سلّط موقع تلفزيون سوريا في تقرير سابق الضوء على آفة انتشار المخدرات في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، وكشف عن مصادر المواد المخدرة وطرق تهريبها، والجهود الأمنية لمكافحتها وإلقاء القبض على مروجيها، كما استعرض أنواع المخدرات والنصائح الطبية للتخلص منها، وطرق العلاج.
يتوسع موقع تلفزيون سوريا في تقريره الثاني عن الملف، في الحديث عن طرق إدخال المواد المخدرة إلى مناطق سيطرة المعارضة، بعد أن توصلنا لمعلومات أمنية جديدة وأسرار كشفها تجار مخدرات ألقي القبض عليهم قبل أيام من قِبل الجيش الوطني السوري.
السلاح مقابل المخدرات
قالت مصادر أمنية مطلعة على تفاصيل الحملات الأمنية واعترافات التجار المقبوض عليهم، إن انتشار المخدرات في شمال غربي سوريا لم يعد محصوراً في عملية التعاطي والترويج المحدودة من حيث النطاق الجغرافي والكميات والأصناف، بل باتت المنطقة محطة أساسية لاستيراد المخدرات من النظام و"حزب الله" اللبناني.
وأفادت المصادر لموقع تلفزيون سوريا، بأن النظام وحزب الله، والفرقة الرابعة التابعة للنظام بقيادة ماهر الأسد، باتت تجد صعوبات في تصدير المخدرات إلى منطقة الخليج والدول الغربية بسبب الرقابة المشددة على البضائع القادمة من مناطق النظام، وأدى ذلك إلى مصادرة قوات الأمن في عدة دول كميات كبيرة من المخدرات، لذلك لجأت هذه الجهات لإدخال المواد إلى الشمال السوري بطرق متعددة.
ولم يعد استيراد المخدرات إلى المنطقة بغرض التعاطي والترويج فقط، بل تعدى ذلك إلى إعادة تصديرها إلى دول عدة عبر شبكة منتشرة في كل من سوريا وتركيا.
وتؤكد المصادر أن المسؤولين عن تجارة المخدرات في النظام و"حزب الله" والفرقة الرابعة، باتوا يرفضون تصدير المخدرات إلى المنطقة مقابل المال، ويشترطون أن تكون الأسلحة مقابل المخدرات.
وحذرت القوى الأمنية من هذه الطريقة بالتحديد، لأنها ستؤدي لاحقاً إلى تفريغ المنطقة من الأسلحة والمعدات العسكرية المخصصة لحماية السكان من النظام و"التنظيمات الإرهابية"، وهدم المجتمع في "المناطق المحررة" واستعمال هذه المناطق إضافة للأراضي التركية لتمرير المخدرات إلى دول مختلفة.
كيف يتم تبديل المواد بالسلاح؟
أكدت المصادر أن تجار مخدرات في الشمال السوري ينسقون مع التجار العاملين في النظام و"حزب الله" لشراء المواد، وإذا تم شراء مواد بقيمة مليون دولار، فيجب على التجار تأمين أسلحة بنفس القيمة، وتقديمها للجهة البائعة بدل المخدرات.
وتتم عمليات شراء الأسلحة من فصائل عسكرية أو تجار سلاح يعملون في المنطقة، وبحسب المصادر، إن الهدف من الأمر إفراغ الشمال السوري من الأسلحة، خاصة أن أسعارها ارتفعت بشكل ملحوظ، حيث إن القطعة التي كانت تباع بـ700 دولار، أصبح ثمنها الآن 2500 دولار.
وتدخل الشاحنات المحملة بالمخدرات إلى ريف حلب عبر طرق التهريب، أو المعابر التجارية، من خلال استغلال ضعف الرقابة، والعلاقات التي يبنيها التجار مع بعض التشكيلات العسكرية المسؤولة عن نقاط قرب خطوط التماس، ويتم إرسال السلاح في الشاحنات ذاتها بعد إفراغها من المواد.
وفي 7 شباط 2021 أعلنت قوى الأمن في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، عن ضبط شاحنة محملة بقاذفات صواريخ ومضادات للدبابات وذخائر متنوعة في طريقها إلى مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية".
وبعد ذلك أعلنت قوات الشرطة العسكرية إلقاء القبض على "خلية إرهابية" تتبع لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، تقوم بتهريب الأسلحة والصورايخ إلى مناطق سيطرة "قسد".
وأواخر العام الماضي ضبطت الشرطة العسكرية في مدينة اعزاز صهريجاً يحتوي على أسلحة، وكان قادماً من إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، باتجاه مدينة منبج شرقي حلب.
اعترافات
اعترف أحد الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم بتهمة تعاطي وترويج المخدرات، بأنه بدأ بالتعاطى منذ ثلاث سنوات بعد أن قُطعت قدمه.
وأشار إلى أنه يتعاطى المخدرات برفقة عدة أشخاص، منهم يعملون ضمن فصائل عسكرية أحدهم تاجر مخدرات في عفرين، مؤكداً أنه اشترى منه مواد مخدرة لأكثر من مرة.
وأقر شخص آخر بأنه اشترى الحشيش لأكثر من 15 مرة من أحد التجار، حيث يشتري الـ 25 غراماً من الحشيش بسعر 135 ليرة تركية.
