بعد عشر سنوات من "الحرب الأهلية" الدموية، بدأت عملية إعادة ترميم جيش النظام السوري، الذي لا يزال يخوض معارك ضد جيوب المعارضة في جميع أنحاء البلاد. وتتنافس كل من روسيا وإيران على إعادة بناء قوته العسكرية، ومن المرجح أن يبقى هذا جيش معتمداً على الروس والإيرانيين خلال السنوات المقبلة. وهذا الأمر له تأثير مباشر على إسرائيل، لذلك كيف يجب عليها أن تتعامل مع إعادة ترميم الجيش في سوريا؟
كشفت عشر سنوات من الاقتتال في سوريا أن التهديد الرئيسي لبقاء نظام الأسد يعود إلى عوامل داخلية، وليس المواجهة مع إسرائيل، ووفقاً لهذه الرؤية تتم إعادة بناء جيش النظام السوري كجيش مشاة ميكانيكي يمتلك القدرة على التحرك ونقل الجنود بسرعة إلى مناطق مختلفة في جميع أنحاء البلاد. وفي الوقت نفسه، باتت هناك ضرورة عملياتية لتعزيز قدرات الدفاع الجوي للتصدي للضربات الجوية، وخاصة الغارات التي تشنها إسرائيل.
وفي المقابل هناك أسباب تعيق جهود إعادة بناء الجيش، تتمثل في الأزمة الاقتصادية الحادة والمستمرة في سوريا، واستمرار الاقتتال الداخلي الذي يستهلك الاهتمام والموارد، إضافة للتنافس بين روسيا وإيران للتأثير على بنية الجيش وتركيبته، وتراجع معدلات التجنيد.
وقد كشفت الحملة العسكرية الأخيرة على درعا البلد مدى عدم كفاءة جيش النظام السوري، لولا اعتماده على روسيا وعلى إيران وميليشياتها، الأمر الذي يُتوقع أن يؤثر بشكل مباشر على الوضع الأمني لإسرائيل.
التنافس الروسي الإيراني لإعادة بناء الجيش
في أواخر عام 2017، ومع تضاؤل الأعمال الحربية في سوريا واستقرار ميزان القوى نوعاً ما، بدأت جهود بناء القوة العسكرية برعاية روسية، وتسارعت وتيرتها في آذار/ مارس 2020 بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع المعارضة المسلحة في إدلب، الأمر الذي حوّل الاهتمام من القتال إلى إعادة ترميم الجيش. ومنذ ذلك الحين، كانت هناك منافسة إيرانية روسية واضحة للتأثير على عمليات إعادة بناء جيش النظام السوري وطريقة عمله.
من الناحية العملية، كان لروسيا تأثير أكبر من إيران في عمليات بناء القوة العسكرية لجيش النظام وتشغيله على المستوى الاستراتيجي والعملياتي، ومنذ بداية تدخلها العسكري في سوريا في عام 2015، أنشأت روسيا قاعدة عسكرية متعددة الأذرع ومركزاً لقيادة العمليات المشتركة، حلت محل هيئة الأركان العامة السورية وأخذت دورها، لدرجة أنه يتم التلميح إلى أن روسيا قلقة من عدم تعيين رئيس أركان لجيش النظام منذ 2018 وحتى اليوم.
وتضمن بنية القيادة والسيطرة الروسية المتجذرة في سوريا مشاركة ضباطها ومستشاريها في كل جانب من جوانب القتال في البلاد تقريباً، حتى في طريقة استخدام منظومات الأسلحة في ساحة المعركة.
على الرغم من التقدم الروسي وأسبقيته في التأثير على تركيبة جيش النظام، إلا أن إيران وحزب الله يعملان على كسب النفوذ على بناء الجيش أيضاً، لا سيما عبر نشر وتعزيز قدراتهما الهجومية في سوريا، من صواريخ أرض - أرض والطائرات من دون طيار، ومن خلال مشاركة الميليشيات الشيعية التابعة لها في القتال إلى جانب وحدات جيش النظام في المعارك، من دون الانضواء تحت قيادته.
كما تعمل إيران على بناء وتدريب ونشر الوحدات العسكرية التابعة لجيش النظام، من بينها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، ووحدات الأمن الداخلي والميليشيات شبه العسكرية والمحلية الموالية له.
وتركز إيران وحزب الله في الدرجة الأولى على الفيلق الأول في جيش النظام، المسؤول عن المنطقة الجنوبية الغربية والجبهة ضد إسرائيل، ووضعت طهران مستشاريها وضباط ارتباط في مقرات الفيلق بمختلف أذرعه (العملياتية والاستخبارية واللوجستية والهندسة والمراقبة والرصد والمدفعية) لتدريب جنود الفيلق وقياداته على تطوير قدرات جمع المعلومات الاستخبارية وتطوير القوة النارية (المدفعية وراجمات الصواريخ)، إضافة لاستغلال الظروف المعيشية الصعبة في الجنوب لتجنيد مقاتلين جدد.
