قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إنّ اللاجئين السوريين في بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع سوريا ليس لديهم بُنى ملائمة تؤويهم خلال أشهر الشتاء القاسية.
وذكرت المنظمة في بيان نشرته عبر موقعها في الإنترنت، يوم الاثنين، أن أكثر من 15 ألف لاجئ سوريّ في عرسال يواجهون شتاءهم الثاني، في ظروف الشتاء القاسية، بما فيها درجات حرارة دون الصفر وفيضانات، من دون سقف وعزل ملائِمَيْن، وذلك منذ صدور قرار في عام 2019 عن "مجلس الدفاع الأعلى"، الذي يترأسه رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، والقاضي بتفكيك الأسقف والكتل الإسمنتية التي كانت تدعم خيم اللاجئين، وتحميهم من الأمطار والثلوج.
وقالت ميشال رندهاوا، المنسّقة الأولى لحقوق اللاجئين والمهاجرين في المنظمة: "ما تزال ظروف عيش اللاجئين السوريين في عرسال، الذين أُرغموا على تفكيك خيمهم في 2019، قاسية، بالإضافة إلى قيود الحركة للحدّ من تفشّي فيروس "كورونا"، التي تهدّد سلامتهم وحياتهم".
في ظلّ افتقادهم إلى مساكن ملائمة، وتفشي فيروس كورونا، والتضخّم المستفحل، يحتاج اللاجئون السوريون في #لبنان إلى المساعدة بشكل عاجل، خصوصا خلال أشهر الشتاء القاسية https://t.co/P9Rd0fGGtA pic.twitter.com/quZMCsPn6V
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) January 20, 2021
وأجرت المنظمة، في تشرين الثاني وكانون الأول الماضيين، مقابلات مع عينة من 7 لاجئين، كانت قابلتهم للمرّة الأولى في صيف 2019، لتقييم وقع تدمير خيمهم على مستوى معيشتهم، وتحديداً إمكانية حصولهم على مسكن ملائم خلال أشهر الشتاء.
ووصف اللاجئون السبعة الذين تمّت مقابلتهم، حياتهم بالقاسية، وأن خيمهم لا تساعد في تحمل الظروف الجوية القاسية وموادّ البناء المستخدمة فيها غير ملائمة، وقال أربعة منهم إنّ العفن تشكّل على الخشب المُستعمل في إعادة بناء الأجزاء العلوية من ملاجئهم، وذكر البعض أنّ العفن تسبّب بمشكلات صحية للأطفال ولأقرباء مُصابين بالربو.
وقالت إحدى اللاجئات للمنظمة إنّ ابنتها تسعل بسبب العفن، مضيفة: "أعطتنا "منظمة غير حكومية" شادراً واحداً لتغطية السقف، واشترينا الباقي بأنفسنا. ليس لدينا إلّا خمسة أحجار "باطون" للحماية، وما تبقّى وهو خشب. وتتسرّب المياه من تحت الجدران، وتفوح رائحة نتنة من العفن".
وأوضح بيان هيومن رايتس ووتش أن اللاجئين السوريين في لبنان واجهوا ارتفاعاً كبيراً في الأسعار والإيجارات، ما أرغمهم أحياناً على الاختيار بين شراء الطعام والحاجيات الأساسية أو تسديد الفواتير. ووفقاً للنتائج الأوّلية لعام 2020 لـ "تقييم جوانب ضعف اللاجئين السوريين في لبنان"، تبيّن أنّ الأزمة الاقتصادية وتفشي فيروس كورونا دفعا 89% من اللاجئين السوريين في لبنان إلى ما دون خطّ الفقر المدقع.
ويفتقد نصف اللاجئين السوريين في لبنان الآن إلى الأمن الغذائي. عبّر ثلاثة من اللاجئين الذين تحدّثت إليهم هيومن رايتس ووتش عن قلقهم إزاء ارتفاع تكاليف إرسال أطفالهم إلى المدارس، ودفع الإيجارات وفواتير الكهرباء. قال لاجئ سوريّ من دمشق: "ندفع إيجاراً أعلى من السابق. كنّا ندفع 125 ألف ليرة لبنانية في الشهر، في حين يصل الإيجار الآن إلى 300 ألف ليرة لبنانية في الشهر بسبب الوضع"، وفقاً لبيان هيومن رايتس ووتش.
وأكد البيان أن جميع اللاجئين السوريين الذين أجريت مقابلة معهم، عبروا عن مخاوفهم بسبب قلّة المعلومات والموارد المتوفّرة لهم لتجنّب تفشّي فيروس كورونا. وقال ثلاثة منهم إنّ مجموعة تقدّم المساعدات زارتهم مرّة فقط، منذ ظهور الوباء، وأعطتهم كمّامات ومعقّمات. وأفاد أغلبية اللاجئين بأنّهم لم يعرفوا بمَن يتّصلون أو ماذا يفعلون إذا ظهرت عوارض على أحد أفراد أسرتهم. وقال اللاجئ نفسه: "في البداية، أعطونا علبة من اللوازم لفيروس كورونا. لم يأتوا سوى مرّة واحدة. إذا مرض أحدهم، ما من أطبّاء نتّصل بهم".
