ارتفع عدد جرحى المجزرة التي ارتكبتها الطائرات الروسية في سوق شعبي بمنطقة جسر الشغور غربي إدلب إلى 61 شخصا بينهم أطفال، بالإضافة إلى مقتل 9 مدنيين.
تصعيد روسيا الكبير جاء ليضع حداً لأشهر طويلة من الهدوء شبه التام في محافظة إدلب الذي لم يكن يعكره سوى تبادل القصف المدفعي المحدود بين الحين والآخر، وأتى بعد يوم واحد فقط من إعلان النظام السوري عن تعرض مناطق في ريفي اللاذقية وحماة لهجمات بالطائرات المسيرة عن بعد، وسقوط ضحايا مدنيين بحسب رواية وسائل إعلام النظام الرسمية.
مصادر ميدانية خاصة أكدت لموقع تلفزيون سوريا أن القصف الذي نفذته الطائرات الروسية يوم الأحد 25 حزيران الجاري، شمل أيضاً مواقع غربي مدينة إدلب وقرب جسر الشغور، وهي لمجموعات أوزبكية وتركستانية تتبع لهيئة تحرير الشام.
#وزارة_الدفاع: ردّاً على الاعتداءات التي نفذتها المجموعات الإرهابية المسلحة خلال الأيام الماضية على ريفي حماة واللاذقية والتي راح ضحيتها عدد من المدنيين وأدت إلى إحداث أضرار مادية كبيرة في ممتلكات الأهالي نفذت قواتنا المسلحة الباسلة بالتعاون مع القوات الجوية الروسية pic.twitter.com/pjSkmHS5os
— أخبار سوريا الوطن Syrian 🇸🇾 (@SyriawatanNews) June 25, 2023
وتذرع النظام السوري بالهجوم على مناطق في ريفي اللاذقية وحماة لشن غارات على إدلب، ونشرت وزارة الدفاع التابعة للنظام فيديوهات للغارات على فيس بوك، وقالت في بيان "ردّاً على الاعتداءات التي نفذتها المجموعات الإرهابية المسلحة خلال الأيام الماضية على ريفي حماة واللاذقية والتي راح ضحيتها عدد من المدنيين وأدت إلى إحداث أضرار مادية كبيرة في ممتلكات الأهالي نفذت قواتنا المسلحة الباسلة بالتعاون مع القوات الجوية الروسية عدة عمليات نوعية استهدفت مقرات الإرهابيين ومستودعاتهم في ريف إدلب ومواقع إطلاق الطائرات المسيّرة وأدت إلى تدمير تلك المقرات بما فيها من أسلحة وذخائر وطيران مسيّر ومقتل عشرات الإرهابيين وإصابة آخرين".
ونشرت الوزارة أيضا أسماء القتلى: "عبد الكريم أبو داوود التركستاني - سيف الله أبو عبد الحق التركستاني - مصطفى شيخ الست - عبد الرحمن سعدون - أبو كرّار - محمد سعيد نصوح - رضوان معترماوي - محمود شيخ الحارة".
يجري ذلك وسط تجاهل كامل للغارات التي استهدفت السوق الشعبي في جسر الشغور والضحايا المدنيين الذين سقطوا من جرائها.
من أطلق الطائرات المسيرة؟
تحدث موقع تلفزيون سوريا إلى خبراء تصنيع عسكري – رفضوا ذكر اسمهم لدواع أمنية – بهدف معرفة نوعية الطائرات المسيرة التي نشرت وسائل إعلام النظام السوري صورا لها في أجواء ريفي حماة واللاذقية.
وبحسب الخبراء فإن الطائرات التي ظهرت في الصور هي طائرة استطلاع روسية من طراز Diamond DA42T، وتعمل في قاعدة حميميم منذ عام 2021.
وأكد الخبراء أن المسيرات التي استهدفت ريفي اللاذقية وحماة كانت محملة بقنابل ذات وزن صغير وهي مصممة لتنفيذ هجمات من دون استخدامها كطائرة انتحارية.
من جهة أخرى أكدت مصادر عسكرية من إدلب لموقع تلفزيون سوريا، أن بعض الجماعات "الجهادية" الموجودة في إدلب، عملت خلال السنوات الماضية على استقطاب خبراء تصنيع طائرات مسيرة من جنسيات مختلفة، أبرزها الأوزبكية، واستطاعت تطوير وقطع المزيد من الخطوات في عملية تصنيع الطائرات.
الغارات الروسية التي أتت بعد الهجمات بالطائرات المسيرة، استهدفت مقراً لمجموعة أوزبكية غربي مدينة إدلب، ومن المحتمل أيضاً أن هذه المجموعات لها اتصال مع مقاتلين أوزبك يواجهون القوات الروسية في الحرب الأوكرانية.
