أعلن أهل فتى أسترالي أن ابنهم الذي اعتقل بالخطأ في شمال شرقي سوريا بعدما أجبر على العيش وهو طفل في كنف تنظيم الدولة الإسلامية، قد فارق الحياة.
إذ على مدار سنوات عديدة، طالبت أسرة ذلك الفتى الحكومة الأسترالية بإجلاء يوسف ذهب الذي كان آخر خبر وصل منه هو تلك التوسلات التي أرسلها من أجل مساعدته في أثناء حصار تنظيم الدولة لسجن في مدينة الحسكة في كانون الثاني 2022.
يوسف ذهب في أستراليا في عام 2014
فقد أخبر محامي تلك الأسرة منظمة هيومن رايتس ووتش بأن مسؤولاً في الحكومة الأسترالية قد أبلغ أقاربه يوم 17 تموز أن ذهب، الذي بلغ الثامنة عشرة من عمره في نيسان الماضي، قد فارق الحياة لأسباب غير معروفة على وجه التأكيد.
وذكرت أسرته أنها علمت في كانون الثاني 2021 أن ابنها أصيب بمرض السل في سجن مكتظ بالسجناء للغاية يقع تحت قسد تقوم باحتجاز أشخاص سوريين وأجانب يشتبه بانتمائهم لتنظيم الدولة، كما علمت أسرة الفتى أنهم قطعوا عنه العلاج.
وفي كانون الثاني 2022، أصيب ذهب بجرح في رأسه وذراعه خلال المعركة التي شنتها قوات سوريا الديمقراطية، إلى جانب قوات التحالف الدولي الذي تترأسه الولايات المتحدة خلال معركة استعادة السيطرة على السجن وانتزاعه من يد تنظيم الدولة.
وحول ذلك تقول ليتا تايلار وهي مديرة قسم الأزمات والنزاعات لدى منظمة هيومن رايتس ووتش: "من المؤسف ألا يكون لخبر وفاة الفتى يوسف ذهب وقع مفاجئ على أستراليا وغيرها من الحكومات التي تتحمل مسؤولية رعاياها المحتجزين في ظل ظروف مريعة في شمال شرقي سوريا. ولهذا يجب أن يدفع خبر وفاته تلك الدول على إجلاء رعاياها المحتجزين هناك على الفور".
يذكر أن قوات سوريا الديمقراطية التي تتولى أمور الأمن في تلك المنطقة تحتجز اليوم في شمال شرقي سوريا ما بين 69-80 مواطناً أسترالياً، بينهم 19 امرأة و39 طفلاً مع عائلاتهم وذلك بشبهة انتمائهم لتنظيم الدولة، وذلك بحسب ما ذكره كمال دبوسي وهو محامي أسرة ذهب وغيره من المعتقلين.
بيد أن الحكومة الأسترالية السابقة لم تجل سوى ثمانية مواطنين في عام 2019، وجميعهم من الأطفال الذين يعيشون هناك دون أي مرافق من أهلهم. في حين أعلن حزب رئيس الوزراء الجديد، أنطوني ألبانيز، في عام 2019 أن الحكومة "ملتزمة أخلاقياً" بإجلاء النساء والأطفال الذين نقلوا إلى مناطق تنظيم الدولة عنوة رغماً عنهم.
وفي 18 تموز صدر عن أسرة ذهب بيان جاء فيه: "إننا اليوم بغاية الحزن والحنق، لأنه ما كان ينبغي ليوسف أن يفارق الحياة، فقد كانت الحكومة الأسترالية السابقة على علم بالمعضلة التي عاشها يوسف لأكثر من ثلاث سنوات، كما أننا لم نكن على دراية بأي جهد يمكن أن يبذل لدعمه أو العناية به أو السؤال عنه.... ولذلك نناشد حكومة ألبانيز أن تعيد من تبقى من النساء والأطفال الأستراليين، وأن تتخذ إجراء حيالهم قبل أن تُزهق روح أخرى"
ونقلت صحيفة The Australian خبراً جاء فيه: "تتفهم الصحيفة بأن السلطات الكردية والأسترالية تعتقد أن يوسف قد فارق الحياة"، وأنه يمكن أن يكون قد قتل عقب هجوم تنظيم الدولة على السجن. إلا أن الحكومة الأسترالية، والإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا لم تعلقا حتى اللحظة على نبأ وفاة ذهب. يذكر أن والد ذهب، واسمه هشام، قد توفي في المعتقل في شمال شرقي سوريا في عام 2020، ويرجح أن السل كان سبب وفاته برأي دبوسي.
الجدير بالذكر أن أكثر من 41 ألف أجنبي أتوا من أكثر من عشر دول مايزالون رهن الاحتجاز منذ 2019 على الأقل في ظل ظروف لا إنسانية بالغالب الأعم تهدد حياتهم داخل مخيمات وسجون تديرها السلطات المسؤولة عن شمال شرقي سوريا، ومعظمهم من الأطفال وغالبيتهم تحت سن الثانية عشرة، ولم يقدم أي منهم للمحاكمة للنظر في ضرورة إبقائهم رهن الاحتجاز ومدى قانونية ذلك.