وأوضح البيان أن البلديات اللبنانية تستعمل، منذ بدايات آذار، تفشي فيروس كورونا لفرض حظر تجوّل تمييزي وقيود على الحركة تنطبق فقط على اللاجئين السوريين. وعبّر أغلبية الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم عن مخاوفهم من عجزهم عن الحصول على الموارد الصحية واللوازم الأساسية وسط هذه القيود التمييزية والوصمة. وقالت لاجئة سورية للمنظمة: "الفارق بيننا وبين اللبنانيين الذين يعيشون هنا هو أنّنا لا نستطيع مغادرة منازلنا".
ووضعت مفوّضية اللاجئين ومنظمات شريكة خطط الاستجابة لفيروس كورونا لمجتمعات اللاجئين في لبنان، لكنّ مشاركة المعلومات تختلف بين المناطق. وذكرت المفوّضية أنّها ستغطّي كلفة الفحص والعلاج فقط إذا اتّصل اللاجئ أوّلا بالرقم الساخن لوزارة الصحة واتّبع التعليمات.
اقرأ أيضاً: لبنان.. وفاة سوري أحرق نفسه بسبب تردي الوضع الاقتصادي |فيديو
وعلى الرغم من ظروفهم المعيشية القاسية، لم يقُل أيّ من اللاجئين السوريين الذين تمّت مقابلتهم إنّ الوضع في سوريا آمن بما فيه الكفاية لعودتهم.
وقالت هيومن رايتس ووتش، إنّه على الحكومة اللبنانية والمنظمات والحكومات المانحة أن تضمن الحماية الكاملة لحقّ الجميع في مسكن ملائم، بما في ذلك تقديم دعم معزّز لتأهيل منازل اللاجئين السوريين للشتاء لحماية الأسر الضعيفة من العوامل الجوية، ولتمكينها من العيش بأمان وكرامة. وينبغي أن يستمرّ المانحون في حثّ الحكومة اللبنانية على مراجعة سياساتها حول الموادّ المسموحة في المخيمات غير الرسمية والسماح بتوزيع موادّ أكثر متانة لبناء الملاجئ.
اقرأ أيضاً: تفاصيل الحريق في مخيم للاجئين السوريين بعكار اللبنانية | فيديو
وقالت رندهاوا: "في ظلّ افتقادهم إلى مساكن ملائمة، وقيود الحدّ من تفشي فيروس كورونا، والتضخّم المستفحل، يحتاج اللاجئون السوريون في لبنان إلى المساعدة بشكل عاجل، خصوصا خلال هذه الأشهر القاسية في الشتاء".
يذكر أن الدولة اللبنانية فرضت على اللاجئين المقيمين في مخيمات عرسال، هدم خيمهم، وأصدر المجلس الأعلى للدفاع، الذي يبقي قراراته سريّة، في نيسان عام 2019، قراراً بهدم مساكن بناها لاجئون سوريون في المخيمات العشوائية باستثناء تلك المصنوعة من الأخشاب والشوادر البلاستيكية.
ويعيش أكثر مِن 60 ألف لاجئ سوري في مخيمات بلدة عرسال اللبنانية، ووضعهم يزداد سوءاً مع انقطاع الطرقات المؤدية للمخيم دون أي تحرك من السلطات اللبنانية، في ظل ظروف إنسانية صعبة وفقدان وسائل التدفئة، والمعاناة مِن الأمراض بسبب البرد.
الجدير بالذكر، أنه في كل فصل شتاء مِن كل عام يعاني ساكنو المخيمات في الشمال السوري وعلى الحدود اللبنانية مِن الأحوال الجوية السيئة (أمطار وثلوج وسيول وفيضانات)، وسط مناشدات مستمرة للمنظمات الإنسانية والمجالس المحلية لتخفيف المعاناة وتوفير الأدوية ووسائل التدفئة، ولكن دون جدوى.
ويشار إلى أن اللاجئين السوريين في لبنان، يتعرضون لاعتقال مِن السلطات اللبنانية بتهم مختلفة، كما يعانون من ظروف إنسانية صعبة، وتقدر أعدادهم في لبنان بـ نحو "مليون ومئة ألف" لاجئ سوري، في ظل مواصلة السلطات اللبنانية بإعادة السوريين إلى بلادهم وفق ما تقول بأنها "عودة طوعية".
اقرأ أيضاً: قطعةٌ من جحيم.. حال مخيم السوريين بعد إحراقه في لبنان |فيديو
حالات الاعتداء على اللاجئين السوريين في لبنان ومخيماتها باتت أمراً شائعاً، إذ يتعرضون بين الحين والآخر لـ هجوم من موالين لـ ميليشيات "حزب الله" أو من الجيش اللبناني نفسه، كما حدث سابقاً في مخيمات عرسال الحدودية مع سوريا، وتأتي هذه الاعتداءات في إطار دفع أكبر عدد ممكن من اللاجئين السوريين للعودة إلى مناطق سيطرة نظام الأسد، في حين تتخوف نسبة كبيرة من اللاجئين من دخول الأراضي السورية خوفاً من الاعتقال والقتل.