مرّ عام 2020 مُثقلاً بالجراح العميقة على سكان المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري، في حلب والحسكة والرقة، إذ لم يمض شهر ولا حتى أسبوع من هذا العام منذ بدايته إلى آخر أيامه إلا شهد تفجير سيارة أو دراجة ملغمة أو عبوة لاصقة في الأسواق وأماكن وجود المدنيين وأماكن عسكرية أخرى، ليترك 2020 ذكرى مؤلمة محمّلة باتهامات للأجهزة الأمنية المسؤولة عن حماية تلك المناطق بالتقصير تارة، ولبعض عناصرها بالخيانة تارة أخرى.
كُتبت عشرات التقارير الصفحية حول الخلل الأمني بتلك المناطق، خاصة مع تصاعد وتيرة التفجيرات مطلع عام 2020، أي بعد بضعة أشهر على انتهاء عملية "نبع السلام" التركية في منطقتي رأس العين بريف الحسكة وتل أبيض بريف الرقة ضد "وحدات حماية الشعب" العمود الفقري لـ "قوات "سوريا الديمقراطية" (قسد)، إلا أن الجهات الأمنية ظلّت تحاول القول إنها تفعل أقصى طاقتها لوقف هذه التفجيرات.
اقرأ أيضاً: مناطق الجيش الوطني تملؤها الملغمات.. من يضبط بوصلة الأمن؟
قبضة أمنية مترهلة.. الاغتيالات تدخل على الخط
أظهر استطلاع أجراه موقع تلفزيون سوريا مع عدد من المتضررين من تلك التفجيرات، وجود فجوة أمنية واسعة جداً يصعب ردمها بإجراءات بسيطة من قبل الجهات المعنية، ومرد هذه النتيجة يعود لخيبة أمل السكان في الأجهزة الأمنية، حيث يشير الاستطلاع إلى أنه لم يعد بالإمكان حصر عدد التفجيرات التي ضربت (سلوك، عين عروس، تل أبيض، رأس العين، تل حلف، الباب، اعزاز، عفرين، جرابلس، الراعي، وغيرها) ولا حتى تقدير عدد القتلى والإصابات والخسائر المادية، إذ واصلت التفجيرات السير في مسار تصاعدي في تلك المناطق زارعة الموت والعاهات عند السكان ومخلفة أضراراً جسيمة في الممتلكات، والأهم من ذلك أنها خلقت حالة من القلق وارهاب الدائمين عند السكان.
صحيح أن الاستطلاع محدود، لكن نتيجته شاملة حول رأي قاطني تلك المناطق بدور الجهات المختصة التي من المفترض، وفق قولهم، أن تضبط إيقاع الأمن، إذ يؤكد الاستطلاع على ترهل أداء هذه الجهات وحمّلها مسؤولية الفلتان الأمني، بل أنه اتهم عناصر تعمل ضمن هذه الأجهزة بإدخال الملغمات إلى مناطقهم إما بعلم أو من دون علم من تلك العناصر.
اقرأ أيضاً.. ريف حلب.. القبض على خلية لـ"YPG" تزرع عبوات ناسفة
اتهام أورده العميد المنشق عن نظام الأسد، زاهر الساكت في تسجيل مصور نشره خلال كانون الأول 2020، قال فيه إن هناك عناصر تُحسب على الأجهزة الأمنية في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام" ذات النفوذ التركي، "قبضت أموالاً كي تدخل الملغمات".
ومع كل تفجير ضخم حصل خلال العام المنصرم كانت تنتشر أخبار عبر شبكات إخبارية محلية تتحدث عن وجود فاسدين ضمن صفوف القوى الأمنية المسؤولة عن حماية مداخل المدن، والتحقق من جميع الشاحنات التي تدخل إليها، وكان أبرز مثال على تلك الاتهامات هو الانفجار الكبير الذي جرى في كراج الانطلاق في مدينة الباب في تشرين الأول 2020، والذي راح ضحيته 19 مدنياً ونحو 100 جريح.
ووفق إحصائية فرق "الدفاع المدني" (الخوذ البيضاء) فإن التفجير طال عشرات المحال التجارية والأبنية السكنية، القريبة من كراج الانطلاق، مشيرة إلى أنه جاء نتيجة انفجار شاحنة ملغمة.