كما يسعى "حزب الله" اللبناني إلى بناء بنية تحتية إرهابية ومشاريع طويلة الأمد في مناطق سيطرة الفيلق، والحفاظ على تعاون مشترك مع جيش النظام.
تتجلى مؤشرات المنافسة الروسية الإيرانية في التعيينات العسكرية لقادة كبار في جيش النظام، على سبيل المثال أُقيل في آذار/مارس الماضي قائد القوات الجوية السورية، المقرب من الإيرانيين، بناء على طلب روسي، وتمت إعادة تعيين القائد السابق من جديد.
ومن المؤشرات أيضاً، الاستياء الروسي من نفوذ إيران ومبعوثيها داخل جيش النظام في جنوب سوريا، إلا أن هذا النفوذ يتقلص بشكل أساسي في مناطق الجبهة مع إسرائيل، بسبب نقص الموارد والمنع الروسي.
أحجار الأساس في إعادة البناء – تغيير العقيدة القتالية وطرق القتال
في سابقة هي الأولى من نوعها، لم تعد المواجهة مع إسرائيل التحدي الأبرز لنظام الأسد، الذي يواجه تهديدات داخلية باتت من أهم التحديات التي تدفعه لبناء وإعادة ترميم جيشه، الذي يخوض معارك داخلية للقضاء على فصائل المعارضة المسلحة، "التي تُعرَّف على أنها مجموعات إرهابية إسلامية متطرفة".
وتركز جهود بناء القوة العسكرية، في الوقت الراهن، على إنشاء وتدريب وحدات قتالية للسيطرة على البلاد والحفاظ عليها، وحدات لديها قدرة عالية في الحركة والتنقل لقمع أي احتجاج وإعادة السيطرة على الأراضي، إضافة لدمج الميليشيات المستقلة والشبه عسكرية.
الهيكل والتنظيم: تقوم الخطة الروسية على توجيه الموارد الأساسية في الوقت الراهن لتوسيع نطاق القيادة والسيطرة لوحدات جيش النظام ومختلف الأجهزة الأمنية، من أجل إعادة حصر استخدام القوة بمؤسسة الجيش. ويتضمن ذلك استيعاب ودمج الميليشيات المستسلمة وفصائل المعارضة في صفوفه.
فيما لا تزال الميليشيات الشيعية الموالية لإيران تعمل بمعزل عن قيادة جيش النظام، رغم انخراطها في "الحرب الأهلية" السورية منذ 2012 إلى جانبه. وفي بعض الأحيان ينعدم التنسيق العملياتي بين الميليشيات الشيعية التي تعمل بشكل مستقل ومنفصل عن خطط القتال أو تكتيكات جيش النظام، وهذا النمط أدى في كثير من الأحيان إلى احتكاكات مع قوات الأسد.
وعلى الرغم من الخطة الروسية لدمج الفصائل التي سوت أوضاعها في صفوف الجيش من أجل بسط سيطرة النظام على الأراضي التي يدخلها وتقليل خطر تجدد الاحتجاج، إلا أن هناك كثير من حالات التنافس بين عناصر هذه الفصائل وقادة الجيش، والمشكلة نفسها يعاني منها جيش النظام مع الميليشيات الخاضعة للنفوذ الإيراني، ما يجعله قريب من النموذج العراقي، الذي يضعف فيه الجيش أمام الميليشيات.
قوة الأفراد: اعتباراً من نهاية عام 2018، ازداد التركيز على عمليات تجنيد المقاتلين والضباط في الجيش، بهدف رفع مرتبات كل لواء إلى ما لا يقل عن 11 ألف جندي، مع إعطاء الأولوية للعدد على حساب النوعية والجودة القتالية.
بعد "فوزه الانتخابي"، قرر بشار الأسد إجراء تغييرات خاصة في الجيش، شملت تبديل القادة وتعيينات جديدة في نحو 20 منصباً رفيعاً، وقد عيّن قبل أشهر قليلة عدداً من الضباط في هذه المناصب، وتشير هذه الخطوة التي تقف روسيا وراءها إلى سعي موسكو لتعزيز وترقية الضباط العلويين، الذين تراهم أصحاب خبرة وكفاءة ويدينون لها بالولاء وليس لإيران.
وتعتبر اليوم نسبة الضباط العلويين في الجيش 82 بالمئة، فمن بين 152 ضابطا رفيعا في هناك 124 منهم من العلويين، في مقابل 22 ضابطاً سنياً، أي نسبة 14 بالمئة فقط. ومن المرجح أن الشخصيات التي اختارتها روسيا في التعينات الأخيرة هي التي ستقود الحملة العسكرية المقبلة، سواء داخل سوريا أو ضد التهديدات الخارجية.
