icon
التغطية الحية

يديعوت أحرونوت: مناورات إسرائيلية-أميركية "تاريخية" لردع إيران

2020.12.26 | 20:15 دمشق

picture1.jpg
رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي يتوسط وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس ورئيس الأركان أفيف كوخافي في مبنى وزارة الدفاع بتل أبيب (رويترز)
إسطنبول - خالد خليل
+A
حجم الخط
-A

كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت تفاصيل أكبر عملية ردع عسكرية مشتركة نفذها الجيشان الأميركي والإسرائيلي، خلال الأسابيع الأخيرة، في مياه الخليج والبحر الأحمر، هدفها الردع الاستراتيجي لأي تهديد إيراني محتمل.

ووصفت الصحيفة عملية الردع بأنها "استراتيجية" و "لم يسبق لها مثيل في تاريخ الشرق الأوسط"، وهذه أول مرة في التاريخ تستخدم فيها الغواصات والقاذفات في عملية ردع تمثلت في استعراض للقوى والقدرات العسكرية للبلدين عبر إرسال هذه الأسلحة الفتاكة والمتطورة إلى مياه الخليج العربي.

وتأتي هذه العملية قبيل أسابيع من مغادرة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، وفي خضم تصعيد عسكري تقوده تل أبيب برعاية أميركية ضد إيران ومشاريعها في المنطقة لاسيما في سوريا.

ونشرت الصحيفة تقريراً مفصلاً بقلم محللها للشؤون الأمنية والسياسية، رون بن يشاي. يشرح فيه الأسباب والدوافع لهذه العملية "غير المسبوقة"، وترجمه موقع تلفزيون سوريا.

رسائل تحذير لإيران

ويقول بن يشاي أن الهدف من العملية هو ردع إيران من تنفيذ عمليات انتقامية أو استفزازات للضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات التي تفرضها على طهران.

ويضيف المحلل الإسرائيلي، لأول مرة في تاريخ المنطقة تشارك في هذه العملية غواصات استراتيجية أميركية وإسرائيلية وقاذفات استراتيجية أميركية، لإرسال رسائل تثبت للإيرانيين بأن هناك قوة عسكرية ليس بمقدورهم مواجهتها، ولتحذير طهران أو وكلائها من مغبة تنفيذ عمليات قد تسبب ضحايا بشرية أو خسائر مادية للولايات المتحدة ولإسرائيل أو لحلفاء واشنطن في المنطقة.

وأشار بن يشاي إلى أن العملية أشرف على تنسيقها رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي الجنرال مارك ميلي خلال زيارته الأخيرة للمنطقة قبل أسبوع.

وجاءت هذه العملية المشتركة بناءً على تقديرات لتقييم الوضع أجراها البنتاغون والإسرائيليون، والتي ترجح قيام إيران بعملية عسكرية أو هجوم إرهابي قبل تأدية الرئيس المنتخب جو بايدن اليمين الدستورية في 20 كانون الثاني/يناير المقبل.

وتشير التقديرات الأميركية والإسرائيلية إلى أن لطهران ثلاث دوافع للقيام بعمليات انتقامية، الأول هو الانتقام من الولايات المتحدة مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قاسم سليماني في 3 من كانون الثاني/يناير الماضي، والثاني انتقاماً من إسرائيل على اغتيالها "عراب النووي الإيراني" العالم محسن فخري زاده الشهر الماضي.

أما الدافع الثالث لممارسة ضغط نفسي على إدارة بايدن لدفعه باتجاه رفع العقوبات التي فرضها ترامب، والتي تسببت بضائقة اقتصادية واجتماعية حادة على طهران وتهدد استقرار النظام الإيراني.

ويضيف المحلل الإسرائيلي دافعاً آخر هو لدفع الأميركيين لسحب قواتهم التي تشكل تهديداً استراتيجيا على إيران من العراق غرباً ومن أفغانستان شرقاً.

ويلفت بن يشاي، إلى أن تقييم نوايا إيران الانتقامية من قبل واشنطن أكثر صرامة من التقديرات الإسرائيلية. فإسرائيل ترى أن الإيرانيين في حال قررت القيام بأية عملية ستكون على يد وكلائها ولن تكون الأضرار كبيرة، لكيلا تزعج إدارة بايدن المقبلة ولا تؤلب ضده الرأي العام وأنصار ترامب.

