لا ينبغي لك أن تكون نبياً حتى تتنبأ بأن السنة المقبلة ستكون صعبة على كل دول العالم، لكنها لن تكون على الأرجح شديدة الوطأة كما كان عام 2020، ومع ذلك لابد أن تنطوي على الكثير من التحديات. إذ يحاول الخبراء أن يبز بعضهم البعض عبر تقديم قوائم تشتمل على المخاطر والتحديات الكثيرة التي ستواجهها الإنسانية جمعاء وكذلك كل دولة على حدة. ولا تستثنى روسيا من ذلك، بيد أنه لم يعد هنالك أي مجال لوصف روسيا بأنها الدولة التي تعتبر "جزيرة الاستقرار" في "بحر التغيير المتلاطم"، لأن هذه الفكرة باتت قديمة. غير أن التحديات والمخاطر لن تجافي موسكو، بل ستحتاج إلى استجابات ملائمة من قبل القيادة الروسية.
ومن الطبيعي أن تبحث السلطات بين ثنايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية في الداخل عن إجابات لتلك التساؤلات، حتى لو لم تكن هنالك أي رغبة للقيام بذلك. إلا أن السياسة الخارجية سيكون لها نصيبها من المحن والابتلاءات هي أيضاً.
فلنحاول إذن أن نصوغ أهم مهام السياسة الخارجية الروسية مسبقاً، وأعني بذلك تلك المهام التي في حال عولجت بشكل مناسب، لابد أن تثمر عن نجاح السياسة الخارجية لروسيا خلال السنة المقبلة. وعبر القيام بذلك، فإننا نحاول أن نضع أسساً واقعية راسخة، لا أن نحدد أهدافاً غير واقعية للسياسة الخارجية الروسية (أي عملية إعادة ضبط جديدة للعلاقات مع الغرب، وحل القضية الإقليمية مع اليابان، أو كسب انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي).
وهنا على القارئ أن يلاحظ بأننا نتحدث عن السياسة الخارجية بالمجمل، وليس فقط الدبلوماسية، ما يعني بأن وزارة الشؤون الخارجية لا ينبغي لها أن تضطلع بمسؤولية واحدة تجاه كل ما سندرجه أدناه. أما وزارة الدفاع، ووزارة التنمية الاقتصادية، ووزارة المالية، ووزارة الصناعة والتجارة، ناهيك عن المكتب التنفيذي لرئيس روسيا، فعليها أن تقدم شيئاً في هذا السياق. وبعض تلك المهام تدور حول إشراك القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ومجمع الخبراء، أي بمعنى أصح، سنحاول أن نصوغ العديد من الأولويات القومية، التي لا تعتمد على وكالة أو مؤسسة معينة.
- تمديد معاهدة نيو ستارت/بداية جديدة: إذ من دون هذه الاتفاقية، لابد لهيمنة الأسلحة الاستراتيجية الأميركية الروسية أن تنهار. وقد سبق للرئيس المنتخب جو بايدن أن ذكر بأنه على استعداد لتمديد هذه الاتفاقية دون إضافة بنود جديدة إليها (غير أن مدة التمديد لم تتضح بعد)، إلا أنه لم يعد أمامنا وقت طويل حتى نقوم بذلك، وذلك لأن هذه المعاهدة ستنتهي مدتها في مطلع شهر شباط، وينبغي على الأطراف فيها أن يوافقوا على تمديدها في غضون أسبوعين من وصول الإدارة الديمقراطية إلى السلطة.
- وقف نشر الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا: بالرغم من أنه لم يعد بالإمكان إحياء معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، إلا أنه من الواقعية أن تسعى روسيا والغرب للالتزام ببنودها وشروطها بحكم الأمر الواقع، ولابد من مراعاة استعداد موسكو لتوسيع هذه الاتفاقية لتشمل نظم 9М729 الروسية التي أثارت الكثير من الخلافات، شريطة أن يراعي الغرب مخاوف روسيا تجاه نظم Aegis Ashore ونظم الإطلاق العمودي الخاصة بها والتي تعرف باسم Mark 14 والتي تم نشرها في القواعد الأميركية وقواعد حلف شمال الأطلسي العسكرية في أوروبا.
