أكد مسؤولون غربيون لـ "تلفزيون سوريا" أن أسباب النزاع في سوريا ما تزال قائمة ولم يتم التعامل معها، وأن البلاد ليست آمنة لعودة اللاجئين، معتبرين أن التطبيع العربي مع النظام السوري "خطوة غبية لم يكن على الدول العربية القيام بها".
جاء ذلك خلال برنامج "سوريا اليوم" الذي عُرض على شاشة "تلفزيون سوريا"، للحديث عن حصاد التطبيع العربي مع النظام السوري، ومكاسب الدول من التطبيع، ورؤية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للملف السوري، والمواقف من انتفاضة السويداء.
واستضافت الحلقة، التي بثت أمس الجمعة، المبعوثة البريطانية الخاصة إلى سوريا، آنا سنو، والمبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك، والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، جويل رايبورن، ووزير الإعلام الأردني السابق، سميح المعايطة، ورئيس مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية، فهد الشليمي.
سوريا ليست آمنة والوضع الإنساني مرعب
وقالت مبعوثة المملكة المتحدة إلى سوريا، آنا سنو، إن "أسباب النزاع في سوريا باقية ولم يتم التعامل معها"، مشيرة إلى انتفاضة السويداء، ومطالبة المتظاهرين بتطبيق القرار 2254 وإطلاق سراح المعتقلين.
وأضافت سنو أن الوضع الإنساني في جميع أرجاء سوريا "مرعب للغاية، وأسوأ من أي وقت مضى"، مشيرة إلى "أرقام صادمة" لتقييم الاحتياجات التي قامت بها الأمم المتحدة وأظهرت أن معظم السوريين يحتاجون للمساعدة.
وأكدت سنو على موقف بلادها بضرورة وجود عملية سياسية شاملة تقودها الأمم المتحدة على أساس القرار 2254، معربة عن القلق من تعامل النظام السوري مع الاحتجاجات وإطلاق النار على المتظاهرين في السويداء.
وطالبت سنو النظام السوري بأن ينخرط بشكل جدي بالعملية السياسية، واجتماع اللجنة الدستورية السورية، سواء كان في العاصمة العمانية مسقط أو في جنيف.
واعتبرت أن عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية يجب أن تنعكس بخطوات يمكن التحقق منها، تتعلق بالمعتقلين والمفقودين واللجنة الدستورية والتقدم المحرز فيها، وتأمين الظروف المناسبة لعودة آمنة وطوعية للاجئين السوريين، بالإضافة إلى التقدم على مسار الحل السياسي وفق القرار 2254.
وشددت على أن بريطانيا "تتفق مع تقييم الأمم المتحدة بأن سوريا ليست آمنة لعودة آمنة وطوعية وكريمة للاجئين"، موضحة أن "هذا لن يحدث بشكل كبير إلا إذا كانت هناك عملية سياسية مخططة من قبل السوريين وتقودها الأمم المتحدة".
وذكرت الدبلوماسية البريطانية أن بلادها لن ترفع العقوبات عن النظام السوري وهي عنصر عام من عناصر الضغط على النظام، مشيرة إلى أنها تستهدف نحو 400 شخصية وكيان، ممن ارتكبوا انتهاكات في سوريا، بما في ذلك التعذيب والهجمات بالأسلحة الكيميائية وتجارة الكبتاغون التي تشكل خطراً على استقرار سوريا والمنطقة.
وعن التطبيع مع النظام السوري، قالت سنو إن بريطانيا لن تنخرط بعلاقات دبلوماسية مع النظام السوري حتى ينخرط بشكل جدي بالعملية السياسية، مؤكدة أن التطبيع العربي مع النظام يجب أن يكون في مقابل "خطوات واضحة يمكن قياسها والتحقق منها".
وفيما يتعلق بالتوترات في شمال شرقي سوريا بين "قوات سوريا الديمقراطية" والعشائر العربية، قالت سنو إن الوضع "مقلق للغاية"، مضيفة أن بريطانيا وشركاءها في "التحالف الدولي" أكدوا على أهمية خفض التصعيد، وتحييد المدنيين عن الصراع.
وأشارت مبعوثة المملكة المتحدة إلى سوريا أن النساء والفتيات السوريات "في قلب ما تقوم به بريطانيا في سوريا، سواء عبر الانخراط مع المنظمات التي تقودها النساء، أو الدعم النفسي والاجتماعي للنساء وتمكينهن لتكون لديهن قدرات أكبر لمواجهة المستقبل"، مؤكدة أن النساء والفتيات "جزء أساسي من سياستنا المتعلقة بسوريا، وهذا أمر سيستمر".