ويقول موقوف آخر إنه تعرف إلى شخص يتاجر بمختلف أنواع المخدرات، مضيفاً أن علاقته تطورت بالتاجر، ما دفعه للعمل ببيع المواد المخدرة للشباب المدمنين، إذ يبيع حبة الكبتاغون بـ 15 ليرة تركية، وغرام "الأتش بوظ" بـ 300 ليرة، و25 غراما من الحشيش بـ 150 ليرة.
ولفت إلى أن تواصله كان دائماً مع التاجر، ويطلب منه ما يلزم من المواد المخدرة هاتفياً لبيعها، وهو بدوره يجلبها على دراجته النارية، ويكون الدفع مباشرة أو يتم التأجيل إلى ما بعد بيع المواد.
وكان التاجر يسلّم المواد للمقبوض عليه وفق أسعار مختلفة، فسعر غرام (الأتش بوظ) 225 ليرة تركية، وكف الحشيش (200 غرام) بـ 85 ليرة، وحبة الكبتاغون بـ 3 ليرات، ليبيع الحبة لاحقاً بـ 7 ليرات.
ارتباطات واسعة وتهديدات محتملة
أكدت المصادر الأمنية، أن اعترافات تجار المخدرات أظهرت ارتباطهم بشبكات واسعة لتجارة المواد من لبنان، وجهات نافذة في نظام الأسد، كما أكدت اعترافات بعضهم أن عدداً من المسؤولين عن إدارة هذه الشبكات موجودون في الأراضي التركية.
وأشارت اعترافات أحد تجار المخدرات الذين تم توقيفهم في الحملة الأمنية الأخيرة شمالي حلب إلى أن المسؤول عن إدارة عملهم يقيم في إسطنبول ويملك شركة سيارات، وأنهم يقدمون السلاح مقابل المخدرات التي تأتي إلى المنطقة من خلال التعاون مع الفرقة الرابعة التابعة لجيش النظام و"حزب الله".
وتحدثت المصادر عن تهديدات محتملة بسبب المخدرات، منها ارتفاع معدلات العمليات الإرهابية والجريمة في المنطقة بشكل كبير وتفشي الدعارة والجاسوسية، حيث إن متعاطي المخدرات يواجهون صعوبة كبيرة في تأمين ثمن المخدر، وهو ما يدفع المدمنين إلى الجريمة لتأمين المال.
وأضافت: "نظراً لاشتراط تنظيم حزب الله والنظام تلقي الأسلحة مقابل المخدرات التي يتم تصديرها إلى المنطقة، فإن ذلك يترتب عليه إفراغ المنطقة من الأسلحة في الوقت الذي توقف فيه دعم المعارضة بالأسلحة منذ ثلاثة أعوام تقريباً، وهو ما سيضعف إمكانية الدفاع عن المنطقة في مواجهة أي تهديد من التنظيمات الإرهابية أو النظام وحلفائه".
وتحذر المصادر من تدمير المجتمع السوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وإعدام كل فرصة لنهضة هذا المجتمع بما يؤهله للقيام بدوره في سوريا المستقبل، وإفشال الجهود السورية التركية المشتركة الرامية إلى جعل المنطقة نموذجاً إيجابياً عن سوريا المستقبل، وتعزيز فرص انتشار الفساد الإداري وغياب تطبيق القانون.
عوائق
تتمثل عوائق مكافحة المخدرات، بتورط أشخاص نافذين من الفصائل العسكرية ومن السوريين العاملين في الأجهزة التركية في المنطقة في تجارة المخدرات أو ارتباطهم بعلاقات نفعية مع تجار المخدرات.
كما أن انتشار معابر التهريب بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة، يشكل عائقاً أيضاً، لكون هذه المعابر تديرها الفصائل العسكرية وتستند إليها كمصدر أساسي للتمويل، وتغيب عنها الآليات المجدية للتفتيش والتدقيق مما يسهل مهمة مهربي المخدرات.
ويضاف إلى ذلك "الترهل والفساد في مؤسسات الشرطة العسكرية والقضاء العسكري، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك إخلاء سبيل عدد من تجار المخدرات بمجرد تحويلهم من الجهاز الأمني إلى القضاء العسكري، وعدم تطبيق القانون السوري لمكافحة المخدرات والذي يفرض عقوبات شديدة على جرائم زراعة وتهريب المخدرات، الأمر الذي يعيق تحقيق مبدأ الردع العام".
توصيات لمكافحة المخدرات
تحدثت الجهات الأمنية عن عدة توصيات لمكافحة انتشار المخدرات في مناطق سيطرة المعارضة السورية، وهي:
- تبني مستويات عليا في الحكومة التركية مسألة مكافحة المخدرات في شمال غربي سوريا بما يمنع المتنفذين من حماية تجار المخدرات وتسهيل إفلاتهم من العقاب.
- دعم الجهد الأمني الموحد ضد المخدرات ودعم بناء الإدارة الموحدة للمنطقة.
- إفساح المجال أمام مؤسسة القضاء العسكري لتطبيق القانون السوري لمكافحة المخدرات والعقوبات التي نص عليها وفي مقدمتها عقوبة الإعدام.
- ضرب المسؤولين عن إدارة عمليات تهريب وتجارة المخدرات المقيمين في تركيا.
- تكثيف العمل الدعوي والإعلامي ضد ظاهرة المخدرات وتفشيها، والعمل على توفير بنية تحتية لمركز علاج خاص بمعالجة الإدمان.