التدريب: كما تركز الجهود الحالية على تجديد روتين التدريبات القتالية لزيادة الكفاءة التشغيلية، وتملك موسكو أفضلية في هذا المجال، التي تعمل على تجديد التدريبات الأساسية على مستوى الفصيلة والكتيبة.
ومن جانبها، تقوم إيران من خلال حزب الله، بدور مماثل أيضاً، ولكن بطريقة محدودة جداً وأقل مؤسساتية، مع التركيز على الجنوب السوري القريب من الحدود مع إسرائيل.
بناء قدرات دفاع جوي: يساعد الروس نظام الأسد في إعادة تأهيل منظومات الدفاع الجوي، من خلال دمج وتشغيل أسلحة متطورة ومنظومات صواريخ أرض جو قادرة على اعتراض القنابل الموجهة التي تُطلق من مسافة بعيدة.
ومع ذلك، ترفض روسيا تسليم بطاريات صواريخ أرض جو المتطورة من طراز "إس 300" و "إس 400" لقوات الدفاع الجوي التابعة للنظام، لأنها تشكل تهديداً لطائرات سلاح الجو الإسرائيلي، فضلاً عن خوف الروس من التصعيد في حال التصدي للغارات الإسرائيلية، والخشية من كشف الإسرائيليين لنقاط الضعف في هذه الأسلحة.
أما إيران، فقد أعلنت سابقاً نقل أنظمة دفاع جوي متطورة إلى سوريا، شملت صواريخ أرض جو من طراز "بافار 373"(373- Bavar) بعيدة المدى (250 كم)؛ وهي تحديث إيراني لمنظومة الـ "إس 300" الروسية، ومنظومة صواريخ "خورداد 3" (Khordad-3)؛ أرض جو متوسطة المدى (50-75 كم).
بناء القدرات الهجومية: تضررت قدرات جيش النظام في إنتاج وتجميع صواريخ أرض - أرض خلال الحرب الدائرة، وبسبب الهجمات الإسرائيلية على منشآت الإنتاج والتجميع أيضاً، خاصة تلك التي تم إنشاؤها وتشغيلها بالتعاون مع إيران.
وفي هذا السياق، تركز جهود إعادة بناء القوة العسكرية في سوريا على الأسلحة الصاروخية الموجهة. ويستثمر نظام الأسد والإيرانيون جهداً مشتركاً لتجميع صواريخ بالستية أرض - أرض متعددة المدى، وتحسين دقتها، الهدف الأساسي منها تهديد الجبهة الداخلية الاستراتيجية لإسرائيل. كما نشرت إيران مشروعها للطائرات من دون طيار في سوريا، ولكنها لم تحدد بعد فيما إذا كانت ستُنقل هذه الطائرات لجيش النظام، أم سيتم تفعيلها فقط أثناء عمليات قتالية تنفذها ميليشياتها انطلاقاً من الأراضي السورية.
القدرات الهجومية باستخدام الأسلحة الكيماوية: تشير سلسلة تقارير للأمم المتحدة ومسؤولين أميركيين أن نظام بشار الأسد يعمل خلال العام الماضي على تجديد ترسانته الكيماوية، وخاصة غاز الكلور وغاز السارين، بمساعدة إيرانية، فضلاً عن استعادته لقدرات إنتاج السلاح الكيماوي داخل سوريا رغم وجودها، خلافاً لتعهداته في 2013 بتدمير سلاحه الكيماوي.
بالإضافة إلى هذه الأدلة هناك تقارير من أجهزة استخبارات ومنظمات معنية بمتابعة السلاح الكيماوي، تقول إن سوريا تستمر في عمليات امتلاك الأسلحة الكيماوية وأنها اُستخدمت في مهاجمة المدنيين خلال الحرب. وعلى الرغم من أن هذه القدرات الاستراتيجية لجيش النظام موجهة نحو الداخل كما حدث الماضي، إلا أنها تشكل في الوقت نفسه رادعاً لإسرائيل.
العقيدة القتالية: تسعى روسيا إلى تنفيذ عقيدة قتالية جديدة في وحدات المشاة المدربة تدريباً حديثاً يكون لديها القدرة على سرعة التحرك والانتقال، تكون بمنزلة قوة تدخل سريع تسمح سرعة حركتها العالية وقدراتها الهجومية لفرض السيطرة السريعة على الأراضي. ومع ذلك تعدّ هذه الاستراتيجية أكثر ملاءمة لاحتلال مناطق داخلية وطرد المسلحين، وليس لشن هجوم على إسرائيل.