ستيفان شنيك: نحن مع التطبيع المشروط
من جانبه، قال المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك، إن لديه "انطباعا إيجابيا" من خلال زيارته لمعبر باب الهوى، واستئناف دخول المساعدات الإنسانية عبره إلى شمالي سوريا، مشيراً إلى مسؤولية جميع الأطراف لتقوم بكل ما يمكن القيام به لإيصال الدعم الإنساني للشعب السوري أينما كان في كامل الأراضي السورية.
وأكد شنيك أن "الحيادية الخاصة بالدعم الإنساني في سوريا هي ذات أهمية بالغة، بغض النظر عن السلطات المحلية في أي مكان في سوريا، ومن المهم ألا تتدخل سلطات الأمر الواقع في هذه المسألة، ففي حال تدخلها لن نستطيع تقديم الدعم الإنساني".
وعن التطبيع العربي مع النظام السوري، قال شنيك "أتفهم المخاوف لدى الدول العربية، وأقدر الجهود التي يبذلونها للعودة إلى المسار السياسي، لأن الدعم الإنساني لن يحل المشكلة، فالمشكلة سياسية"، موضحاً أن "الأهم في مفاوضات التطبيع هو أن يكون لدينا خطة واضحة حول ما نريد الحصول عليه من خلال خطوات واضحة للشعب السوري".
وذكر شنيك أنه "لا يجب أن تكون عملية التطبيع مجانية، وهو ما نتحدث فيه مع شركائنا العرب"، مضيفاً أن بلاده مع "التطبيع المشروط"، مشيراً إلى أهمية انعقاد اللجنة الدستورية في مسقط أو جنيف.
وعن زيارة بشار الأسد إلى الصين وتأثير العقوبات على الاتفاقيات مع النظام السوري، ذكر شنيك أن العقوبات الأوروبية تتعلق بالاتحاد الأوروبي، وهي ليست عقوبات دولية، وتختلف عن عقوبات "قانون قيصر" الذي يفرض على كل الدول أن تكون حذرة من انتهاكها.
وأشار شنيك إلى أن الصين "ليست لاعبا سلبيا مثل الروس"، موضحاً أن روسيا "تلعب لعبة سيئة جداً في سوريا، أما الصين فهي أكثر حذراً، ولا تقدم الدعم للنظام السوري في مجلس الأمن في بعض الأحيان، ولن تساعد النظام بنفس الطريقة التي ساعده بها الروس".
وفيما يتعلق بانتفاضة السويداء، أكد الدبلوماسي الألماني أن بشار الأسد "لم يستطع من خلال نظامه وعائلته أن يأتي بوضع طبيعي إلى أي منطقة في سوريا"، مشيراً إلى أنه "على الرغم من التطبيع السياسي من قبل العرب، لا يوجد أي تحسن في حياة الناس والحريات الأساسية".
وأشار إلى أن التوتر بين "قسد" والعشائر العربية في شمال شرقي سوريا "مقلق للغاية، وهو إشارة لكل سلطات الأمر الواقع أن ما ينطبق على النظام السوري ينطبق على سلطات الأمر الواقع الأخرى: يجب أن تعطوا الشعب صوتاً"، مؤكداً أن "الديمقراطية ليست اختراعا غربيا لكنها حاجة للشعوب".
وعن عودة اللاجئين السوريين، شدد شنيك أن سوريا "ليست بلداً آمناً لعودة اللاجئين السوريين"، مضيفاً أنه "في جميع أرجاء سوريا هناك ممارسات شائعة مثل الخطف والتعذيب، ولا يمكن التصديق بأن سوريا آمنة".
وأكد المبعوث الألماني إلى سوريا على المحاسبة والمساءلة في سوريا، مضيفاً أن الاتحاد الأوروبي سيلاحق كل شخص منخرط في جرائم وانتهاكات في سوريا.
سميح المعايطة: النظام لا يسيطر على الجغرافية السورية وتعامل بفوقية وتذاكي
وزير الإعلام الأردني السابق، سميح المعايطة، قال إن "جميع الوعود والتفاهمات التي تم الاتفاق عليها مع النظام السوري، أمنياً وعسكرياً وسياسياً، لم يتم تنفيذها على الأرض"، مضيفاً أنه "من الواضح أن النظام السوري ليس صاحب قرار أو نفوذ، ولا يسيطر على الجغرافية بسوريا، وبشكل خاص المناطق التي يقول إنها تحت سيطرته".
وأضاف أن هناك قوى أخرى ذات نفوذ وتأثير تتحكم بالأمور، وهي ميليشيات موالية لإيران، وميليشيات تتبع جيش النظام السوري، تسيطر على الجنوب السوري التي يتم منها تهريب المخدرات والمتفجرات إلى الأردن.
