تحقق السلطات الهولندية مع لاجئ سوري مشتبه بانضمامه لحركة "أحرار الشام" الإسلامية المعارضة، التي دعمتها الحكومة الهولندية سابقاً، ولا زالت تصنفها وزارة خارجيتها حتى الآن كحركة معتدلة .
وبحسب تقرير لصحيفة "الخمين داخبلاد" فإن اللاجئ السوري محمد ب (44 سنة) الذي يعيش في هولندا منذ أربع سنوات مع زوجته وطفله، اعتقل قبل ثلاثة أشهر في مدينة ريسن في مقاطعة أوفرايسل بعد أن تلقت الشرطة إبلاغاً (على الأرجح) من سوري آخر.
ويقول ذلك الشاهد إن محمد كان قائداً في حركة "أحرار الشام" في سوريا قبل مجيئه إلى هولندا، وبحسب الصحيفة الهولندية من الممكن أن يكون محمد متورطاً في عملية اختطاف وإدارة أموال الحركة الإسلامية.
وأجرت الشرطة الهولندية عدة تحقيقات توصلت خلالها إلى صورة يظهر فيها محمد مع اثنين من قادة "أحرار الشام"، وصور أخرى يظهر فيها مسلحاً يحمل قاذفة صواريخ، كما تبين في الجلسة الأولى للمحاكمة بمحكمة روتردام يوم الجمعة الماضي.
يقول محمد وهو يرتجف وعيناه تدمعان إن "ذلك ليس صحيحاً"، ويضيف باكياً خلال استماعه إلى الاتهامات "قضيت عامين في غرفة منفردة في السجن بسوريا لأنني كنت أعارض نظام الأسد".
ويتابع اللاجئ السوري: "عندما بدأت الثورة (..) انضممت إلى المظاهرات واعتقلت مرة أخرى.. ثم قررت مغادرة سوريا".
اقرأ أيضاً: ملاحقة "الشبيحة" في هولندا.. تحقيق يكشف هوية 3 ارتكبوا جرائم
ويُقال أيضاً، وفقاً للصحيفة الهولندية، إن محمد أُصيب بجروح خطيرة في غارة جوية على مسقط رأسه في حلب.
بدوره أشار محامي "هناك أسلحة في كل مكان في سوريا (..) هذه الصور التقطت في المنازل وليس خلال المعارك".
وعن الصورة مع قيادات "أحرار الشام"، يقول المحامي "كان ذلك اللقاء صدفة (..) كما يلتقي أي شخص بمغني مشهور ويلتقط صورة معه".
وبحسب الصحيفة الهولندية ما فعله محمد بالضبط في سوريا لا يزال "غير واضح"، ويؤكد محمد: "أنا بالتأكيد لست متطرفًا".
ومحمد ليس أول طالب لجوء سوري في هولندا يتعين عليه تحمل مسؤولية أفعاله (المحتملة) في سوريا، فقد مثل مؤخراً سبعة سوريين آخرين أمام المحكمة بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" أو الانتماء إلى منظمة "إرهابية" في السنوات الأخيرة.
ونتج عن ذلك، حسب الصحيفة، حكمان بالبراءة وحالة إدانة واحدة حتى الآن، أما القضايا الأخرى فلا تزال التحقيقات جارية فيها حيث توجد في بعضها صور مروعة كدليل ضد المتهمين مثل "إعدام أسرى أو تمثيل بجثث".
لكن اللافت أن حركة "أحرار الشام"، الذي يُتهم محمد بالانضمام لها، هي "جماعة جهادية مقاتلة ارتكبت جرائم وروعت السكان" وبالتالي هي جماعة "إرهابية"، حسب "النيابة العامة الهولندية"، لكن في الوقت ذاته، فإن وزارة الخارجية الهولندية تعتبرها حركة "معتدلة".
وسابقاً، قدمت وزارة الخارجية الهولندية نفسها مليوني يورو دعماً لمشروع سلام في سوريا، والوجه البارز لتلك الحملة كان هو المتحدث باسم حركة "أحرار الشام" حتى عام 2017.
وقضت المحكمة بأن محمد سيبقى قيد التوقيف في الوقت الحالي، وسيتم اتخاذ قرار جديد في غضون ثلاثة أشهر، بحسب الصحيفة الهولندية.
سياسة "أحادية الجانب"
وينتقد معظم السوريين في هولندا تغاضي السلطات الهولندية عن أنصار الأسد المتهمين بارتكاب "جرائم حرب"، في وقت تركز فيه مراقبتها على السوريين القادمين من المناطق الثائرة خشية أن يكون بينهم "إرهابيون".
والشهر الماضي، انتقدت المحامية الهولندية فريدريك دول في مقال كتبته في صحيفة "NRC Handelsblad" الهولندية، السياسة الأحادية الجانب من قبل السلطات الهولندية إزاء اللاجئين السوريين المتهمين بارتكاب جرائم في سوريا.
وتقول المحامية الهولندية المتخصصة في قضايا الإرهاب": "قرأنا قبل فترة في تحقيق صحفي كيف انتهى المطاف بالعشرات من أنصار الأسد كلاجئين في هولندا، الأمر الذي أثار قلق العديد من السوريين هنا"، مشيرة إلى أنه "على الرغم من ذلك لم تتم محاكمة أي شخص في هولندا قاتل إلى جانب الأسد".
وأضافت "أدرك هذا من خلال ممارستي لعملي، حيث أساعد اللاجئين السوريين، ومن بين السوريين الذين حوكموا أمام النيابة، شبان جاؤوا من مناطق متمردة وتعرضوا أحياناً للاعتقال والتعذيب على أيدي مقاتلي نظام الأسد أو الجماعات المتطوعة التابعة للنظام حيث قُصفت القرى التي كانوا يعيشون فيها بينما كان المجتمع الدولي يراقب".
اقرأ أيضاً: هولندا تستعين باتفاقية مناهضة التعذيب لمحاسبة نظام الأسد
وتابعت المحامية الهولندية في مقالها "تضع إدارة الهجرة والتجنيس (IND) وإدارة التحقيقات الجنائية هؤلاء اللاجئين السوريين واستخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي تحت عدسة مكبرة.. خوفاً من تسلل الجهاديين في صفوف اللاجئين"، وتضيف "لكن يبدو أن السوريين الذين قاتلوا إلى جانب الأسد يحظون باهتمام أقل".
وأشارت فريدريك في مقالها إلى أن "كثيرا من السوريين أبدوا على وسائل التواصل الاجتماعي كراهيتهم للنظام وتعاطفهم مع المقاومة المسلحة (..)، أحياناً بسبب الغضب، لكن هذا لا يعني أنهم ينتمون إلى منظمة إرهابية".
وأكدت المحامية الهولندية أن "هناك حاجة ماسة إلى سياسة أكثر توازناً خلال التحقيق مع اللاجئين السوريين ومقاضاتهم على أفعال يُزعم أنها حدثت في الحرب السورية، بالإضافة إلى ذلك، يجب إشراك خبراء خارجيين في هذه التحقيقات وإعادة تقييم إمكانيات البحث الدقيق في سوريا"، مضيفةً: "يجب علينا أيضاً ضمان ألا يكون ضحايا الحرب في هولندا هم مجرمي الحرب".