نجح معظم الأطفال الذين تم إجلاؤهم من مخيمات أهالي عناصر تنظيم الدولة في شمال شرقي سوريا بالاندماج من جديد ضمن بلدانهم الأصلية وفقاً لما أوردته منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها صدر اليوم، وقالت المنظمة "ولهذا ينبغي على الحكومات أن تزيل أي عائق يقف في طريق الاندماج الفعال لهؤلاء الأطفال، مع ضمان عدم تسبب السياسات التي تقضي بإعادتهم بأي ضرر يمكن تفاديه قد يخلف أضراراً على صحتهم وسلامتهم".
يوثق التقرير المؤلف من 63 صفحة تحت عنوان: "ابني هو مجرد طفل آخر: تجارب الأطفال الذين تم إجلاؤهم من مخيمات عناصر تنظيم الدولة وأهاليهم في شمال شرقي سوريا" تجارب ما يقارب من 100 طفل تم إجلاؤهم أو إعادتهم إلى فرنسا أو ألمانيا، أو كازاخستان، أو هولندا، أو السويد، أو المملكة المتحدة، أو أوزبكستان، وذلك خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2019 و2022. إذ تبين لهيومن رايتس ووتش بأنه على الرغم من مرور سنوات من الحبس في ظل ظروف تهدد حياتهم بسبب عدم وجود ما يكفي من الماء أو الغذاء أو الرعاية الصحية، مع حرمانهم من التعليم، أو قلته، يبدو بأن غالبية الأطفال تأقلموا بشكل جيد وبات أداؤهم في المدرسة رائعاً. وكثير منهم تمكنوا من الاندماج بشكل سلس وباتوا يستمتعون بأنشطة عديدة برفقة نظرائهم، والتي تشمل كرة القدم والتزلج وركوب الدراجات والرقص والفنون اليدوية والموسيقا.
فرصة جديدة للأطفال في الهول
وحول ذلك علقت جو بيكر رئيسة قسم مناصرة حقوق الطفل لدى هيومن رايتس ووتش، فقالت: "إن الأطفال الذين تم إنقاذهم من الرعب في تلك المخيمات أصبح أداؤهم جيداً في المدرسة، حيث أقاموا صداقات، وأسسوا حياتهم من جديد في أوطانهم. وعلى الرغم من المعاناة المستمرة التي لا يمكن لأحد أن يتخيل حجمها، استطاع غالبيتهم من الاندماج كما أصبح أداؤهم جيداً بصورة ملحوظة".
أجرت هيومن رايتس ووتش مسحاً شمل 81 فرداً من تلك العائلات، وآباء وأمهات بالتبني، وعاملين في المجال الاجتماعي، ومعلمين، حيث أجرت مقابلات مع أفراد تلك العائلات ومع محامين وأشخاص حصلوا على حق الحضانة بحكم القانون، ومع متخصصين في مجال الصحة العقلية، وسألوهم عن الأطفال الذين تمت إعادتهم أو إجلاؤهم. ولدى سؤالهم عن مدى تأقلم الطفل، ذكر 89% من المشاركين في ذلك المسح بأن أداء الطفل كان: "جيداً جداً"، أو "جيداً". فيما أورد 73% منهم بأن أداء الطفل كان "جيداً جداً أو "جيداً" في المدرسة.
قال جد عدد من الأطفال الذين تم إجلاؤهم إلى السويد في عام 2019 : "من المحتمل جداً أن يندمج الأطفال وأن تعود لهم عافيتهم، وأحفادي خير دليل على ذلك، فقد استعادوا عافيتهم بطريقة مذهلة... لهذا يجب أن يتاح المجال لجميع الأطفال حتى يحصلوا على فرصة جديدة في الحياة".