كان ذهب من بين ثلاثة محتجزين قاموا بإرسال رسائل صوتية يائسة لمنظمة هيومن رايتس ووتش وذلك بعدما سيطر تنظيم الدولة على سجن سيناء في 20 كانون الثاني الماضي، حيث ذكر هؤلاء الثلاثة أنهم لا يوجد لديهم أي طعام أو ماء وأن الكثير من المعتقلين إما قتلوا أو أصيبوا في تلك العملية، إذ قال ذهب في رسالته الصوتية: "لقد أصبت في رأسي ويدي، ونزفت كثيراً، ولا يوجد أطباء هنا، ولا أي أحد بوسعه أن يساعدني، لذا فإني خائف كثيراً وبحاجة للمساعدة... أرجوكم... فقد قتل اثنان من أصدقائي أمام عيني، أحدهما في الرابعة عشرة والثاني في الخامسة عشرة من العمر... وهنالك جثث كثيرة لموتى، وكثير من الجرحى الذين يصرخون من شدة الألم".
ولذلك نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تغريدة حول قصة ذلك الفتى، إلا أنها في نشرتها الإخبارية الخاصة بشهر شباط حجبت هوية ذهب ومنعت نشرها بناء على طلب من أسرته.
ذكر ذهب أنه أصيب في هجوم شنته مروحية أميركية من نوع أباتشي، إلا أن منظمة هيومن رايتس ووتش لم تتأكد من صحة هذه المعلومة، بيد أن قوات التحالف التي تحارب تنظيم الدولة شنت غارتين جويتين وقتها، كما قدمت مؤازرة برية لقوات سوريا الديمقراطية حتى تتمكن من استعادة السجن.
وقد ساعدت القوات الخاصة البريطانية في تلك العملية، إذ تظهر الصور والفيديوهات الملتقطة عبر الأقمار الصناعية والتي قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بتحليلها مدى الضرر الكبير الذي لحق بمبنى السجن.
وفي زيارة لشمال شرقي سوريا خلال شهر أيار، طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش مرات عديدة بإجراء مقابلة مع ذهب وزيارة سجن سيناء وغيره من السجون التي يتم احتجاز أطفال فيها، إلا أن السلطات المحلية رفضت ذلك الطلب لاعتبارات لم تحددها تتصل بالأمن في تلك المنطقة.
كيف سافر الفتى إلى سوريا؟
يذكر أن ذهب ولد في جنوب غربي سيدني بأستراليا، وكان في الحادية عشرة من عمره عندما أخذه أقاربه إلى تركيا بناء على ذريعة قدمها شقيقه البالغ الذي أجبر الأسرة فيما بعد على العبور إلى سوريا بحسب ما ذكره دبوسي. وفي عام 2019، أصبح ذهب من بين أفراد العائلات التي احتجزت في أحد السجون التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية التي أخذت تحارب تنظيم الدولة.
وسرعان ما تم فصله عن أمه، فأصبح واحداً من بين 700 طفل سوري وأجنبي محتجز في سجن سيناء. وفي بداية الأمر، كان الصبيان يحتجزون برفقة رجال داخل زنزانات مكتظة بالنزلاء لدرجة أن أجسادهم كانت تتلامس في أثناء النوم.
إلا أن منظمة هيومن رايتس ووتش اكتشفت في عام 2020 و2021 أن السل والوفاة بسبب عدم معالجة الجروح والأمراض التي انتشرت في تلك السجون المخصصة لمن يشتبه بانتمائه لتنظيم الدولة أصبحت أمراً شائعاً هناك.
وفي أيار وحزيران من هذا العام، ذكر مصدر مطلع على أخبار المعتقلين للمنظمة أن العديد من الصبيان المحتجزين لم يتلقوا بعد أي رعاية طبية ملائمة بعد إصابتهم بالسل أو بجروح خطيرة تعرضوا لها في أثناء معركة سجن سيناء وقبلها.
غير أن قوات سوريا الديمقراطية ذكرت في 31 كانون الثاني بأن قرابة 500 من الكادر العامل في ذلك السجن، بالإضافة إلى مقاتلين ومدنيين ومقاتلي تنظيم الدولة وسجناء، قد قتلوا في المعركة التي كان هدفها إعادة السيطرة على سجن سيناء. إلا أن تلك الجماعة المسلحة لم تقدم أية تفاصيل حول عدد السجناء الذين قتلوا أو أصيبوا بجروح، ولم تعلل سبب ذلك بالرغم من الأسئلة التي طرحتها العديد من الهيئات الأممية للإحاطة بالموضوع، ومن بينها منظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها من المؤسسات الإعلامية والإغاثية.
المصدر: هيومن رايتس ووتش