- قمة P5: بالعودة إلى مطلع عام 2020، اقترحت روسيا في ذلك الحين على الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي عقد اجتماع، ولكن ولعدة أسباب لم تنعقد تلك القمة، غير أن الاقتراح مايزال قائماً وبشدة. وقد تشمل النقاشات في تلك القمة المبادئ الجديدة للاستقرار الاستراتيجي، بالإضافة إلى النزاعات الإقليمية التي تستدعي تدخل مجلس الأمن. وفي حال التوصل إلى نتيجة مرضية يمكن لذلك أن يزيد من زخم الجهود التي ستبذل لتحسين الحوكمة على المستوى العالمي.
- إحياء البعد العسكري لنشاطات مجلس حلف شمال الأطلسي وروسيا: في نيسان من عام 2014، علق حلف شمال الأطلسي تعاونه العسكري مع روسيا، ويتضمن ذلك تجميد الحوار بين الجيوش في هذا المجلس. إلا أن الكثير ممن انتقدوا هذا القرار أشاروا إلى أن عملية تعليق التعاون لا تعني بالضرورة قطع التواصل معها بشكل كامل. وتبين بأن شروط إعادة الإطلاق التدريجي لعمليات التواصل بين الجيوش لدى كلا الطرفين عبر هذا المجلس قد ظهرت في الغرب، ولابد وأن يسهم ذلك وبشكل كبير في نشر الأمن بأوروبا.
- مشاركة روسيا في تنفيذ الاتفاقية الخضراء التي أبرمها الاتحاد الأوروبي: يمكن أن نشهد خلال العام المقبل تقدماً في وضع التعاون بين موسكو بروكسل في سلسلة واسعة من القضايا التي تتصل بالتغير المناخي وحماية البيئة. وفي معظم الحالات، لن تشمل العقوبات الأوروبية المفروضة حالياً على موسكو المشاريع المشتركة في مجال الحفاظ على الطاقة، وتطوير بدائل لمصادر الطاقة وإعادة تدوير النفايات، بل إن المشاريع التي تبرم ضمن الاتفاقية الخضراء ستتحول إلى حوافز جديدة أمام التفاعل بين روسيا وأوروبا.
- الانتقال السياسي في بيلاروسيا: أي تغيير في النظام السياسي القائم في بيلاروسيا هو شأن يخص الشعب البيلاروسي بكل تأكيد. إلا أن موقف روسيا قد يبطئ أو يسرع التغيير السياسي الذي تأخر طويلاً. ومن مصلحة موسكو أن تشجع باستمرار على حدوث تغيير منضبط حتى يصبح عام 2021 عاماً فاصلاً في مجال تطور دولة بيلاروسيا. كما أن مواصلة دعم الوضع الراهن يعتبر عملية محفوفة بمخاطر سياسية جسيمة بالنسبة لروسيا.
- وقف التصعيد في الدونباس: للأسف لم يتم تحقيق سوى شيء من التقدم في تسوية النزاع القائم في شرق أوكرانيا خلال عام 2020. ويشكك كثيرون بتغير الأوضاع خلال السنة المقبلة، ولهذا من الضروري جداً المحافظة على ما تم تحقيقه حتى الآن، أي استقرار خط التواصل بين قوى جمهورية لوهانسك الشعبية والجيش الأوكراني، مع الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، واستمرار عمليات تبادل أسرى الحرب والمعتقلين.
- منع وقوع صدامات مسلحة جديدة في ناغورني - قرة باغ: قد تستحق روسيا الثناء لوقفها للأعمال العدائية العسكرية في ناغورني-قرة باخ في تشرين الثاني 2020. إلا أن احتمالات قيام نزاع في تلك المنطقة ماتزال قائمة، إذ لم يتم تحديد وضع ناغورني - قرة باغ، وقد يعرب الأطراف في ذلك النزاع عن عدم رضاهم واستيائهم من موسكو. ولهذا يجب اتخاذ أولى الخطوات نحو تسوية سياسية للنزاع في عام 2021، ويجب أن تترأس روسيا تلك العملية وأن تلعب دور الميسر الخارجي.