يذكر أن 56 ألف شخص تقريباً، معظمهم من النساء والأطفال قد تم حبسهم بشكل عشوائي في مخيمي الهول والروج، وهما أكبر مخيمين مغلقين مخصصين لزوجات وأطفال عناصر تنظيم الدولة في شمال شرقي سوريا، بينهم أكثر من 18 ألفاً تعود أصولهم إلى سوريا، وتقريباً 28 ألفاً تعود أصولهم للجارة العراق، وأكثر من عشرة آلاف تعود أصولهم لنحو 60 دولة أخرى، إلا أن أكثر من 60% منهم من الأطفال.
وغالبيتهم احتجزوا خلال الفترة الواقعة ما بين شهري شباط وآذار من عام 2019، وذلك عندما أسقط التحالف الدولي العسكري الذي تترأسه الولايات المتحدة آخر معقل تبقى بيد تنظيم الدولة في شمال شرقي سوريا. أي أن الاعتقال كما هو واضح حدث بشكل اعتباطي وعشوائي وغير قانوني بحسب رأي هيومن رايتس ووتش، كما أن أياً من المحتجزين لم تجر له محاكمة لتقر بضرورة اعتقاله أو مشروعيته.
تقل أعمار 80% تقريباً من الأطفال في هذين المخيمين عن 12 عاماً، و30% منهم تتراوح أعمارهم ما بين خمس سنوات فما دون. وغالبيتهم أمضى جل حياته، إن لم يمضها كلها، وهو محتجز بشكل مخالف للقانون في شمال شرقي سوريا ضمن ما يرقى لأسلوب العقاب الجماعي، وفي ذلك جريمة حرب.
وسبق أن ذكرت "الإدارة الذاتية" لشمال وشرقي سوريا غير مرة بأنها لا تملك الموارد لتواصل احتجاز الأجانب، ولهذا طلبت من دولهم إجلاءهم. كما طالب كبار المسؤولين لدى الأمم المتحدة في مناسبات عديدة حكومات الدول بإجلاء مواطنيها، إلا أن معظم الدول تقاعست أو رفضت إجلاء أي منهم وإعادته إليها.
سياسات إجلاء معقدة من مخيم الهول
بيد أن هيومن رايتس ووتش ذكرت أيضاً بأن الخيارات السياسية التي اختارتها الدول التي قامت بإجلاء مواطنيها قد صعبت أمر الاندماج على الأطفال، كما تسببت بمزيد من الضرر في بعض الحالات. إذ في بعض البلدان ومنها بلجيكا وفرنسا وهولندا والسويد، قامت السلطات وعلى الفور بفصل الأطفال عن أمهاتهم في حال خضوع الأم للتحقيق أو اتهامها بجرائم تتصل بتنظيم الدولة، وقد تسبب ذلك بكرب عاطفي ونفسي شديد للأطفال، بحسب ما ذكره أهاليهم ومتخصصون في مجال الصحة العقلية.
وفي دول أخرى، تعرض أفراد من العائلة، مثل الأجداد، إلى تحقيقات مطولة قبل أن يسمح لهم بالعناية بمن عاد من الأطفال أو التواصل معهم، حتى في حال تواصل هؤلاء الأشخاص مع السلطات طوال سنوات بخصوص هذا الأمر. فقد استشهدت هيومن رايتس ووتش بقضية بنت وصلت إلى فرنسا وهي بعمر الخامسة لكنها أمضت 3 سنوات برعاية أسرة بالتبني قبل أن يسمح لجديها بالاعتناء بها. إذ قد يساعد التواصل مع أفراد الأسرة في أسرع وقت ممكن على تأمين حالة من الاستقرار مع دعم عملية الاندماج بشكل ناجح، لاسيما في حال كان والدا الطفل متوفيين أو معتقلين، بحسب ما ذكرته هيومن رايتس ووتش.
ذكر الأشخاص المشاركون في المسح ومن أجرت معهم المنظمة مقابلات بأنه بوسع الحكومات تحسين وضع اندماج الأطفال عبر تسريع عملية تأمين شهادات الميلاد والهويات الشخصية وغير ذلك من الوثائق.
