تحولت تجارة الكبتاغون إلى وسيلة لتحقيق نفوذ بيد النظام السوري كما أصبحت مصدر دخل كبير بالنسبة للميليشيات المدعومة إيرانياً والتي أصبحت تستهدف القوات الأميركية بهجماتها.
يأتي مخدر الكبتاغون الشبيه بمادة الأمفيتامين شديدة التخدير على شكل أقراص بيضاء صغيرة يصدر الملايين منها إلى مختلف أنحاء الشرق الأوسط وما بعد الشرق الأوسط، ولقد ارتبط تصنيع الكبتاغون بالجيش السوري وبعائلة بشار الأسد بصورة مباشرة، إذ إلى جانب كونه ديكتاتوراً ومجرم حرب وقاتلاً لأعداد كبيرة من الناس، صار بوسع الأسد اليوم أن يضيف إلى سيرته الذاتية منصب ملك المخدرات، وذلك لأن تصديره للمخدرات إلى مختلف أنحاء العالم يدر عليه مليارات الدولارات سنوياً. وحتى يتمكن من تصدير الكبتاغون إلى أوروبا، أسس النظام السوري شبكة توزيع تعتمد على التعاون مع حزب الله اللبناني والمافيا الإيطالية.
التطبيع لوقف التوزيع
والأدهى من ذلك هو أن دول الخليج ضاقت ذرعاً بآفة الكبتاغون، فسارعت لتطبيع علاقاتها مع الأسد على أمل أن يوقف تصديره لتلك المادة إلى هذه الدول، ولكن حتى الآن، بقي الأسد يستخدم نفوذه في هذا المجال مع زيادة صادراته من الكبتاغون، كما أن الوسطاء الذين ينقلون المخدرات إلى دول الخليج هم أنفسهم رجال في ميليشيات مدعومة إيرانياً، وهذه الميليشيات هي التي هاجمت القوات الأميركية في العراق وسوريا عشرات المرات منذ حرب إسرائيل على غزة. وقد تسببت تلك الهجمات التي استهدفت القواعد الأميركية ونفذت بمسيرات مسلحة وصواريخ بجرح ما لا يقل عن 56 جندياً أميركياً بحسب ما أعلنه البنتاغون.
يعلق على ذلك النائب الجمهوري فرينش هيل وهو عضو في لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب، فيقول: "إن في ذلك مواصلة لما تقوم به المخدرات من دعم للإرهاب وتمويل له، فالكبتاغون يدعم الإرهاب مالياً، إذ يقدم المال لتوسيع مجال وصول الإرهابيين، كما يغذي الإرهابيين أنفسهم ويدفعهم للمضي من أجل ارتكاب جرائم وحشية".
تلعب الميليشيات المدعومة إيرانياً والتي تمارس مهامَّ في سوريا والعراق دوراً مهماً في تجارة الكبتاغون، بما أنها تسيطر على الحدود السورية مع العراق والأردن، ولهذا تستعين تلك الميليشيات بالأرباح المترتبة على إعادة بيع المخدرات لتشتري السلاح ولتوسع مناطق سيطرتها، في حين يسهم نصيب الأسد في الأرباح ببقائه في السلطة وعزله عن العقوبات الدولية.
ورد في تقرير نشره معهد نيولاينز خلال العام الماضي بأن النظام السوري يستغل ضعف الحكم في دول عديدة، خاصة في شمالي أفريقيا وجنوبي أوروبا، ليقوم بمشاركة جميع أشكال العناصر الفاعلة التي لا تمثل دولة إلى جانب مشاركته للتنظيمات الإرهابية، إذ جاء في ذلك التقرير: "لقد أسهمت تجارة الكبتاغون بوصفها تمثل مصدراً للربح بالنسبة للعناصر الفاعلة التي تمثل دولة وتلك التي لا تمثل دولة، ومنها النظام السوري، وحزب الله، والميليشيات الرديفة للدول، في تغذية أنشطة خبيثة فاقمت من حالة انعدام الاستقرار، كما شجعت على تفشي الفساد، ومنحت السلوكيات الاستبدادية كثيراً من التمكين".
العقوبات لا تكفي
في شهر آذار الماضي، فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا عقوبات مشتركة على شخصيات سورية ولبنانية تتصدر تجارة الكبتاغون، فكان من بينها اثنان من أبناء عمومة الأسد. وفي حزيران، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقريراً جاء فيه بأن عناصر من نظام الأسد تتعامل مع شخصيات مرتبطة بحزب الله في لبنان على إنتاج الكبتاغون، لكن استراتيجية وزارة الخارجية الأميركية لمحاربة الكبتاغون تقتصر على التصدي لشبكات التوزيع الإجرامية خارج سوريا.
بيد أن هنالك الكثير من الأمور التي يمكن فعلها، بل لا بد من فعلها، إذ خلال هذا الأسبوع، وافقت لجنة الشؤون الخارجية بالإجماع على مشروع قرار يعرف بقانون التضييق على الإتجار غير المشروع بالكبتاغون، والذي تقدم به النائب هيل مع النائب الديمقراطي جاريد موسكوفيتش، ويسمح هذا القانون بتوسيع العقوبات المفروضة على كل متورط بتجارة الكبتاغون العالمية، ويخص عدداً من مسؤولي النظام السوري بعقوبات إضافية.
سبق أن طالب النائب هيل بزيادة التنسيق بين الولايات المتحدة ودول المنطقة بالنسبة لمشكلة الكبتاغون، وطرح القضية للمناقشة مع حكومة العراق والسعودية ومصر وتركيا، ولكن يجب على إدارة بايدن تخصيص المزيد من المعلومات الاستخباراتية وفرض النظام والقانون والموارد الدبلوماسية لمنع العراق وسوريا والميليشيات الموجودة فيهما من كسب المليارات المترتبة على الاتجار غير المشروع بالكبتاغون.
يعلق النائب هيل على ذلك بقوله: "نريد أن نقطع تلك الأموال (عنهم)"، ويخبرنا بأن سن هذا القانون لابد أن يوجه: "رسالة دبلوماسية مفادها بأن الولايات المتحدة مستعدة للضغط على نظام الأسد لتحقيق هدف من أهداف الدول العربية وهو القضاء على الاتجار بالكبتاغون ضمن هذه المنطقة".
أضحى النظام السوري اليوم أشبه بتنظيم مافيوي أكثر من كونه دولة، ولهذا ينبغي على المجتمع الدولي أن يعامله على أنه كذلك، إذا لم تتوقف سوريا عن الاستعانة بالاتجار بالكتباغون لتمويل الإرهاب إقليمياً، فلن يكون أمام طاعون المخدرات والإرهاب في المنطقة إلا أن يغدو أسوأ مما هو عليه.
المصدر: The Washington Post