يتهمه منتقدوه بالاستعراضية والمحاباة منذ أن كان مقدماً للبرامج التلفزيونية لاهتمامه بمراضاة ضيوفه، ويخشى اليمين المتطرف من أن تضيّع مواقفه القريبة من اليسار إرث اليمين الفاشي، في حين يقول المستبشرون به خيراً إنه رجل ذكي ومسؤول ويحب البلاد.
في أقل من عشر سنوات قفز يائير لابيد من استديوهات التلفزيون إلى كرسي الحكم في قصر بلفور، مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس الغربية، من دون أن يحمل شهادة جامعية أو منصب رفيع في الجيش الإسرائيلي.
يتسلم يائير لابيد، بعد منتصف ليل اليوم، الخميس 30 حزيران/يونيو 2022، منصبه الجديد كرئيس للوزراء، في حكومة تسيير الأعمال، بعد ساعات من حل الكنيست الـ 24، في أعقاب فشل الحكومة في تمرير تمديد قانون "عنصري" يشرعن احتلال المستوطنين للضفة الغربية.
أول خطوة قام بها لابيد قبيل ساعات من تسلمه منصبه الجديد، زيارة النصب التذكاري"ياد فاشيم"، الخاص بضحايا "المحرقة اليهودية".
شخصية رمادية
بين السطحية والبراغماتية وقدرته على الهروب من المشكلات نحو المساحات المشتركة (تصالحي)، الأمر الذي يجعله في خانة رمادية لا مشجعين أشداء ولا أعداء متربصين.
من دون خبرة سياسية سابقة، أضحى لابيد رئيس الوزراء الإسرائيلي، الرابع عشر.
ينتمي هو وسلفه وشريكه في الحكم نفتالي بينيت (يمين متطرف) إلى فئة الشباب وطبقة الأغنياء، الذين صعدوا إلى حكم إسرائيل، من سكان ضواحي تل أبيب الفارهة.
تقدر ثروته بـ 25 مليون شيكل (8 ملايين دولار أميركي)، يعيش في "رامات أفيف" إحدى ضواحي الحزام الأخضر شمالي غربي تل أبيب.
رجل وسيم ومليونير وملاكم هاوٍ يعرف كيف يخاطب الجمهور كان مقدم برامج، وبدأ مشوار الصحفي في كتابة عمود لصحيفة "المعكسر" الصهيونية، وفي فترة من حياته كان ممثلاً سينمائياً.
في 2008 كانت اللحظة التي قرر فيها تغيير مساره من الإعلام إلى السياسة، حيث انتقل من تقديم البرامج الترفيهية والساخرة إلى تغطية الأحداث الجارية والجادة، قال يومها ساخراً "أنا يائير لابيد ولدي ربطة عنق أيضاً".
حياته العائلية
لابيد (58 عاماً)، أب لثلاثة أولاد، أحدهم مصاب بمتلازمة اضطراب طيف التوحد، من أسرة ثرية تمتهن الصحافة والكتابة.
دخل معترك السياسة قبل عقد من الزمن، كان صحفياً وكاتباً ومقدم برامج تلفزيونية مشهوراً في إسرائيل.
والده تومي لابيد صحفي وسياسي بارز، كان وزيراً سابقاً للقضاء، ووالدته شلوميت لابيد أديبة وكاتبة.
زوجته ليهي لابيد (58 عاماً)، أديبة مهتمة بقضايا المرأة والأدب اليهودي، أهم كتبها "نساء شجاعات".
حياته السياسية
في 2012 أسس حزب "يش عاتيد" (هناك مستقبل)، ينتمي إلى يسار الوسط، ويقف على طرف النقيض من الأحزاب اليمينية.
سطع نجم حزبه الجديد سريعاً في الساحة السياسية وبات الحزب الثاني في إسرائيل بعد الليكود، وكانت المفاجئة أن حقق حزبه الطري 19 مقعداً في انتخابات 2013.
لكنه كان وزيراً فاشلاً للمالية، أهم الوزارات السيادية في إسرائيل في حكومة نتنياهو بعد 2013.
في 2019 خفت نجم حزبه فانضم إلى جبهة مناهضة لتفرد نتنياهو بالحكم عبر التحالف مع أحزاب يسار الوسط.
بعد أربع جولات انتخابية خلال أقل من عامين 2019 و2020، نجح لابيد من حيث فشل نتنياهو في تحقيق استقرار حكومي.
في حزيران/يونيو 2021، بعدما استنفد نتنياهو كل الفرص في تشكيل حكومة، تم تكليف لابيد بالمهمة، والذي بدوره عقد اتفاقاً مع نفتالي بينيت، لتشكيل حكومة "هجينة"، يصفها مراقبون بأنها كانت "مستحيلة"، يتناوب هو والأخير على رئاستها بموجب "وثيقة الائتلاف الحكومي".
ونصت الوثيقة على أن يكون بينيت الأول الذي يترأس الحكومة حتى سبتمبر/أيلول 2023، ثم يخلفه "لابيد" حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2025، لكن الأمور لم تجر كما هو مخطط.
بالفعل، أبصرت الحكومة الإسرائيلية الحالية النور، في 13 من حزيران/يونيو 2021، بعدما أطاح ائتلاف هجين بأغلبية ضئيلة (61 صوتاً من أصل 120) من الأحزاب الإسرائيلية المتباينة في الرؤى والأجندات، بحكومات نتنياهو السابقة والمديدة.
تقلد لابيد منصب وزير الخارجية، إضافة لكونه رئيس الوزارء البديل، في حكومة صنعها بنفسه، كان الهدف إبعاد نتنياهو عن الحكم.
زعيم يسار الوسط
يتفاخر لابيد، بأنه أعاد الزخم إلى الدبلوماسية الإسرائيلية وتعزيز العلاقات الدولية لبلاده مع الإدارة الأميركية الديمقراطية، ومع روسيا أيضاً.
ينسب لابيد الفضل لنفسه في عقد "قمة النقب" في إسرائيل، التي شاركت فيها مصر والإمارات والبحرين والمغرب.
في العام الماضي، أصبح لابيد زعيم يسار الوسط بلا منازع، وعلى الرغم من أن حزبه لا يزال في صدارة الأحزاب (ما بين 15 إلى 20 مقعدا في الكنيست) إلا أنه فشل في تمرير قانون يمنع نتنياهو للترشح في الانتخابات المقبلة.
يسار الوسط يعني المركزية الصهيونية التي تفرض الاحتلال على الفلسطينيين وتكرس دولة "الفصل العنصري" تجاههم، مع ذلك يعتبر لابيد من المنادين بمبدأ "حل الدولتين".
اليوم الخميس، وافق الكنيست، بعد التصديق النهائي على حل نفسه، على تخصيص الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، موعدا للانتخابات المبكرة، لانتخاب أعضاء الكنيست الـ 25.
تبقى هناك أربعة أشهر أمام لابيد في قصر بلفور ليثبت جدارته ويعزز مكانته السياسية للفوز في الانتخابات المقبلة.