إذ تبين لهيومن رايتس ووتش بأن بعض الأطفال قد أبدوا مشكلات عاطفية وسلوكية بسبب الصدمة التي تعرضوا لها أثناء عيشهم تحت حكم تنظيم الدولة أو في مخيمات الاعتقال، أو بسبب معاناتهم ليواكبوا ما فاتهم في المدرسة. إلا أن المتخصصين في مجال الصحة العقلية أكدوا بأن المساعدة التعليمية والدعم النفسي المقدمين لأطفال آخرين نجوا من الحروب أو بعد فقدان أحبائهم، أو من الأسر، مثل هؤلاء الذين عاشوا تجربة اللجوء أو تعرضوا لعملية اتجار بالبشر، من المحتمل لها بشكل كبير أن تسهل عملية اندماجهم بشكل ناجح.
تقاعس في عمليات الإجلاء
منذ عام 2019، قامت ثلاثون دولة تقريباً بإجلاء أو العمل على إعادة بعض أو كثير من مواطنيها المحتجزين في هذين المخيمين. وبعض تلك الدول، وبينها الدنمارك وفنلندا وألمانيا وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا والسويد وطاجيكستان والولايات المتحدة وأوزبكستان، قد أجلت حتى الآن أغلب أو معظم مواطنيها. بيد أن روسيا ودول آسيا الوسطى قد أجلت معاً ما يقارب من ألف طفل، أي ضعف ما أجلته سائر الدول الغربية مجتمعة.
وبالمقابل، لم تقم المملكة المتحدة بإجلاء إلا عشرة أطفال، حيث تركت نحو 30 إلى 60 طفلا آخرين في هذين المخيمين، كما جردت العديد ممن تبقى من النساء البالغ عددهم 16 من الجنسية البريطانية. في حين أعادت كندا أو قبلت بإعادة أربعة أطفال وثلاث نساء فقط، بوجود ما يقدر عدده بـ23 طفلاً و19 امرأة ظلوا في هذين المخيمين.
زادت فرنسا من عمليات الإجلاء التي نفذتها خلال النصف الثاني من عام 2022، حيث جلبت 32 امرأة و77 طفلاً منذ تموز الماضي. وفي شهر تشرين الأول، أعادت أستراليا أربعة نساء و13 طفلاً، ضمن أول عملية إجلاء لها منذ عام 2019. في حين أجلت هولندا 12 امرأة و28 طفلاً في 31 تشرين الأول الفائت.
يحذر خبراء في مجال الأمن والجوانب الإنسانية من تدهور الظروف في مخيمات الاحتجاز بما أنها مزرية بالأصل، لتتحول إلى ظروف خطيرة بالفعل، وذلك في الوقت الذي هاجم فيها محتجزون موالون لتنظيم الدولة محتجزين آخرين، فوقعت صدامات بين السلطات القائمة على إدارة المخيمات والعاملين في مجال تقديم المساعدات والحرس من جهة وبين المحتجزين من جهة أخرى. كما توفي المئات من الأطفال في هذين المخيمين خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية، وكانت أهم أسباب الوفاة عضة الصقيع أو سوء التغذية أو الأمراض التي يمكن الوقاية منها.
وحول ذلك تعلق بيكر بالقول: "لا يتمثل أكبر خطر بإعادة الأطفال إلى بلادهم بل بتركهم في هذه المخيمات حيث يتعرضون لخطر الموت والمرض والتجنيد من قبل تنظيم الدولة والاعتقال لأجل غير مسمى بسبب جرائم يُعتقد بأن أهاليهم هم من ارتكبوها... ولهذا يتعين على الدول التي يوجد فيها مواطنون في هذين المخيمين أن تسمح لهم وعلى الفور بالعودة إلى بلدهم، وأن تسعى جاهدة لإبقاء الأطفال مع أمهاتهم".
المصدر: Human Rights Watch