بينما ترى الولايات المتحدة بأنه بالرغم من سعي الإيرانيين لفتح صفحة جديدة مع الرئيس الجديد، ودفعه نحو رفع العقوبات المفروضة عليهم، إلا أن لدى طهران رغبة بالانتقام وطرد الجنود الأميركيين من الشرق الأوسط، وهذه الرغبة أقوى وأشد في أوساط التيار المحافظ المسيطر اليوم على الحكم في الجمهورية الإسلامية، من التيار البراغماتي الذي يقوده الرئيس روحاني، وكذلك المرشد الأعلى علي خامنئي، اللذان يعطيان أولوية لإزالة العقوبات.

قاذفة الصواريخ الأميركية B-52

وعلى خلفية هذه التقديرات، تجري عملية الردع بوسائل عسكرية وخبرات عقلية مشتركة، التي بدأت بإرسال القاذفة B-52  إلى سواحل الخليج وإظهار قدرتها على الذهاب والعودة من الولايات المتحدة إلى قطر من دون توقف. وتمتلك هذه القاذفات القدرة على إطلاق أكثر من 30 طنا من الأسلحة الدقيقة، من دون أن تعترضها بطاريات الصواريخ الإيرانية المضادة للطيران، وتتصدى للصواريخ والطائرات الإيرانية، كما أنها قادرة على تدمير عشرات الأهداف المحصنة والمنشآت النووية في إيران من دون أن يكون للأخيرة أو وكلائها القدرة على التصدي لها.

Picture2.jpg
القاذفة B-52 الأميركية (الإنترنت)

ويشير المحلل الإسرائيلي إلى أن القاذفة B-52 سبق وأن استخدمتها واشنطن في العراق وأفغانستان، ولكن زادت من قدراتها التكنولوجية عما كانت عليه في السابق، مشيرا إلى أن الإيرانيين لم يأخذوا بالحسبان هذه الميزات الجديدة للقاذفة، خاصة بعد قيام إحدى الميليشيات العراقية بإطلاق نحو 20 قذيفة بقطر 107 ملم نحو سفارة واشنطن في بغداد، رغم التعليمات الإيرانية بالتوقف عن استهداف السفارة.

ويتابع بن يشاي بالرغم من أن هذه القذائف، وهي من طراز كاتيوشا قصيرة المدى، لم تسبب أضراراً إلا أن الرئيس ترامب حمل المسؤولية مباشرة لإيران.

وذكر ترامب في تغريدة على حسابه الشخصي على موقع تويتر، أن الفحص أثبت أن القذائف من صنع إيران. وبالرغم من عدم تبني أي ميليشيا مسؤولية الهجوم وإدانته من قبل طهران نفسها وحتى من قبل الميليشيات العراقية المتشددة وكتائب حزب الله، إلا أن الأميركيين ينسبون الهجوم إلى مبادرة إيرانية. وقد هدد ترامب صراحة في حال إصابة أي جندي أميركي بأذى ستتحمل طهران المسؤولية.

الغواصة الأميركية "جورجيا"

في يوم الإثنين الماضي، وفي أعقاب الهجوم على سفارتها في بغداد كشفت واشنطن أو بالأحرى أرسلت صوراً لوسائل الإعلام للغواصة الأميركية، المعروفة باسم "جورجيا"، وهي تبحر في مياه الخليج حاملة أكثر من 150 صاروخ كروز. وأكثر من ذلك تعتبر الغواصة جزءا من فرقة عمل المدمرات الثقيلة والخفيفة، التي تحمل جميعها صواريخ كروز.

يقول المحلل الإسرائيلي إن وجود هذه القوات الفتاكة والاستراتيجية بهذا الحجم في مكان لا يبعد سوى عشرات الأميال البحرية عن الشواطئ الإيرانية يشكل تهديداً لا يمكن للإيرانيين تجاهله، وعلى الإيرانيين أن يدركوا بأن الرئيس ترامب، الذي لا يمكن توقع تصرفاته، من الممكن أن يستخدم هذه القوة، ولو من باب وضع العراقيل أمام بايدن وتوجهاته في التفاوض على اتفاق نووي جديد.