فعالية تشغيلية محدودة
على الرغم من تركيز جهود إعادة الإعمار في السنوات الأخيرة لبناء الجيش في سوريا بعد التكييف مع التحديات الراهنة، إلا أن قدرة النظام القتالية لا تزال محدودة، وكذلك فعاليته العملياتية في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.
ويرجع ضعف الفعالية القتالية في الجيش إلى سلسلة من التحديات أبرزها:
- تعدد القوى الفاعلة على الأرض في سوريا والتنافس فيما بينها بقيادة الميليشيات التي تعمل بشكل مستقل والوحدات الموالية لروسيا أو إيران، الأمر الذي يجعل من الصعب حصر استخدام القوة العسكرية بمؤسسة الجيش.
- الأزمة الاقتصادية الحادة وما سببته من نقص في الميزانيات.
- الفساد والنهب في الجيش كما في باقي أجهزة الدولة.
- الافتقار إلى القوى البشرية ذات الجودة المحفزة.
- انخفاض معدلات التجنيد.
- استمرار الاقتتال الداخلي في سوريا.
- استهلاك الموارد والاهتمام.
- الحملة الإسرائيلية المستمرة ضد التموضع الإيراني في سوريا.
ويشكل الاقتتال الداخلي في سوريا اليوم، دليلاً واقعياً للصعوبات في عمل الجيش، حيث فشلت كل محاولات السيطرة على مناطق سيطرة الثوار في إدلب أو حتى تقليصها، وفشله في فرض سيطرة فعلية على الأرض في شرق سوريا، المنطقة التي تعتبر مصدر الدخل الاستراتيجي للنظام لما فيها من حقول النفط، كما فشل في الجنوب أيضاً، بعد تجدد المعارك في أواخر تموز/ يوليو الماضي في درعا البلد، في استعادة السيطرة على المنطقة وجمع الأسلحة من يد مقاتلي الفصائل المسلحة.
التداعيات بالنسبة لإسرائيل - تحديات في الجو وفرص على الأرض
يعتبر الجيش في سوريا صورة طبق الأصل عن النظام، الذي تقوضت صلاحياته وسلطته نتيجة الحرب، ويعتمد على روسيا وإيران.
وانخفضت لدى نظام الأسد أولوية خوض حروب خارجية، فلم يعدّ بناء القدرات العسكرية لاحتلال مناطق عبر المواجهة العسكرية مع جيوش نظامية، مثل خوض حرب ضد الجيش الإسرائيلي في مرتفعات الجولان.
أما في مجال الهجوم، يعتمد جيش النظام السوري اعتماداً كبيراً على إيران وحزب الله، خاصة فيما يتعلق بنقل وتجميع وسائل الهجوم، مثل الأسلحة الصاروخية الموجهة والطائرات من دون طيار الهجومية، وهذا الأمر يحسن قدرات إيران على ضرب معظم أراضي إسرائيل من سوريا.
يجب على إسرائيل أن تكون يقظة فيما يتعلق بالقدرات الكيماوية التي يعمل نظام الأسد على تجديد ترسانته بمساعدة إيرانية، ربما يكون هذا السلاح الاستراتيجي من موجهاً ضدها أيضاً.
لكن التحدي العسكري الأبرز الذي يمثله جيش النظام اليوم للجيش الإسرائيلي يتمثل في قدرته الدفاعية الجوية، التي تستند إلى قدرات روسية ويديرها مستشارون عسكريون روس، لذلك، يجب على إسرائيل الاستمرار في ممارسة الضغط السياسي على موسكو لمنع تسليم بطاريات صواريخ أرض - جو متطورة لقوات النظام، وعلى الأقل الاشتراط على النظام بعدم استخدامها في مهاجمة سلاح الجو الإسرائيلي.
كما يجب على إسرائيل تدمير بطاريات الدفاع الجوي الإيرانية ومنع إيران من نقلها إلى جيش النظام السوري أو حتى نشرها في سوريا.
أما في الوقت الراهن، يجب اتخاذ مجموعة متنوعة من الإجراءات ضد تموضع إيران وحزب الله في الجنوب السوري، الذي يُنفذ بالتنسيق مع الجيش والنظام. فمن المحتمل أن يتم استخدام هذه القوة في أي فرصة لضرب إسرائيل من الأراضي السورية.
وبالتوازي مع محاربة الوجود الإيراني، يجب على إسرائيل تعزيز التعاون مع السكان المحليين الذين يعارضون الوجود الشيعي في هذه المنطقة وقد يكونون قوة موازنًا لجهود التموضع الإيراني.
المصدر: معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، التابع لجامعة تل أبيب
كتبتها: عنات بن حاييم / 13.09.2021