انتشار العدوى واحدة من أبرز الحلول الممكنة
يقول الطبيب محمد سالم إن عملية الترصد للوباء أيضاً تعتبر عاملاً رئيساً في ضبط الوباء والتصدي له، فالترصد يمكن الجهات الصحية من كشف الحالات مبكراً قبل تفشي الوباء وانتشار العدوى.
وقال سالم لموقع تلفزيون سوريا، إن نسب الوفاة تتراوح بين 20 إلى 50 % في حال غياب الاستعداد لمواجهة الوباء، وتنخفض إلى قرابة الـ 2% في حال كان هناك استعداد جيد لمواجهة الوباء.
كما أكد الطبيب على ضرورة نشر عادات النظافة وتقديم سلال النظافة للمخيمات، إضافة إلى المياه المكلورة وصيانة شبكات الصرف الصحي.
محمد حلاج أكد على ضرورة تأمين المياه النظيفة والمكلورة للسكان خاصة في المخيمات وبكميات تتيح لهم الاهتمام بالنظافة الشخصية خاصة للأطفال بشكل أكبر، وطالب حلاج بتأمين لقاحات للكوليرا وخاصة للأطفال.
كما طالب مختصون سلطات الأمر الواقع في الشمال السوري بالوقوف عند مسؤولياتها وإغلاق معابر التهريب مع نظام الأسد وقسد، بالإضافة لاتخاذ الإجراءات المطلوبة لوقف ري المزروعات بمياه الصرف الصحي والمجاري.
كما طالب مطلعون بالاهتمام ومراقبة نظافة دورات المياه في المدارس خاصة أن موعد بدء العام الدراسي في الشمال السوري بعد ثلاثة أيام.
مرض الكوليرا
والكوليرا مرض ناجم عن إصابة بكتيرية يمكن أن يتسبب في الإصابة بإسهال مائي حاد، ويستغرق فترة تتراوح بين 12 ساعة و 5 أيام لكي تظهر أعراضه على الشخص عقب تناوله أطعمة ملوثة أو شربه مياه ملوثة. وتصيب الكوليرا الأطفال والبالغين على حد سواء.
ولا تظهر أعراض الإصابة بعدوى ضمات بكتيريا الكوليرا على معظم المصابين بها، رغم وجود البكتريا في برازهم لمدة تتراوح بين يوم واحد و 10 أيام عقب الإصابة بعدواها.
ومعظم من يُصابون بعدوى المرض يبدون أعراضاً خفيفة أو معتدلة، بينما تُصاب أقلية منهم بإسهال مائي حاد مصحوب بجفاف شديد، ويمكن أن يسبب ذلك الوفاة في غضون ساعات قليلة إذا تُرك من دون علاج.