جددت واشنطن رفضها المخططات الإسرائيلية لإخلاء العائلات الفلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح، وتدعو تل أبيب إلى وقف جميع إجراءاتها في قضية الحي التي لا تزال تتفاعل بين العائلات الفلسطينية المهددة بالطرد وبين المحاكم الإسرائيلية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، في مؤتمر صحفي بواشنطن مساء السبت، إن الولايات المتحدة تعارض إخلاء السكان الفلسطينيين من منازلهم.
وأضاف برايس، أن واشنطن تشجع السلطات الإسرائيلية على تجنب عمليات الإخلاء وغيرها من الإجراءات التي تؤدي إلى تفاقم التوتر وتقويض الجهود المبذولة لدفع "حل الدولتين" من خلال المفاوضات.
تجديد واشنطن رفضها لعمليات الإخلاء يأتي بعدما توجه عدد من الدبلوماسيين الإسرائيليين إلى الإدارة الأميركية لطلب الضغط على العائلات الفلسطينية للموافقة على اقتراح التسوية التي قدمها قضاة المحكمة العليا في إسرائيل، بحسب ما أفادت به صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
أهالي الحي يرفضون التنازل عن "الملكية" للمستوطنين اليهود
ويرفض أهالي الحي المقدسي التنازل عن ملكية منازلهم للمستوطنين اليهود، لذلك لم يوافقوا على "التسوية" التي تقترح بقاءهم في المنازل "كمستأجرين محميين" ودفع إيجار سنوي رمزي في مقابل أن يعترفوا بملكية المستوطنين للعقارات.
وأرجأت "المحكمة العليا"، يوم الإثنين 2 آب/أغسطس، البت في مصير عائلات فلسطينية مهددة بالطرد من منازلها في الشيخ جراح، بسبب رفض الطرفين من قبل الفلسطينيين والمستوطنين لمقترح التسوية.
وتنص "التسوية" التي قدمها قضاة "العليا"، يتسحاق عميت ودفنا براك ونوعام سولبرغ، على بقاء الفلسطينيين في منازلهم كمستأجرين محميين من الجيل الأول، ما يعني أن أبناءهم وأحفادهم يمكنهم أيضا البقاء في المنازل، مقابل أن يدفعوا 1500 شيكل سنوياً (ما يقارب 465 دولارا أميركيا) لشركة "ميراث شمعون" (نحلات شمعون)، وهي شركة استيطانية إسرائيلية، تطالب بطرد العائلات الفلسطينية واستبدالهم بمستأجرين يهود.
وعلى الرغم من رفض محامي المستوطنين، إيلان شيمر، التسوية ومطالبته الفلسطينيين بالاعتراف بملكية اليهود للمكان، فإن التقديرات تشير إلى أن المستوطنين قد يقبلون العرض، وكذلك فإن الفلسطينيين أبدوا موافقتهم على العرض، ولكنهم يرفضون التنازل عن "الملكية" لمنازلهم لليهود.
يشار إلى أن نقاش المحكمة العليا لقضية حي الشيخ جراح جاء بعد أن رفضت المحكمة المركزية في القدس استئناف ثماني عائلات فلسطينية من سكان الحي في شباط/فبراير الماضي، وأمرتهم بدفع نفقات قانونية بمبلغ 80 ألف شيكل.
قوانين عنصرية تمييزية
ويواجه أهالي حي الشيخ جراح الفلسطينيون منذ عام 1970 تهديدات بالطرد من منازلهم بناء على قرارات "عنصرية وتمييزية" تصدرها المحاكم الإسرائيلية تتعلق بقضية "ملكية الأرض" التي بُنيت عليها منازل يعيش فيها فلسطينيون منذ سبعة عقود، ويسعى مستوطنون للاستحواذ عليها.
في 1970 سنت إسرائيل قانون الشؤون القانونية والإدارية، ينص على أنه إذا تمكن يهود من إثبات أن عائلتهم عاشت في القدس الشرقية قبل حرب العام 1948 يمكنهم المطالبة باسترداد "حقهم في الملكية"، ولا يجيز هذا القانون للفلسطينيين هذا الحق، وإنما يعاملون وفقاً لقانون "أملاك الغائبين" (1950) الذي لا يسمح للفلسطينيين الذين فقدوا ممتلكاتهم في إسرائيل عام 1948 باستعادتها، ويسمح بنقل الأصول إلى حوزة الدولة".
وتعليقاً على التسوية التي طرحها قضاة المحكمة العليا كـ "حل وسط"، قالت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية، إن ما اقترحه القضاة يعبر عن "شعور بعدم الارتياح لقرار طرد العائلات الفلسطينية من منازلهم في القدس الشرقية فقط بسبب مسألة الملكية".
وأضافت الحركة، وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية مناهضة للاحتلال والاستيطان، أن القضاة يفهمون أن القرار الذي يستند إلى مجموعة من القوانين التمييزية والعنصرية، ويتجاهل السياق السياسي والتمييز المتأصل ضد الفلسطينيين المقيمين في القدس هو قرار "عبثي وظلم تاريخي".
