في لقاء مطول مع الفنانة السورية يارا صبري، كشفت عن تفاصيل مسيرتها الفنية والشخصية في ظل التحولات الجذرية التي عصفت بحياتها بعد انحيازها الأخلاقي لثورة السوريين، قدمت يارا رؤية شفافة حول مواقفها الإنسانية والوطنية، ومعاناتها في الغربة، وأسباب غيابها عن الشاشة، وحلمها بسوريا أفضل لكل السوريين.
"لا أحد يستطيع أن ينزع عني سوريتي"
بدأ اللقاء مع يارا بتأكيدها القاطع على ارتباطها العميق بسوريا، الوطن الذي شكل هويتها وجزءاً كبيراً من حياتها. تحدثت عن الطفولة، المراهقة، والعمل الفني الذي حققته داخل سوريا.
وقال صبري في لقاء مع "بودكاست عندي سؤال": "سوريا هي المكان الذي عشت فيه أحلامي وحققت فيه خطواتي الأولى كممثلة. هي ذكرياتي وعائلتي الكبيرة والصغيرة، ولا يمكن لأحد أن ينزع عني انتمائي إليها."
عندما سُئلت إن كانت سوريا قد خذلتها، أوضحت أن الخذلان لم يكن من الوطن بحد ذاته، بل من الظروف التي مر بها البلد، ومن أولئك الذين كان من واجبهم الحفاظ عليه. وجهت انتقادات صريحة للنظام السوري، محملة رئيسه مسؤولية كبيرة لما حدث، وقالت: "القائد هو المسؤول الأول. كان هناك طرق كثيرة لإدارة الأزمة التي مرت بها سوريا بطريقة وطنية، لكنها لم تُستخدم".
أنا لم أتغير.. فلماذا يُطلب مني العودة الآن؟"
وعن إمكانية عودتها إلى سوريا، أوضحت يارا أنها لم تطلب العودة، قائلة: "لماذا أطلب العودة؟ موقفي لم يتغير، فلماذا يُطلب مني الآن أن أعود؟" وأشارت إلى أن الظروف لم تتغير بما يكفي لتشعر بالثقة أو الأمان للعودة، ووصفت دعوتها إلى العودة بأنها تحمل طابعاً سياسياً وليس حلاً جذرياً للمشكلة.
أكدت يارا أن الخوف وعدم الثقة هما الحاجزان الرئيسيان أمام عودتها، مشيرة إلى أنها حتى لو عادت، فلن تقبل العيش وفق شروط تتعارض مع مواقفها ومبادئها. وأوضحت أنها ليست ضد أي طرف بشكل مطلق، بل هي ضد كل من يسهم في تفاقم معاناة الشعب السوري.
التمسك بالمبادئ رغم الخسائر
على الرغم من السنوات الطويلة التي قضتها في الغربة، أكدت يارا أنها لا تعتبر نفسها خاسرة. قالت: "الخسارة الحقيقية هي عندما يخسر الإنسان نفسه ومبادئه. أنا اخترت أن أقول كلمة حق، وهذا ما يجعلني أشعر بالراحة".
وتحدثت عن الضغط الهائل الذي تعرضت له في بدايات الثورة السورية، خاصة بعد توقيعها على بيان يدعو لتحييد المدنيين عن الصراع. وصفت تلك الفترة بأنها الأصعب في حياتها، إذ تعرضت لهجوم إعلامي واسع، وُصف فيه الموقعون على البيان بالخونة.
رغم ذلك، بقيت يارا متمسكة بمواقفها، معتبرة أن الفن والإنسانية مترابطان. وأشارت إلى أنها لم تكن جزءاً من أي حركة سياسية، لكنها وقفت إلى جانب المظلومين لأنها شعرت أن هذا هو واجبها كإنسانة قبل أن تكون فنانة.
"الغربة كانت مؤلمة.. لكنها علمتني الكثير"
تحدثت يارا بتفصيل عن تجربتها في الغربة منذ مغادرتها سوريا في عام 2012. وصفت الليلة الأخيرة قبل الرحيل بأنها كانت كالاقتلاع من الجذور، قائلة: "كانت كأنني أفقد جلدي. لم أكن أريد الرحيل، لكن الظروف أجبرتني على ذلك".
في البداية، توجهت يارا إلى الإمارات، حيث قضت فترة قصيرة قبل أن تنتقل إلى كندا مع عائلتها. وصفت تجربة الحياة في كندا بأنها مزيج من الصعوبة والأمل، خاصة عندما اضطرت للبدء من جديد في بلد غريب. ومع ذلك، أكدت أن هذه التجربة ساعدتها على فهم معنى الوطن بشكل أعمق.
قالت يارا: "الوطن ليس مجرد عواطف. هو المكان الذي تشعر فيه بالأمان، حيث تكون حقوقك محفوظة، وحيث يمكنك التعبير عن رأيك دون خوف".
وأضافت: سمعت بحياة عمرك انه حدا حاربك بجواز سفرك! يعني إنت مواطن بس لأنه عندك رأي شو ما كان رأيك، المجرمين برا وين ما كان ما بيمنعوهم وبيطلعوا جواز سفر، هي مواطنته ... بتلغي لي يعني سوريتي بإنك ما تعطيني جواز سفر؟ لا أنا سوري غصبا عنك بجواز سفر بدون جواز سفر أنا سوري غصبا عنك".
وردت على سؤال المذيع عن هويتها بعد أن حصلت على الجواز الكندي: أنا سورية كندية.
أسباب الغياب عن الشاشة
على صعيد العمل الفني، تحدثت يارا عن أسباب غيابها عن الشاشة لسنوات. أوضحت أن واحدة من أكبر العقبات كانت عدم قدرتها على تجديد جواز سفرها السوري لفترة طويلة، ما منعها من السفر للعمل في أعمال درامية صورت خارج سوريا.
قالت: "عندما تُمنع من الحصول على جواز سفرك لأنك تعتبر 'خائناً' بسبب رأيك، فهذا يعني أنك تُمنع من ممارسة حقك الطبيعي كمواطن".
ورغم هذه الصعوبات، أكدت يارا أنها لم تفقد شغفها بالتمثيل، وأنها عادت مؤخراً للعمل في مسلسل "العميل"، الذي اعتبرته فرصة جديدة لاستعادة مكانتها في الساحة الفنية.
"الأمان الأسري هو ما ساعدني على الصمود"
أكدت يارا أن الدعم الذي حصلت عليه من عائلتها كان من أهم العوامل التي ساعدتها على تجاوز صعوبات الغربة. وصفت عائلتها بأنها "الوطن الصغير" الذي منحها القوة لتستمر.
تحدثت عن والدتها الراحلة بتأثر كبير، ووصفتها بأنها كانت "الوطن العاطفي" الذي فقدته. وأضافت أن وفاة والدتها من دون أن تتمكن من وداعها كانت واحدة من أصعب اللحظات في حياتها، لكنها اختارت أن لا تلوم نفسها لأنها كانت ملتزمة بمواقفها.
رسالة أمل لكل السوريين
اختتمت يارا اللقاء برسالة أمل لكل السوريين، معبرة عن تمنياتها بأن تعود سوريا لتكون وطناً لجميع أبنائها، بغض النظر عن اختلافاتهم.
قالت: "أتمنى أن يأتي اليوم الذي نعود فيه جميعاً إلى سوريا، ليس كسوريين يحملون جنسيات أخرى، بل كسوريين يملكون وطناً حراً ومزدهراً. هذا الحلم قد لا يتحقق في حياتي، لكنه قد يتحقق في حياة أبنائي أو أحفادي".