- توسيع جدول أعمال مجلس القطب الشمالي: في ربيع عام 2021، ستتسلم روسيا رئاسة مجلس القطب الشمالي لمدة سنتين، وهذه فرصة مناسبة لمنع تلك المنظمة من الانجرار نحو مواجهة سياسية عالمية بين الشرق والغرب، وتوسيع جدول أعمال هذا المجلس فيما يتصل بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية لمنطقة القطب الشمالي ونوعية حياة الناس الذين يعيشون هناك.
- استكمال مشروع نورد ستريم 2: إن تنفيذ مشروع الغاز هذا الذي تأخر خلال عام 2021 يعني تحقيق انتصار سياسي خارجي كبير بالنسبة لروسيا مع إظهار قدرة الاتحاد الأوروبي على الوقوف في وجه التلويح بفرض عقوبات أميركية بشكل ناجح. ويمكن لذلك أن يخلق فرصاً جديدة لتطوير التعاون الاقتصادي بين روسيا والاتحاد الأوروبي.
- الحفاظ على أوبيك + الآلية: بدعم من دونالد ترامب، ساعدت منظمة أوبيك + الآلية الأسواق الدولية في التغلب على انهيار أسعار النفط على مستوى العالم في ربيع عام 2020. ولهذا يتعبر استمرار التعاون بين روسيا والسعودية خلال العام المقبل أمراً ضرورياً للحفاظ على استقرار نسبي في سوق النفط عند حوالي 50 دولار أميركي للبرميل، وهذا السعر هو الأنسب بالنسبة لقطاع الطاقة الروسي.
- تنوع التعاون الاقتصادي مع الصين: في عام 2020 نجحت روسيا في النأي بنفسها عن الهبوط الحاد في تجارتها مع الصين، إلا أن الهيكلية التجارية ماتزال قديمة ومهلهلة وبحاجة للمزيد من التنوع. ولهذا يجب أن يشتمل عام 2021 على هدف مهم وهو إنشاء سلاسل تقنية جديدة وتنفيذ مشروعات استثمارية كبرى.
- إطلاق إصلاحات اقتصادية وسياسية في سوريا: من المقرر إجراء انتخابات رئاسية في سوريا في عام 2021، وهذه الانتخابات سترسم صورة التنمية في هذه الدولة على مدار السنوات السبع الماضية. وبعد الانتخابات، ستتاح لروسيا الفرصة لتؤثر بشكل أكثر فاعلية على دمشق بالنسبة لتحسين فعالية الاقتصاد السوري، وتشكيل نظام سياسي قائم على مشاركة أكبر، مع تكثيف نشاطات اللجنة الدستورية السورية، وغير ذلك.
- تجنب وقوع أزمة بالنسبة للعلاقات الروسية-التركية: تبقى أنقرة شريكاً مهماً لموسكو، إلا أن مواقف كلا الطرفين قد تباعدت بشكل كبير بالنسبة للكثير من القضايا المهمة، من بينها سوريا وليبيا وشرق المتوسط وناغورني-قرة باخ، والقرم وغيرها. والنجاح في هذا المجال بالنسبة لموسكو يعتمد على منع التصعيد بالنسبة للعلاقات مع تركيا، مع تجنب تقديم تنازلات كبيرة للقيادة التركية في الوقت ذاته.
من الواضح أن هذه القائمة لا تشتمل على المهام التي تتصل بوجود غيوم سوداء تلوح في سماء السياسة الخارجية الروسية، ويشمل ذلك التغيرات غير المتوقعة في الأوضاع الدولية التي يجب على موسكو أن تستجيب لها بشكل أو بآخر. ومن الواضح أيضاً أنه لا يمكن تنفيذ جميع الأمور التي وردت في هذه القائمة، بل إن القائمة بحد ذاتها قد يعتبرها البعض غير موضوعية وناقصة. ومع ذلك سنفترض أنه في حال تحقيق نصف هذه المهام على الأقل، عندها يمكننا أن نعتبر بأن الأشهر الـ12 القادمة ستشهد نجاحات بالنسبة للسياسة الخارجية الروسية.
المصدر: المجلس الروسي للشؤون الدولية