وذكر المعايطة أن الأردن "مصاب بخيبة أمل شديدة من تعامل النظام السوري مع الفرصة العربية التي يهدرها"، مضيفاً أن المبادرة العربية تضم ملفين مهمين للأردن هما ملف المخدرات والمتفجرات وملف اللاجئين.
وأوضح أن عمان "تدرك أن ملف اللاجئين ليس سهلاً ومعقداً، وهناك تداعيات أمنية واقتصادية"، مشيراً إلى المبادرة الأردنية بشأن إعادة عينة من اللاجئين تتكون من 1000 لاجئ سوري، وإنشاء بنية تحتية لهم في قراهم، لكن النظام السوري "تعامل معها بطريقة غير سليمة، وفيها نوع من الفوقية والتذاكي، عبر اشتراط عودة اللاجئين بإعادة الإعمار".
وأكد الوزير الأردني السابق أن علاقات النظام السوري مع عدد من الدول العربية "دخلت في مرحلة برود شديد، نتيجة تعامل النظام مع المبادرة العربية".
جويل رايبورن: التطبيع العربي مبادرة غبية
ورداً على حديث الوزير الأردني، أكد المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، جويل رايبورن، أن بشار الأسد "ليس ضحية، وليس عاجزاً، وليس صحيحاً أن الإيرانيين وحزب الله هم من يديرون البلاد نيابة عنه"، مؤكداً أن تجارة المخدرات والهجمات على الحدود الأردنية هي سياسة نظام الأسد التي نعرفها منذ 25 عاماً، و"الوعود بالنسبة له لا تعني شيئاً".
وعن التطبيع العربي مع النظام السوري، ذكر رايبورن أن "التطبيع كان مبادرة غبية لم يكن على الدول العربية القيام بها"، مضيفاً أن "صانعي القرار في الدول العربية يعرفون ذلك بشكل كبير، وأعطوا النظام السوري فرصة، لكنها يتحتم عليها الفشل".
وأكد رايبورن أن النظام السوري "لم يحافظ على أي عهد لأي جار عربي"، موضحاً أنه "لم يكن يجب دعوة بشار الأسد أساساً إلى القمة العربية، لأنه سيحرج القيادات العربية ويعاملهم بعدم احترام، وسيحصل على تنازلات منهم وكأنه هو الملك لكل الدول العربية".
وشدد أن بشار الأسد وشقيقه ماهر "يستطيعان التحكم بكل شخص في سوريا، وبكل مسيّرة وبكل حبة كبتاغون تذهب من سوريا إلى الأردن أو أي مكان آخر".
وقال الدبلوماسي الأميركي السابق إن "سياسة الأسد مقصودة، وهو ليس عاجزاً "، مضيفاً أن "الوضع على كل الحدود السورية هي بالضبط كما يريدها الأسد، ولذلك المنطقة لن تكون آمنة ومستقرة حتى يكون هناك انتقال للسلطة في دمشق على أساس قرار مجلس الأمن 2254".
فهد الشليمي: إيران تسيطر على سوريا
رئيس مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية في الكويت، فهد الشليمي، قال إن "فتح العلاقات وتوجيه الدعوة للنظام السوري في الجامعة العربية كان محاولة عبر دبلوماسية الزلازل ودبلوماسية الكوارث، حيث تم الوقوف مع الشعب السوري وليس النظام"، مضيفاً أن "الموجود في سوريا حالياً هو النظام، ويجب التعامل معه وإعطاؤه فرصة".
واعتبر أن "هناك فريقين في الجانب السوري، فريق مع إيران وفريق مع روسيا، والجانب المتغلب الآن هو فريق سوري مدعوم من إيران، يتميز بالانتشار عبر الميليشيات وصناعة المخدرات، وهو الفريق الذي يفرض نشاطه، وبالتالي فإن القيادة السورية في ورطة وهي غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها، ولا تستطيع إيقاف هذا الفريق الإيراني".
وأشار الشليمي إلى أن النظام السوري "في ورطة، حيث تتظاهر ضده محافظات لم تكن تتظاهر في السابق، بالإضافة إلى أن عودة ملايين اللاجئين سيشكل عبئاً مالياً وخدمياً وأمنياً عليه، في ظل الانهيار الاقتصادي في سوريا، فيما لا يستطيع النظام تقديم أي شيء".
وذكر الباحث الكويتي أن "المستفيد من الوضع القائم في سوريا هو جناح إيران، التي تستفيد عبر الإطلالة على المتوسط، ودعم حزب الله، ومواجهة إسرائيل، بالإضافة إلى امتلاكها لأوراق ضغط في سوريا على الدول العربية"، مؤكداً أن النظام السوري "لا يستطيع القضاء على الأنياب الإيرانية في سوريا".