تطور التراجع الأمني في مناطق الجيش الوطني حتى وصل إلى حدوث عمليات اغتيال بحق شخصية عامة، كما جرى مع الناشط الإعلامي حسين خطاب، الذي قتل مطلع كانون الأول 2020 على يد مسلحين في مدينة الباب، وقد أعادت عملية اغتياله تسليط الضوء على القصور والخلل الذي تعاني منه مؤسسات الأمن في ريف حلب على وجه التحديد.
فقصة خطاب هي مثال حي، وفق مراقبين على عدم كفاءة تلك الأجهزة، إذ إنه تعرض لشهور سبقت اغتياله لتهديدات من شخصيات مسلحة معروفة للجميع، وكان قد كتب منشوراً مطولاً بأسماء هؤلاء وقال إنه قدم بهم شكوى في مخفر منطقة قباسين، إلا أن أحداً لم يتحرك ويحمي خطاب من قتلته.
وخطاب الذي ينحدر من مدينة السفيرة، كان يعمل كإعلامي مستقل في ريف حلب، وسبق أن نجا من محاولة اغتيال نفذها مجهولون بالقرب من قرية ترحين شرقي حلب.
وكتب خطاب، في منشور عبر صفحته بفيس بوك في الثالث والعشرين من أيلول الفائت، أن من وصفهم بالمجرمين ما زالوا في منازلهم بقرية ترحين، وهو ما اضطره لمغادرة المنطقة وترك منزله خوفاً على حياته، محمّلاً الشرطة المسؤولية في حال حصل له أي أذى، وكتب "إذا كانت الشرطة لا تستطيع دخول مخيم لإحضار مطلوبين بمحاولة قتل بشكل مباشر، فما الفائدة من وجودهم".
ما ينقص الجيش الوطني ليحكم السيطرة على الملف الأمني 2021؟
حاول موقع تلفزيون سوريا التواصل مع أكثر من ضابط أمني من الجيش الوطني في مناطق عفرين والباب ورأس العين وتل أبيض وغيرها، للحصول على إجابة للسؤال أعلاه، إلا أن أنهم فضّلوا عدم الحديث عن الملف الأمني، واكتفوا بدعوتنا إلى اعتماد ما يصدرونه من بيانات رسمية بهذا الشأن.
لكن مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني السوري، حسن الدغيم، أجاب على سؤالنا بشكل مستفيض، مؤكداً أن مهمة حفظ أمن مناطق سيطرة الجيش الوطني تتداخل بين عدة مؤسسات ما يخلق ثغرات أمنية تُمكّن من يريد خلق الفوضى التسلل منها.
وأشار الدغيم في بداية حديثه، إلى أن كثرة الملغمات في مناطق سيطرة الجيش الوطني مرتبطة بشكل مباشر بفلسلفة الأعداء (يقصد قسد أو تنظيم الدولة أو نظام الأسد)، مبيناً أن هؤلاء ليس لديهم أي مانع بحسب عقيدتهم القتالية في استخدام الملغمات في قتل المدنيين، واصفاً ذلك بـ "غاية الإجرام".
وشدد في الوقت نفسه، على أن الجيش الوطني لا يمتلك هذا الأسلوب في عقيدته، لأنه لا يسعى لإلحاق الأذى بالحواضر المدنية انتقاماً من العدو، وعليه فإن الجيش الوطني لا يقوم بإرسال ملغمات إلى منبج أو الرقة أو الحسكة، لأن هذ الأسلوب مُحرم حسب العقيدة القتالية عند الجيش الوطني، الذي يعتمد الرد وفق قواعد الاشتباك مع القوات المعادية فقط، ولايتم استهداف المدنيين في ظل الظروف والحروب، وفق الدغيم.
الأمر الثاني الذي أشار له الدغيم هو، أن القوى الأمنية في الجيش الوطني لن تصل بعد إلى الهيكلة الاحترافية، لافتاً إلى أنه حتى تصل قوى الأمن إلى الاحترافية عليها أن تتبع إلى مجلس أمن قومي مركزي.
وشرح هذه النقطة بالقول "إذا كان هناك أمن سياسي وأمن عسكري ومكافحة إرهاب ومخدرات، فإن روؤساء هذه الأجهزة يجب أن ترتبط بمجلس أمن قومي يكون تابع مثلاً لرئيس الحكومة أو القائد السياسي أو على الأقل لوزير لدفاع، لكن هذا لم تصل إليه الثورة السورية بعد".