مخاوف هيئة تحرير الشام
وسعت "تحرير الشام" خلال الأشهر الماضية إلى تحقيق المزيد من التوسع في الاتصال الجغرافي لإدلب مع المحيط الخارجي من خلال تعزيز الاتصال مع "قسد"، حيث شهد الشهران الماضيان لقاءات أمنية بين الجانبين بهدف عقد شراكات أمنية واقتصادية، ومن غير المستبعد أن الهيئة تستهدف الحصول على معدات عسكرية خاصة من مناطق قسد والعراق يمكن استغلالها في المواجهات مع الأطراف الأخرى.
وأفادت مصادر مطلعة على أروقة هيئة تحرير الشام لموقع تلفزيون سوريا، أن تحرير الشام متخوفة بسبب غياب المعلومات عندها حول المرحلة التي وصلت لها المفاوضات بين تركيا والنظام السوري ضمن المسار الرباعي، خاصة بعد عقد الأطراف مفاوضات تقنية جديدة على هامش جولة أستانا 20.
وتتخوف الهيئة كما "قسد" من توصل المسار الرباعي إلى تفاهم مكتمل حول آلية مكافحة التنظيمات الإرهابية، مما يهدد مصير الطرفين.
وبحسب المصدر، فإن تحرير الشام تنظر بارتياب لتصاعد عمليات التصفية التي تنفذها تركيا ضد قيادات بارزة في حزب العمال الكردستاني تنشط شمالي وشمال شرقي سوريا، خاصة ضمن المناطق الخاضعة للنفوذ الروسي غرب الفرات، على غرار العمليات التي نفذتها طائرات مسيرة تركية في تل رفعت منتصف شهر حزيران الجاري وأسفرت عن مقتل قيادات في حزب العمال الكردستاني.
وتعتبر الهيئة أن هذه العمليات التركية مؤشر على تصاعد التنسيق الأمني ضمن المسار الرباعي، مما يزيد احتمالية انتقال التنسيق إلى شمال غربي سوريا.
وعملت "تحرير الشام" طيلة الأشهر الماضية على حشد الشارع المعارض خلف شعارات ترفعها تناهض فيها التطبيع، وتهاجم فيها المسار الرباعي الذي انخرطت فيه تركيا مؤخراً، بهدف تحقيق التفاف شعبي يتجاوز الفصيل فقط.
واللافت أن الحركات الاحتجاجية في محافظة إدلب ازدادت مؤخراً ضد سلطة "تحرير الشام"، حيث تشهد مناطق واسعة من غرب حلب مثل السحارة والأتارب احتجاجاً ضد عمليات الاعتقال التي تنفذها الهيئة وتستهدف كوادر حزب التحرير، كما أن جهاز الأمن التابع للهيئة نفذ قبل عدة أسابيع عمليات اعتقال ضد شخصيات معارضة للنظام السوري محسوبين على محافظة حماة، الأمر الذي أدى لغضب في صفوف المكونات العسكرية المنحدرة من محافظة حماة التي تعمل ضمن مختلف الفصائل العسكرية.
النظام السوري مستفيد من إنهاء التهدئة
يعتبر النظام السوري من ضمن الجهات المستفيدة من إنهاء التهدئة، حيث يطالب خلال جولات أستانا واللقاءات التقنية على مستوى المسار الرباعي بإتاحة المجال أمامه لاستكمال عملية مكافحة "الإرهاب" في إدلب، واستعادة السيطرة على الأراضي السورية بالكامل.
وأكدت مصادر مطلعة على مباحثات المسار الرباعي لموقع تلفزيون سوريا، أن النظام السوري أبلغ أنقرة في آخر لقاء رفضه للمشروع الذي تتبناه تركيا ويتمثل بإقامة مناطق آمنة وإنشاء تجمعات سكنية شمال غربي سوريا بهدف تسهيل عودة مليون ونصف لاجئ، حيث يعتبره اعتداءً على سيادته.
وفي حال انهيار التهدئة في شمال غربي سوريا، سيكون متعذراً على أنقرة المضي قدماً في مشروعها من دون حاجة للتنسيق مع أطراف المسار الرباعي.
ورغم التصعيد على مدار الأيام الماضية، لكن المتوقع عودة التهدئة من جديد وفق ما أكدته مصادر من وفد المعارضة السورية إلى أستانا لموقع تلفزيون سوريا، إذ بدأ الجانب التركي خلال الساعات الأخيرة إجراء اتصالات مع روسيا من أجل عودة التهدئة إلى إدلب، لكن من المحتمل أن تطالب روسيا بضمانات حقيقية تحول دون تكرار الهجمات بالطائرات المسيرة لاحقاً، والتي تشكل تهديداً أمنياً للقواعد العسكرية الروسية المنتشرة في ريفي حماة واللاذقية.