أصدرت مؤسسة ميسلون للثقافة والنشر مؤخراً رواية وشمس أطلت على ديارنا الغريبة (تأليف الكاتبة والرسامة السورية يارا وهبي)، وتدور أحداث الرواية في مدينة صغيرة، تدعى "زالفيلد" وكانت حتى الماضي القريب تحسب على ألمانيا الشرقية ومعظم الظن أن أحداً في سوريا، لم يكن قد سمع بها قبل حدوث موجة اللجوء السورية عام ٢٠١٦، بالرغم من أنها من المدن الألمانية التي حفر اسمها على قوس النصر في باريس إثر هزيمة أميرها على يد الجيوش الفرنسية في عهد نابليون.
ستكون هذه المدينة هي مركز الأحداث ومنطلقها. تبدأ الراوية بالحدث الأهم وهو وصول السوريين العالقين عند الحدود إلى محطة القطار في "زالفيلد"، حيث يتجمع الألمان لاستقبالهم ومن بين المستقبلين حضرت شابة سورية أرمنية تدعى شمس، متزوجة من رجل ألماني، وكانت قد غادرت سوريا مع بداية الثورة في سوريا.
شمس ستكشف خلال الفصل الأول حكايات السوريين الذين تلتقيهم، وسوف تجد نفسها متورطة بلعب دور شهرزاد وتروي جميع القصص لزوجها الذي قرر تحقيق حلمه القديم في الكتابة وتحويل جميع قصص السوريين إلى رواية اسمها "وشمس أطلت على ديارنا الغريبة" الرواية مؤلفة من ثلاثة فصول وكل فصل يتألف من مجموعة من الحكايات حكاية أبو جابر - حكاية رامي وأخته حنين - الشامية.. والشخص الناظم للأجزاء هو الراوية.. شمس التي تتكشف خيوط حكايتها الخاصة وعلى خلفية حكايات الآخرين من السوريين والألمان حيث لا تتوقف الرواية على رصد الصراعات النفسية للسوريين فقط بل تخوض خوضاً عميقاً في أفكار ومشاعر وتجارب الشخصية الألمانية.
في الفصل الأول تتشابك القصص السورية بالأخرى الألمانية، حيث تربط الرواية في كل قصة منفردة بين الأحداث التاريخية الكبرى التي جرت مثل الحرب العالمية الثانية انهيار جدار برلين، الثورة السورية، هجرة اليهود، الوحدة الألمانية وبين القصة الشخصية للبطل السوري أو الألماني. كل قصة تأخذ عنواناً لها من أسماء المدن السورية والعالمية. أما الفصل الثاني فيبدأ بسفر شمس إلى لبنان ولقائها جدتها حيث تتركز الأحداث حولها.
وحول جدتها التي تشكل نموذجاً مميزاً للاندماج داخل المجتمع فتحمل شخصية الجدة كثيرا من الرمزية والمعاني، ومن خلال قصتها تتكشف قصة كفاح المرأة داخل المجتمع السوري القمعي يبدأ الفصل الثاني في بيروت ثم يصور المباراة الرياضية بين السوريين والألمان في مدينة "زالفيلد" لينتهي بانعقاد مؤتمر يجمع السوريين والألمان في أحد مطاعم المدينة، يعلن خلاله عن إصدار دستور جديد لسوريا ويكون الفصل الثاني بمثابة خاتمة إيجابية للأحداث التي جمعت السوريين والألمان خلال السنوات الماضية من صداقة وحب وعمل ونشاطات ورياضة، وفيه ما يشبه التتويج لعملية الاندماج وتمهيدا للعودة إلى سوريا ومرحلة ما بعد الحرب هو صفوة التجربة الأليمة وولادة أمل بسوريا جديدة في بلاد الاغتراب، هو اختصار لتجربة المهاجر السوري بمختلف توجهاته السياسية سواء كان مؤيداً أم معارضاً.
الفصل الثالث تتكاثف فيه الأحداث والتي في معظمها تدور حول شمس وولادتها وحياتها الشخصية ويتم التركيز على الصراعات النفسية لجدتها الأرمنية المسلمة في دمشق وينتهي الفصل الثالث بموت الجدة وعودة شمس بعد ثلاثين عاماً إلى دمشق. حيث دمشق لم تعد دمشق.. تجلس جنب نافورة الماء في وسط الدار القديمة في دمشق وتردد هتافها الذي سيكون الأخير "سوريا بدها حرية".
تستمد الرواية من الأحداث والقصص الحقيقية إلهامها، لكنها لا تعتبر في أي حال من الأحوال عملاً توثيقياً يتناول العمل شرائح مختلفة من المجتمع السوري وذات أفكار ومنابت اجتماعية وثقافية ودينية متنوعة، فتشكل الرواية ما يشبه البانوراما التي تضع عدداً كبيراً من الأشخاص تحت مجهر الحياة التي تسجلها الكاتبة.
تطرح الرواية بشكل أساسي موضوع الاندماج، والحرب، واللجوء والأنظمة الدكتاتورية، وتكشف عن آثار تقسيم ألمانيا، الجدار، النازية والصراع بين الأحزاب القديمة والجديدة الصاعدة، والتنوع العرقي والمذهبي في المجتمع السوري، وتجارب السوريين على اختلاف أعمارهم وانتمائهم. الرواية هي محاولة لبناء جسر بين التجارب الإنسانية المختلفة والمتنوعة. خلال الراوية لا يوجد حدث واحد يشد القارئ لمتابعته، إنما قصص السوريين أنفسهم والألمان تشكل المحاور الإنسانية والتجارب العميقة التي تجذب القارئ للاطلاع عليها ومعرفتها. قد يجد كل سوري جزءًا من حكايته أو تفصيلا يمسه شخصياً وقد يجد كثير من الألمان بين أوراقها ما يعنيهم.
تحاول الرواية كسر كثير من الأحكام المسبقة حول المهاجرين كما الألمان، وبناء فهم جديد لتجربة الحياة المشتركة بين الشعوب المختلفة، كما تدعو القارئ للتفكير بمعان جديدة للوطن، واللغة، والدين والإنسانية بمفهومها الواسع. وفي تصريح خاص لـ موقع تلفزيون سوريا تقول الكاتبة "وهبي" إن موضوع اللجوء السوري في ألمانيا وهذه التجربة بكل أبعادها الإنسانية والتاريخية والجغرافية تحتاج إلى مئات الروايات وآلاف القصص، معالجة ما حدث على صعيد الأدب أمر مهم من أجل الوقت الحالي والمستقبل أيضاً.
وتضيف "حاولت من خلال الرواية أن أطرح تجارب الجميع من المعارضين والمؤيدين وحتى الرماديين إن صح التعبير، ففي الرواية دعوة للجميع للتصالح وللتفكير أيضاً، إذا كنا نريد بناء سوريا من جديد فعلينا أن نعترف أن كلاً منا له حكايته وموقفه السياسي لا يجوز أن يمنع من رواية حكايته الشخصية وألمه النفسي وتجربته الجديدة.