أيام قليلة تفصلنا عن تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، وقد ورد على لسان فريقه الانتقالي بأنهم واجهوا عقبات وعراقيل وضعها في طريقهم المسؤولون الذين سيغادرون مناصبهم في البنتاغون، الأمر الذي سيجعل عملية بدء الإدارة الجديدة بإطلاق سياستها الخارجية تسير بصورة أبطأ.
وهذا التأجيل المتوقع يجعل من الملحّ والضروري بالنسبة للفريق القادم أن يضع خطة راسخة ومتينة لأجندة بايدن، وذلك فيما يتصل بأمور الحرب والسلام، والدبلوماسية والدفاع، وإليكم هنا أول ثلاث خطوات:
-
وضع الاستراتيجيات وتحديد الأولويات
يتعين على إدارة بايدن أن تشرع بتطوير استراتيجية واقعية متماسكة وكبيرة بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية.
وهذا يعني تحديد المصالح القومية الأساسية وتمييزها عما يفضل القيام به تجاه سلوك الفاعلين الآخرين، أي ما الذي تحتاجه البلاد بالفعل حتى تبقى، مع تحديد الأولويات والمجاملات في هذا السياق.
وبما أن الولايات المتحدة في حالة حرب دائمة ومستمرة، لذا فإن عملية وضع الاستراتيجيات تتطلب تقييماً رزيناً لما يمكن أن يحققه التدخل العسكري الأميركي في شؤون الدول الأخرى، إذ يجب ألا يقتصر ذلك التقييم على ما نريد تحقيقه من ذلك التدخل، بل ما تبينه السجلات الموثقة بالتواريخ. ثم إن المسار الموحش الذي اتخذته الولايات المتحدة خلال العقود السبعة الماضية (في كوريا وفيتنام عبر عمل عسكري صغير وعمليات سرية عديدة)، وفي المرحلة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر وخاصة في أفغانستان والعراق وليبيا والصومال وسوريا واليمن يجب أن تدفع الولايات المتحدة نحو الالتزام بشكل أكبر بنهج أكثر انضباطاً مستقبلاً.
كما أن السياسة الخارجية القائمة على فكرة الجيش أولاً لم تجد نفعاً، ولم تحقق الفوائد الكثيرة المبتغاة بالنسبة لشعوب الدول التي قامت الولايات المتحدة بخوض حرب فيها.
وعليه يجب أن تتزامن البراغماتية الواضحة والمعارضة المبدئية لقرار خوض الحرب المتهور دون خضوع من اتخذه لأي محاسبة، مع استراتيجية جديدة تتصل بالشؤون الخارجية الأميركية.
2. إنهاء الحروب الأبدية بشكل كامل
إن عملية وضع الاستراتيجيات تتطلع قدماً نحو المستقبل، في حين ينبغي لبايدن أن يواجه ويعالج حالات التدخل القائمة في الوقت الراهن خارج حدود البلاد.
ويحسب للرئيس المنتخب بايدن أنه تعهد بإنهاء الحروب الأبدية القائمة في أفغانستان والشرق الأوسط، والتي كلفت الولايات المتحدة الكثير من النفس والنفيس، كما أنه وعد بإنهاء الدعم الأميركي للحرب التي تتزعمها السعودية في اليمن. إلا أن الأمور التي لا تحسب لهذا الرجل تتصل بعزمه على ترك فرقة صغيرة من الجنود الأميركيين في أفغانستان لأجل غير مسمى، ما يعني استمرار خطر العودة للتصعيد، وهذا أمر غير مقبول نهائياً.
كما فشل بايدن في اختيار الكادر الذي يشاركه رؤيته بالنسبة لإخماد تلك الحروب، فقد اختار لوزارة الدفاع، والخارجية، ولمنصب مستشار الأمن القومي، ولإدارة الاستخبارات الداخلية شخصيات لديها سجل حافل بالسعي نحو الحرب وتفضيلها منذ أيام أوباما مقارنة بتوجهاته هو شخصياً في هذا الخصوص.
لذا فإن قائمة المستشارين لديه لابد وأن تصعب مهمة بايدن بالنسبة لوفائه بوعده حول تخليص الولايات المتحدة من تلك النزاعات، ولهذا سيترتب عليه ليس فقط محاربة الجمود الكبير في أكبر بيروقراطية في العالم، والكونغرس المعادي لفكرة السلام بشكل فعال، بل أيضاً لابد له من تحدي إرادة أقرب مستشاريه إليه.
إذ من غير المحتمل لهذا الفريق على وجه الخصوص أن يدفع بايدن نحو القيام بتلك الخطوة الضرورية التي تنطوي على انسحاب الجيش الأميركي بشكل كامل من الشرق الأوسط الكبير، ويشمل ذلك أفغانستان أيضاً.
3. التحول إلى الدبلوماسية الواقعية
إن أثر الابتعاد عن التدخل العسكري الأميركي بوصف الجيش الأميركي صاحب دور رئيسي وقائداً لتلك العمليات يعني بأن تدخل الولايات المتحدة في العالم يجب ألا يتحول نحو الانعزالية. بل على النقيض، ينبغي للسياسة الخارجية الأميركية أن تبنى على تبادل المنافع مع الدول الأخرى، ويتصل ذلك بالتجارة والسفر بالنسبة للمواطنين أما بالنسبة للحكومة الأميركية فيتمثل الأمر بالدبلوماسية.
ولهذا ستواجه إدارة بايدن تحدياً كبيراً يتمثل بالاستغناء عن الفرضيات القديمة والزائفة حول الدبلوماسية التي تحولت إلى عرض مزمن انتشر في واشنطن، وذلك لأن الدبلوماسية ليست مكافأة على حسن السلوك، ولا شيئاً تمارسه الولايات المتحدة مع الحكومات الديمقراطية اللطيفة، كما أنها ليست عملية سريعة ولا أحادية الجانب. ثم إن رفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات حتى بعد تلبية كل المطالب الأميركية ليس بدبلوماسية، بل إنها نوبة غضب عقيمة تقف وراءها قوة عظمى مغرورة.
ولهذا من الضروري قيام نهج أكثر واقعية وصبراً بالنسبة للدبلوماسية في الملف الأمني الأميركي خلال السنوات الأربع القادمة وما بعدها. وذلك لأن الطلبات الجامحة التي تمضي إلى أبعد الحدود لم تجد نفعاً مع إيران ولا مع كوريا الشمالية. كما أن التودد الذليل للديكتاتوريين الذي اقترن بشكل غريب مع فرض تعرفة جمركية دمرت أمريكا قبل أن تدمر غيرها، فضلاً عن الانسحاب مع بعض الاتفاقيات لم يحسن علاقة الولايات المتحدة بالصين أو بروسيا. كما لم تقربها تلك الإهانات العلنية من الحلفاء الغربيين ولم تغريهم بتقاسم الأعباء التي تترتب على تلك الإهانات.
ولذلك بوسع بايدن، بل يجب عليه أن يحسن أداءه وذلك عبر جعل الدبلوماسية الحذرة على مستوى التعامل محور السياسة الخارجية الأميركية ابتداء من عام 2021 فصاعداً، إذ يجب عليه أن يقوم بذلك على الفور.
المصدر: بزنس إنسايدر