ووصفت الحركة ما يحدث في الشيخ جراح بأنه ليس مجرد نزاع عقاري، بل قضية سياسية وقومية واجتماعية، داعية الحكومة الإسرائيلية للتصرف بجرأة للعثور على حل عادل لمشكلة حيي الشيخ جراح وسلوان في القدس الشرقية.
حساسية القدس دولياً
وتصر الحكومة الإسرائيلية على أن قضية حي الشيخ جراح مسألة داخلية قضائية لمنع تدويلها، بسبب حساسية وضع القدس على الصعيد الدولي، وهذا ما يفسره التنديد الدولي وتجديد واشنطن رفضها لإخلاء العائلات الفلسطينية في الحي من منازلها.
ويعدّ حي الشيخ جراح جزءا من القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، وتقر القوانين والأعراف الدولية بأن القدس الشرقية أرض فلسطينية محتلة من قبل إسرائيل، كما أن مفاوضات أوسلو (1993) بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي طرحت "حل الدولتين" بوساطة من المجتمع الدولي، اتفق خلالها الطرفان على أن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.
وتأتي محاولات تل أبيب لطرد عائلات تسكن في منازلها منذ سبعة عقود في حي الشيخ جراح، من ضمن المخططات الإسرائيلية في تهويد القدس وعمليات الاستيطان لفصل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني (الضفة الغربية) تمهيداً لاقتطاع كامل القدس التي تعتبرها تل أبيب رسمياً بأنها عاصمتها خلافاً لجميع قرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية.
وتقول منظمة "السلام الآن"، حان الوقت للحكومة الإسرائيلية التي تعرف كيف تصادر آلاف الدونمات شرقي القدس لإقامة مستوطنات بأن تسجل أراضي الحي لصالح العائلات الفلسطينية التي عاشت عليها منذ عقود. وأضافت بأن ذلك سيكون "تصحيحاً جزئياً للظلم".
وتخشى إسرائيل من أن الاحتجاجات الفلسطينية الرافضة للإجراءات التعسفية الإسرائيلية بحق أهالي الشيخ جراح تؤدي إلى تدويل موضوع القدس، كما تدرك أن الحالة المزاجية في الشارع الفلسطيني قد تؤثر بشكل مباشر على الوضع الأمني مثلما حدث قبل ثلاثة أشهر بما يعرف بـ "هبة القدس".
في 10 أيار/مايو الماضي، تحولت الاحتجاجات المؤيدة لسكان الشيخ جراح الفلسطينيين إلى مواجهات مع المستوطنين والشرطة الإسرائيلية وكانت الشرارة وراء اندلاع مواجهات في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، أعقبها مواجهات عسكرية دامية استمرت 11 يوماً بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وجيش الاحتلال الإسرائيلي أسفرت عن مقتل 260 فلسطينياً ودمار كبير طال المساكن والبنى التحتية، في حين قتل 13 إسرائيلياً من بينهم جندي بالقذائف التي أمطرت بها حماس المدن والمستوطنات الإسرائيلية.
حي "الشيخ جراح".. القصة الكاملة
على الرغم من أن للحي المقدسي جذورا تاريخية تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي إبان الحقبة الأيوبية، فإن نشأته حديثة نسبياً بدأت في منتصف القرن الماضي، قبلها كان أرضاً شبه غير مأهولة، وأطلق عليه اسم "الشيخ جراح" لأن فيه مقاماً للأمير حسام الدين بن شريف الدين عيسى الجراحي، طبيب صلاح الدين الأيوبي.
في حين يطلق المستوطنون اليهود على الحي اسم "شمعون الصدّيق"، وفيه "مغارة شمعون" يرتاده المتدينون اليهود، الذين يدّعون بأن مدارس تلمودية اشترت الأرض في عام 1875، وبنت عليها سكنا لليهود اليمنيين الفقراء.
في عام 1951 لجأت إليه عدد من العائلات الفلسطينية فرت من مناطق فلسطينية أخرى إثر نكبة فلسطين (1948).
أما البداية الفعلية للحي فكانت في عام 1956، بموجب اتفاقية بين وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، لبناء وحدات سكنية لـ 28 عائلة فلسطينية بدلاً من الخيام على أرض حي الشيخ جراح، مقابل استغناء تلك العوائل عن بطاقات اللاجئين والإعانات الإنسانية التي تقدمها الأونروا.
يشار إلى أن الضفة الغربية ما بين عامي 1951 إلى 1967 كانت تحت الحكم الأردني.
ويؤكد الأردن على ملكية الفلسطينيين لمنازلهم في حي الشيخ جراح، وقالت وزارة الخارجية الأردنية في بيان نشرته في 29 نيسان/أبريل 2021، بأنها صدّقت على 14 اتفاقية بين وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية (سابقا) وبين أهالي حي الشيخ جراح (في العام 1956)، إضافة إلى وثيقة الاتفاقية الموقعة مع الأونروا لإنشاء 28 وحدة سكنية في حي الشيخ جراح (1956).
