يُطلق مسمى "الحشد" على مجموعة من الناس يشتركون في الهوية والأهداف، تتجاوز العشرين شخصًا، وتجتمع في مكان واحد وزمان محدّد وهدف واحد، وكانت كثافتهم في المكان متساوية، ويتصرّفون بطريقة موحّدة.
إذن فالتجمّعات البشرية، الدينية والرياضية والمظاهرات والمهرجانات... جميعها تجذب الحشود، وأبرز الحشود في هذه الفترة هما الحجّ الإسلامي في مكة المكرّمة، وبطولة أمم أوروبا لكرة القدم في ألمانيا.
أما علم إدارة الحشود، فيشمل مفهوم هندسة الحشود العديد من التخصّصات التي تعمل معًا من أجل فهم حركة الجماهير وتصميم بيئات آمنة للتجمّعات البشرية، ويجمع هذا المجال بين الهندسة المعمارية وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلوم الحاسوب والرياضيات بالدرجة الأولى كما يمكن أن يشمل الفيزياء، والجيولوجيا، وعلوم المناخ، وتخطيط المدن، والشبكات.
أمّا إدارة الحشود هي جملة عمليّات التخطيط والإشراف على التجمّعات الجماهيرية في المناسبات والأحداث العامّة، وتبدأ من تقييم مكان التجمّع قبل انطلاق الحدَث (وفي بعض الأحيان تصميم المكان من الصفر) وتجهيزه من المدخل حتى المخرج، دون الاكتفاء بالإشراف على الجماهير في منطقة التجمّع فحسب، بل يشمل إدارة تدفّق الناس باتّجاه مكان التجمّع، وانتشارهم بعد الانتهاء.
التخطيط والإشراف على الحشود
في الغالب تكون ساحة التجمّع موجودة وما يمكن فعله عمرانيًا هو إجراء تعديلات على المداخل والمخارج، وهناك بعض الحالات التي يحالف المخططين فيها الحظّ ويستطيعون إنشاء المكان وتصميمه من الصفر مثل بعض ملاعب بطولة العالم في قطر 2022. أما في حالة الحج لدى المسلمين إلى مكة المكرمة؛ فبالرغم من أنّ مشاريع توسعة الحرم مستمرّة على الدوام إلا أنّ مكان الكعبة المشرّفة ثابت ويجب الحفاظ على الكثير من المعالم حولها، ما يعني مرونةً أقلّ في التخطيط والتعديل العمراني هناك.
قبل جميع الاستعدادات على أرض الواقع، يجب أن يسبق الحدَث دراسات ميدانية ونظريّة لكلّ الظروف المحيطة بالحدّث وجمهوره، حيث يجب:
- معرفة أهداف الحشد والخلفية التاريخية والثقافية له.
- معرفة أعداد الحشد وأوقات تجمّعه وأوقات فضّه.
- تحديد كلّ المعلومات الديموغرافية الممكنة عن الجمهور (الشرائح العمرية، الجنس، الجنسية، اللغة، الخ)
- الإحاطة بدرجة تجانس أفراد الحشد، ومدى توافق أو تعارض المجموعات الجزئية منه.
- معرفة حجم المجموعات الجزئية في الحشد ومستوى التفاعل فيما بينها.
- دراسة شاملة لطبوغرافيا المكان والمخطّطات العمرانية شاملةً المداخل والمخارج والطرقات والمواصلات والقدرة الاستيعابية لكلّ جزء منها، وحالة الطقس المتوقّعة أثناء الحدث.
كلّ هذه التحضيرات والمعلومات والدراسات يلزم لإعدادها فرق متخصّصة يرافقها فريق تقني يجيد إجراء المحاكاة الحاسوبية لكلّ السيناريوهات المحتملة واستخلاص التوصيات لإجراء تعديلات على البنى التحتية وخطط الإخلاء وغيرها.
تتمتّع الأحداث ذات الطبيعة التكرارية بأفضلية رائعة جدًا وهي أنّ إدارة الحشد لا تتطلّب اللجوء للمحاكاة الحاسوبية من أجل اكتشاف المشكلات والبحث عن حلول لها، حيث إنّ تكرار تنظيم الحدث يعطي كمية كبيرة جدًا من البيانات الحقيقية التي يمكن تحليلها بشكلٍ دقيق واستخلاص معلومات أكثر فائدةً من تلك المستخلصة عن طريق المحاكاة، وهذا ما نراه في مواسم الحجّ التي تتكرّر بالأعداد نفسها كلّ عام بالإضافة إلى اعتبار مواسم العمرة نماذج مصغرة عن الحج، وكذلك البطولات الرياضية، والمهرجانات السنوية.
جمع بيانات الحشود
بما أنَّ التخطيط لإدارة الحشد يحتاج دراسات فهذا يقودنا إلى السؤال: كيف نحصل على بيانات كافية عن الحشد، سواء كان قبل الحدّث أو أثناءه؟
في المثالين الحاليين: الحج وبطولة ألمانيا، لدينا في كليهما كميات كبيرة من البيانات الموثوقة التي يمكن الاعتماد عليها في التخطيط، حيث تمتلك سلطات كلّ من السعودية وألمانيا بيانات عن المشاركين في الحدث لأنهم جميعًا حصلوا على تأشيرات رسمية تمّ جمع الكثير من المعلومات عن حامليها قُبيل دخولهم البلد.