أين تكمن أهمية الغواصة "جورجيا"؟ يجيب المحلل الإسرائيلي على هذه النقطة بالقول، بالرغم من أن الإيرانيين طوروا أساليب قتالية وصواريخ قادرة على استهداف حاملات الطائرات والصواريخ فوق-مائية، إلا أنهم عاجزون عن مواجهة هذه الغواصة لقدرتها على إطلاق نحو 100 صاروخ كروز، وليس بالضرورة أن يكون نووياً، لإحداث دمار هائل بمنشآت إيران النووية ومنشآت تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة. ولن تجدي الطريقة التي تتبعها إيران لمهاجمة السفن الأميركية بزوارق سريعة تحتوي على متفجرات وصواريخ في مواجهة مثل هذه الغواصة.

Picture3.jpg
الغواصة الأميركية "جورجيا"

 غواصة "دولفين" الإسرائيلية

وتزامناً مع وصول "جورجيا" إلى مياه الخليج، نشرت هيئة البث شبه الرسمية في إسرائيل، تلفزيون "كان"، نقلا عن مصادر استخبارية عربية أن إسرائيل أرسلت يوم الإثنين الماضي أيضاً، غواصة من طراز دلفين عبرت قناة السويس متجهةً إلى الخليج، ويبدو أن إسرائيل ومصر هما من سربتا الخبر للإعلام لدواعي الردع، بحسب بن يشاي.

يشار إلى أن الغواصات الإسرائيلية من طراز "دولفين" لديها القدرة أيضاً على إطلاق صواريخ كروز دقيقة برأس نووي أو تقليدي، وهي صناعة ألمانية وتمتلك إسرائيل تسعة منها.

البحر الأحمر لإسرائيل والخليج لأميركا

وأوضح المحلل الإسرائيلي أن هناك تقسيما للعمل بين إسرائيل والولايات المتحدة في عملية الردع هذه، حيث من المفترض أن تتولى إسرائيل قطاع البحر الأحمر ومنطقة باب المندب عبر تشغيل الغواصة وقدراتها العسكرية الأخرى، بينما تعمل الولايات المتحدة داخل مياه الخليج العربي.

وعن الدور الإسرائيلي في هذه العملية يرى بن يشاي أن تقسيم العمل ضروري لأسباب عملياتية، حيث تعمل ميليشيا الحوثي اليمنية الشيعية المدعومة إيرانياً في منطقة البحر الأحمر، ونشاطات جماعة الحوثي تضر بالمصالح البحرية السعودية، كما أنها قادرة نظرياً على إطلاق صواريخ كروز من الجنوب باتجاه إسرائيل.

ويتابع بن يشاي، إن وجود الغواصة الإسرائيلية في البحر الأحمر قد يدفع الحوثيين إلى التفكير أكثر من مرة، لأن الغواصة تمتلك قدرات استخبارية وقدرات لإطلاق أسلحة دقيقة. وكل ما لم يتم فعله من البحر باستخدام هذه الغواصة، يمكن لإسرائيل أن تفعله من الجو.

Picture4.jpg
الغواصة الإسرائيلية "دولفين" (الإنترنت)

وتجدر الإشارة إلى أن استخدام الغواصات الاستراتيجية كوسيلة للردع أمراً جديداً في الشرق الأوسط، على الرغم من أن الغواصات قد شاركت بالفعل في المعارك البحرية في الحرب العالمية الثانية. ولكن كوسيلة للردع الاستراتيجي ربما تكون هذه هي المرة الأولى.

الحرب النفسية

أما الشق العقلي والتفكيري في عملية الردع، الذي يندرج في إطار الحرب النفسية، فقد عكسته تصريحات الجنرالات الأميركيين وكبار الشخصيات العسكرية والسياسية في إسرائيل، وجميعها ترسل رسالة واضحة للإيرانيين مفادها أن هذا السلاح - القاذفات والغواصات - خرج من الدرج، وإذا لم يفهم الإيرانيون الرسالة، قد يتم تفعيلها ضدهم، وفقاً لقول بن يشاي.

بالإضافة إلى الوسائل العلنية، فقد نقلت الولايات المتحدة منظوماتها القتالية إلى حالة تأهب في وضعيات تعرض إيران للخطر إذا حاولت الإضرار بالمصالح الأميركية أو الإسرائيلية. كما أن جزءاً كبيراً من هذه الأعمال لم يتم الإعلان عنها، لكن الإيرانيين ومبعوثيهم في سوريا والعراق واليمن على علم بوجودها – وقد تم تحذيرهم.