وزاد الدغيم، أنه يجب أن تكون الأجهزة الأمنية ذات رؤيا استراتيجية شاملة في المناطق المحررة، وأن لا يبقى الأمر عبارة عن مكاتب أمنية أو أجهزة أمنية تتبع للفصائل العسكرية، وإذا تحقق ذلك، فإنه ستصبح عمليات الاستطلاع وتفكيك الملغمات والشبكات الجاسوسية، أمراً سهلاً.
ثغرات يستغلها من يريد خلق الفوضى بمناطق الجيش الوطني
يرى الدغيم أن هناك ثغرات يستغلها العدو ويستطيع الدخول عن طريقها لخلق الفوضى، تتمثل بعدم انتظام العقد الإداري بين الأجهزة الأمنية، إضافة إلى الهشاشة في مقاومة عمليات التفخيخ التي تقوم بها تنظيم "الدولة" أو قسد أو نظام الأسد، وذلم مردّه إلى ضعف الكوادر الأمنية.
وفي هذا السياق، قال إن غالب الذين ينتسبون إلى الأجهزة الأمنية في الفصائل العسكرية الثورية التابعة للجيش الوطني السوري، هم الثوار وهؤلاء من شرائح المجتمع المختلفة وهؤلاء ليست لديهم خبرات أمنية مسبقة، ولم يكونوا بغالبهم من الضباط في الحربية أو قاموا بدراسات أمنية، وفق الدغيم.
وميّز الدغيم بين أصناف الملغمات التي تضرب مناطق سيطرة الجيش الوطني، قائلاً إن ملغمات تنظيم "الدولة" مختلفة عن ملغمات "قسد"، فعنصر التنظيم يأتي وهو لا يخشى الموت إذ يقود الملغمة وفي اعتقاده أن كل الذين سيقتلهم كفار ويستحقون الموت، ومقاومة هكذا نوع من التفجيرات يصعب جداً على أي جهاز أمني سواء كان احترافيا في الدول المتقدمة أو بسيطا مثل أجهزة الأمن في الجيش الوطني، معتبراً أن مقاومة هذا النوع يكون عن طريق المسار الفكري، بمناهضة الغلو والتطرف وسياسي وامني عبر رفع سوية الأجهزة الأمنية التي تتعقب هكذا تفجيرات، عن طريق الاختراق وزرع العملاء في قلب العدو والعلم بالعمليات التفجيرية قبل وقوعها.
أما التفجيرات التي تعود لـ "قسد"، فالمفجر ليس بالضرورة أن تكون لديه عقيدة تجعله يهدر نفسه، وزاد الدغيم، هذه الملغمات عادة ما تدخل عن طريق أشخاص فاسدين ومتربحين من الجيش الوطني عن طريق رشوتهم بالمال من أجل إدخال مواد مهربة مثلاً عربات دواجن أو ماشابه، لكن غالباً لايكون هذا العنصر عنده العلم بوجود متفجرات، وفق تقديره.
ورداً على اتهام العميد زاهر الساكت لعناصر من الجيش الوطني بالخيانة وبالعمل بالدعارة، قال الدغيم، إن "كلام الساكت ليس بهذا المفهوم الشائع الذي تشيعه الأبواق والقنوات الإعلامية بأن كل الجيش الوطني خونة ومرتزقة ولصوص ومتاجرين بالمخدرات ويبنون بيوت الدعارة هذا كله كذب وافتراء".
ويعتبر الدغيم أن الواقع على الأرض هو عكس ذلك، مشيراً إلى وجود "مؤسسات للعدالة ومؤسسات للأمن والانضباط العسكري"، وأن هناك تعاونا وتنسيقا بينهم، وقال إنهم في إدارة التوجيه يلحظون ذلك في الاجتماعات العديدة بين قيادة الشرطة العسكرية والفصائل العسكرية لجهة ضبط الملغمات وتفجيرها، وختم بالقول "للأسف الإعلام يسلط الضوء على السيارات التي تنفجر بين المدنيين ولا يسلط الضوء على عشرات عمليات تفكيك السيارات والعبوات الملغمة التي تقوم الأجهزة الأمنية بتفكيكها"..