أمّا أثناء الحدث فتوجد العديد من الوسائل لجمع المعلومات، أهمّها الأجهزة الذكية التي يحملها أفراد الجمهور، ثمّ لدينا كاميرات المراقبة المنتشرة في كلّ مكان، وكذلك الطائرات من دون طيار التي تغطي الأماكن المكشوفة.
بالنسبة لأساليب إدارة الحشد، يعتبر أسلوب النمذجة الرياضية من أهم تلك الأساليب، حيث توضع سيناريوهات محتملة ودراستها وتصميم حلول للمشكلات التي قد تنشأ.
الأسلوب الثاني، هو جمع البيانات من شبكات التواصل الاجتماعي من أفراد الحشد نفسه، حيث يمكن مراقبة الحشد كاملًا ومراقبة الأفراد فردًا فردًا من خلال ما ينشرونه عبر الشبكات الاجتماعية، وعبر الهندسة الاجتماعية يمكن الخروج بتنبؤات حول سلوك الحشد أو جماعة منه. يُذكر أن أسلوب الحصول على معلومات من الشبكات الاجتماعية يُستخدم أيضًا في رصد الزلازل والكوارث الطبيعية لأنّ الناس ينشرون تغريدات أسرع ممّا يمكن لوكالات الأخبار أن تنقل خبرًا ما.
الثالث، هو البنية التحتية القوية المتكاملة، وهذا الأسلوب يعتمد على جمع البيانات في الوقت الحقيقي عبر كاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار التي يمكنها أن ترصد بيانات لا تخطر في البال، مثل مستوى التعرّق لأفراد الحشد، هذا الأسلوب فعال جدًا لكنه الأعلى كلفة.
استراتيجيات وآليات إدارة الأزمات
تتوقّع الأمم المتحدة أن يناهز عدد سكان العالم العشرة مليارات نسمة في عام 2050 منهم 68 بالمئة يقطنون المدن، ممّا يعني أنّ أي إعلان محل بقالة صغير عن تخفيضات في الأسعار سيؤدي إلى تكوّن حشدٍ ما، بالتالي يجب أن تكون هناك آليات متنوّعة لإدارة الأزمات، وهذه الآليات هي:
- تجنّب المخاطرة: فإذا كان هناك احتمال لوقوع حوادث وأضرار يجب إلغاء الحدث والتجمّع.
- نقل المخاطرة: أي تغيير مكان الحدث إلى مكان أكثر ملاءمة.
- التخفيف من المخاطرة: عبر اتّخاذ سلسلة من الإجراءات الرقابية.
- القبول بالمخاطرة: عند عدم إمكانية تطبيق أي ممّا سبق يجب الاستعداد لتبعات وقوع الحوادث وتهيئة الرأي العامّ لتقبّلها.
وبكل الأحوال يجب أن تكون خطة الطوارئ حاضرة أثناء الاستعداد لإدارة الحشود، وعناصر خطة الطوارئ هي:
- قوّة احتياطية من العناصر البشرية.
- نظام اتّصالات سريع وقوي وفعال.
- تحديد أخطر النقاط في الميدان وتشديد المراقبة حولها.
- معرفة سلسلة اتّخاذ القرارات.
- توفير خارطة طريق لحالات الطوارئ في متناول كلّ أفراد الفريق.
ما أسباب الحوادث؟
من أهمّ أساليب تجنّب الحوادث هي معرفة أسباب الحوادث السابقة ودراستها وتحليلها، حيث تحصل الحوادث نتيجة مجموعة أو سلسلة من الأخطاء في التخطيط والتصميم، ولا يُقصد بالتخطيط فقط التخطيط العمراني، بل تخطيط الحدث كله بما يشمل العمران وحتى التخطيط النفسي، ومن أسباب الحوادث البارزة:
- انهيار الهياكل والمنصّات المؤقتة.
- الأرضيات السيئة.
- تسلّق الحشد على المعدّات والهياكل والأسوار.
- الاندفاع والضغط على الجدران والأبواب.
- وجود مصادر للنار.
- عدم توزيع الحشد على مساحة الميدان بشكل متجانس.
- تعطّل البوّابات والجسور.
- عرقلة الحشود بالدخلاء مثل الباعة الجوّالين.
- سوء توزيع الحواجز ونقاط الدخول والخروج.
- عدم وجود دليل إرشادي أو وجود لافتات غير مفهومة.
- ضعف أنظمة المرور.
- فشل أنظمة الإدارة والتحكّم، وانقطاع الاتّصالات أو الكهرباء.
- وصول أعداد من الحشود تفوق الأعداد المتوقعة أو المخطّط لها.
في النهاية وبالنظر إلى المثالين الأحدث للحشود (الحج في مكّة المكرّمة وبطولة أمم أوروبا في ألمانيا)، نجد أنّ أسباب الفشل في إدارة الحشود والحوادث التي رافقت الحدثين لم تكن غير متوقّعة، وما حصل كان بالإمكان تجنّبه عبر التخطيط السليم والاستفادة من التجارب السابقة في كلّ من الحدثين، حيث إنّ الحجّاج غير النظاميين لم يهبطوا من السماء إنّما دخلوا المملكة رسميّاً، فبياناتهم موجودة لدى السلطات المعنية، وكذلك الجمهور المشاغب في مباراة إنكلترا وصربيا معروف لدى القاصي والداني بأنّه من أكثر الجماهير شغبًا في العالم!