أثارت حفلة "دي جي" موسيقية في العاصمة السورية دمشق، تساؤلات كثيرة عن غياب أي شعور بمأساة السوريين الذين غرقوا قبالة السواحل اليونانية، خلال رحلة لجوئهم إلى دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب بحث عن الكهرباء في العتمة التي يعيشها السوريون في مناطق سيطرة النظام السوري.
وأبدى سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، وآخرون التقى بهم موقع "تلفزيون سوريا" عن دهشتهم من تنظيم حفل من هذا النوع تزامناً مع مأساة سورية كبيرة، فقد المئات من السوريين أرواحهم.
وفوجئ آخرون من حجم الكهرباء الموجود في حفلة "كلوي دي جي"، وسط ساعات التقنين الطويلة التي يعيشون فيها مع دخول موسم الصيف وارتفاع درجات الحرارة وازدياد الاعتماد على الكهرباء في التبريد والتكييف.
ويبدو أن المنظمين لهذه الحفلات افتتحوا موسم الصيف بحفلة "دي جي" وليس بحفلات مطربين وفنانين كما في الصيف الفائت، ربما لعدم قدرة الناس على دفع التذاكر التي من المفترض أن تكون أعلى سعراً بالنسبة لأي مطرب قادم من خارج سوريا.
كم بلغت أسعار التذاكر؟
وتراوحت أسعار تذاكر الحفل الذي أقيم على أرض المعرض القديم بدمشق بين 200 ألف و500 ألف ليرة سورية، وهو بين ضعفين إلى خمسة أضعاف راتب الموظف الحكومي.
والـ "دي جي" هو منسق للموسيقا والأغاني (بالإنكليزية: DJ) وهو اختصار(Disc Jockey) التي تعني "فارس الأسطوانات"، ويُقصد به منسّق الأغاني المسجّلة.
يقوم منسق الموسيقا باختيار وتنسيق ومزج مجموعة أغانٍ مسجّلة ومقاطع موسيقية بحيث تكون بسرعة إيقاع ثابتة، مع إمكانية إجراء تحريفات وإضافة مؤثرات صوتية إليها، ويبثها للجمهور.
وهي حفلات كانت موجودة في سوريا في الديسكوهات ومحال السهر الليلية وبعض المطاعم، إلا أن انتشارها في بعض الأماكن العامة بات أمراً جديداً خلال السنوات الأخيرة.
تجاهل كامل لمأساة سوريين
جاء حفل "دي جي" في 16 حزيران الجاري، بعد يومين من حادثة غرق سفينة قبالة السواحل اليونانية في البحر الأبيض المتوسط تحمل 700 شخص معظمهم من السوريين.
وقالت وسائل إعلام يونانية إن عمليات البحث عن ناجين ومفقودين خلال الحادث قد توقفت يوم الأحد (18 حزيران)، بسبب تلاشي الآمال في العثور على ناجين جدد.
وكانت السلطات اليونانية قد قالت إنها أخرجت 104 ناجين، وانتشلت نحو 80 جثة.
ورغم أن اليونان قد أعلنت الحداد لثلاثة أيام على أرواح اللاجئين الغرقى، تجاهل النظام السوري الحادثة رغم وجود العشرات من السوريين بين الغرقى غالبيتهم من محافظة درعا جنوبي سوريا.
وبلغ عدد الجثث المنتشلة من البحر لسوريين، 70 جثة فقط، بينما بقي عشرات السوريين ممن كانوا على متن المركب في عداد المفقودين.
وغاب ذكر مأساة غرق المركب من قبل النظام السوري بشكل كامل، سواء على الإعلام الرسمي وشبه الرسمي أو من قبل وزارة الخارجية المعنية بمثل تلك الحالات، كما لم يصدر أي تصريح حولهم من قبل أي شخصية رسمية.
وبالطبع لم تقم أي جهة حكومية بإلغاء أو تأجيل أي احتفالات أو نشاطات مثل "حفل الـ دي جي"، احتراماً لأرواح أولئك السوريين، بحسب أحمد حريري.
وقال حريري الذي له صلة قرابة بأحد المفقودين على المركب، لموقع "تلفزيون سوريا" إن النظام السوري سبب في تهجير هؤلاء السوريين فكيف به أن يهتم لحالة غرقهم.
وأضاف أنه لم يسمع بحفل دي جي من قبل، إلا أنه شاهد مقاطع مصورة منه على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكداً "بصراحة أمر يثير للقرف والانزعاج من حالة الانفصام الذي وصلت له سوريا في ظل حكم النظام السوري".
بلاد تغرق في العتمة
كانت حادثة غرق اللاجئين العنوان العريض لبلاد تغرق في العتمة منذ سنوات، فمع أزمة الكهرباء التي تعيشها مناطق سيطرة النظام السوري، فتح الحفل جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض لإقامة حفلات من هذا النوع في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، إلى جانب التساؤل عن سبب وجود كهرباء في الحفل وسط ساعات طويلة من التقنين بدمشق وغيرها من المحافظات.
وقال علاء الذهبي، "من حق الناس تنظيم حفلات في سوريا، أو أي مكان في العالم، لكن المشكلة في سوريا أن هناك انفصام عن الواقع، غالبية الناس لا تجد ثمن طعام أو شراء أو دواء، وبدل أن تنظم حملات لإنقاذهم من براثن الجوع والفقر تنظم حفلات للرقص ونسيان أوجاعهم".
وأضاف علاء لموقع "تلفزيون سوريا" أن هناك عوالم موازية فعلاً في سوريا، حالة من التناقض الشديد، أشخاص يرقصون وآخرون يغرقون، أطفال فاقدة للطعام المغذي الجيد، ونخبة تأكل أفضل الأطعمة يومياً، شباب يبحثون عن أي طريقة لمغادرة البلاد لأنها لم تعد مؤهلة للعيش وآخرون يصرون على أسوأ نماذج العيش عبر الرقص على مآسي الآخرين".
وحملت التعليقات على مقطع فيديو لحفل الـ"دي جي" كثيرا من التساؤلات عن ما إذا كانت هذه الكهرباء التي أنارت الحفل لعدة ساعات هي نفسها التي تمد العاصمة السورية بالكهرباء أم هي خط خاص للنخبة".
من جانبه، كتب "همام" "سوريا بالإنكليزية"، قائلاً:"مو بسوريا تبعنا عم تمزحوا مو هيك". لتعيد "تُقى" السؤال من أين أتت كل تلك الكهرباء."دمشق ما غيرها؟".
أما علا فعلقت قائلة: "الصراحة المستوى يلي وصلنا له بيرفع الراس.. انقسام المجتمع لقسمين بشكل مخيف واضح وكتير".
من جهته، قال مجد في تعليقه: "هاي بسيريا مو بسوريا، بسوريا الواقع غير".
ورحب بعض المعلقين على الفيديو بالحفل، معتبرين أنه يدل على أن "الأمور بسوريا رجعت أحسن من قبل"، وأن "سوريا بخير"، داعين إلى إقامة حفلات مشابهة في محافظات أخرى كحلب.
وانتقد آخرون إقامة مثل هذه الأنشطة التي اعتبروها "تدل على انقسام المجتمع السوري إلى طبقتين فقط، متسائلاً أحدهم: "هلّأ نحنا وهنن عايشين بنفس البلد"!، بينما علّق غيره "هي دامسكوس ولا دمشق؟!"، وكتبت علا:"انقسام المجتمع لقسمين بشكل مخيف واضح وكتير".