وبحسب الوثائق التي صدّقت عليها الخارجية الأردنية، فإن الأردن تعهد حينذاك بموجب الاتفاقيات أن يتم تفويض وتسجيل ملكية الوحدات السكنية بأسمائهم، ولكن نتيجة لحرب 67 تعرقلت عملية التفويض وتسجيل الملكية.
وهذا ما أكدته الدكتورة رونيت ليفين شنور، أستاذة في القانون وباحثة في معهد غازيت غلوب لأبحاث العقارات، في استشارة قانونية قدمتها للمحكمة العليا بناء على طلب العائلات الفلسطينية.
وخلص بيان شنور إلى أن "الحكومة الأردنية قامت بكل ما يلزم لتسجيل ملكية المنازل قبل نشوب حرب حزيران (1967) ولم يتسن لها إتمام ذلك بسبب الحرب وعلى حكومة إسرائيل احترام تعهدات الحكومة الأردنية". بحسب موقع "إسرائيل أوف تايمز".
جدول زمني لأبرز المحطات في تاريخ حي "الشيخ جراح"
- 1951 لجوء عائلات فلسطينية فرت من مناطق فلسطينية أخرى في أعقاب حرب النكبة إلى مكان الحي حالياً.
- 1956 نشوء حي باسم "الشيخ جراح" وبناء الأردن بالاتفاق مع "الأونروا" مساكن لـ 28 عائلة من اللاجئين الفلسطينيين.
- 1970 سن قانون "الشؤون القانونية والإدارية" الإسرائيلي، الذي يجيز لليهود الذين فقدوا ممتلكاتهم قبل 1948 باستردادها ويستثني الفلسطينيين من هذا الحق. القانون اعتبرته جمعيات حقوقية إسرائيلية بأنه "تمييزي وعنصري".
- 1982 تقدمت الجمعيات الاستيطانية الإسرائيلية بدعوى إخلاء ضد 24 عائلة فلسطينية من الحي، وفشلت جميع محاولات هذه الجمعيات في إثبات ملكيتها.
- 1991 تعرض أهالي الشيخ جراح لخديعة وخيانة من قبل محام إسرائيلي (توسيا كوهين) وكلوه للدفاع عنهم، وقام بالتوقيع من دون علمهم على أن "الملكية تعود إلى الجمعيات الاستيطانية"، وعلى إثر ذلك منحت العائلات الفلسطينية وضعية "المستأجرين المحميين"، وباتوا معرضين للطرد في حال لم يدفعوا الإيجار للجمعيات الاستيطانية أو في حال أجروا تعديلات في المباني.
- 1997 قدم أحد أهالي الشيخ جراح، اسمه سليمان درويش حجازي، وثائق الطابو العثماني، جلبها من تركيا تثبت ملكيته لأرض الحي، إلى المحكمة المركزية الإسرائيلية.
- 2003 الجمعيات الاستيطانية تبيع حقوق الملكية التي حصلت عليها إثر خديعة المحامي كوهين، إلى شركة "نحلات شمعون" (ميراث شمعون) الاستيطانية، التي تقود معارك قضائية في المحاكم الإسرائيلية لطرد العائلات الفلسطينية.
- 2005 المحكمة المركزية ترفض وثائق الطابو العثماني المقدمة من عائلة حجازي.
- 2008 طردت عائلة الكرد من منزلها بأمر "إخلاء" من المحكمة المركزية في القدس.
- 2009 طردت عائلتا حنون والغاوي من منزليهما، واستحوذ عليها مستوطنون.
- 2021 في شباط/فبراير، المحكمة المركزية في القدس (الإسرائيلية) ترفض استئناف ثماني عائلات فلسطينية (تمديد بقائهم في منازلهم)، من أصل 12 عائلة مهددة بالطرد.
- 2021 أيار/مايو، قدمت أربع عائلات التماساً للمحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية) ضد قرارات الطرد من قبل المحكمة المركزية ومحاكم الصلح.
- بداية أيار/مايو، تزايدت في هذه الأيام وتيرة تحرك الشارع الفلسطيني في حي الشيخ جراح وفي محيط الحرم القدسي احتجاجاً على الإجراءات التعسفية من قبل سلطات الاحتلال واستفزازات المستوطنين.
- 11 أيار/مايو، اندلاع المواجهات العسكرية الدامية بين جيش الاحتلال والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.
- 2 آب/أغسطس، المحكمة العليا ترجئ البت في قضية طرد العائلات الفلسطينية، بعد فشل مساعيها في التوسط بين الفلسطينيين والمستوطنين.
وما تزال قضية الشيخ جراح تتفاعل وسط إصرار الفلسطينيين على التمسك بمنازلهم رغم كل الضغوط الإسرائيلية لطردهم منها وإحلال المستوطنين فيها.