موريا قرية يونانية على جزيرة ليسبوس كانت مشهورة في ما مضى بجمال شواطئها ومواقعها الأثرية. القرية النائمة على ضفاف المتوسط راكمت شهرة أخرى مختلفة على مر السنوات القليلة الماضية، بسبب مخيم للمهاجرين أقيم على أراضيها وحمل اسمها. المخيم المقام على أراضي قاعدة عسكرية قديمة، احتل عناوين الأخبار لفترة من الزمن نتيجة الفظاعات المرتكبة داخله ضد المهاجرين. مهاجر نيوز توجه إلى جزيرة ليسبوس، وتحديداً إلى مخيم موريا، ليقف على حقيقة ما يجري هناك ويستمع لقصص المهاجرين المقيمين فيه.
في المقهى المقابل لمدخل موريا الرئيسي، تتوزع مجموعات من المهاجرين وطالبي اللجوء حيث الطاولات المنثورة في ساحة صغيرة. عرب وأفغان وأكراد وأفارقة، لغات كثيرة تتداخل في الأحاديث. على إحدى تلك الطاولات كان هشام بانتظارنا.
تبدو على هشام علامات التعب الواضحة، الرجل يبلغ من العمر 27 عاما، مع ذلك تلوح على وجهه سنوات من التنقل والترحال.
بادرنا بالحديث مباشرة، "لا يمكننا الإطالة كثيرا هنا. لا أريد أن أظهر وكأني أتحدث للصحافة. هناك أمور كثيرة ستعرفونها خلال تمضيتكم الوقت هنا".
بعد قليل، انضم إلينا مهاجران آخران صديقان لهشام، وقادمان من نفس بلده. محمد وأمجد، شابان يبلغان من العمر 23 عاما، وصلا سوية إلى اليونان قبل سبعة أشهر.
لم يلبث له أن جلس على الكرسي حتى قال أمجد "لا يمكن التحدث بهذا المكان بحرية، أنتم صحفيون ونحن مقيمون في هذا المخيم. إذا عرف رجال الأمن بأننا نتحدث إليكم لن يتركونا بحالنا".
الملاحظة بحد ذاتها سمّمت الجو. بعد قليل انضم إلينا ثلاثة مهاجرين أفارقة، ليونيل وآلان وألكس، جميعهم من غرب أفريقيا. ما لبث لهم أن جلسوا حتى بادرونا بالملاحظة التالية "لا نريد أن نظهر ونحن نتحدث للصحافة، فهذا خطر علينا".
استشعارا بقلق المهاجرين، غيرنا المكان، انتقلنا للوقوف أمام مدخل آخر للمخيم غير بعيد ولا يقف أمامه رجال الشرطة والأمن. "أقول لكم، أي مهاجر هنا يضبط وهو يتواصل مع الصحافة يواجه خطر الترحيل إلى تركيا"، وفقاً لليونيل الذي أضاف "مهما كانت الظروف، لا أريد العودة إلى تركيا، لا أريد العودة لذلك الجحيم".
توالت قصص المهاجرين جميعا حول المخيم وظروفه، المهاجرون العرب الثلاثة أكدوا ما قاله المهاجرون الأفارقة من ناحية الترحيل. وأورد محمد خلال الحديث قصة حدثت معه شخصيا متعلقة بالصحافة والشرطة والجو الأمني الذي يعيشونه "قبل شهرين، جاء صحفي من إحدى القنوات الأجنبية، تواصل معي والتقيت به في المقهى الذي كنا نجلس فيه. لقاءاتنا دامت ثلاث أو أربع مرات. بعد ذلك، استدعاني رجال الشرطة إلى مركزهم هنا عند مدخل المخيم، سألوني ما إذا كان هذا الشخص صحفياً وما إذا كنت أتحدث معه عن ظروف المخيم اليومية. بكل براءة أجبت نعم، حينها هددني أحدهم بأنني لو استمريت بذلك فسيتم ترحيلي بالقوة إلى تركيا. لا أريد العودة إلى تركيا، لا أريد الموت هناك".
"لا نريد العودة إلى تركيا"
خوف المهاجرين من الشرطة وتركيا أضاف عليه أمجد بعض التفاصيل "لماذا نخاف من الترحيل إلى تركيا؟ في تركيا لا نستطيع العمل، لا نستطيع التنقل، إذا وجدنا عملا فسيكون لساعات طويلة قد تتخطى الـ12 ساعة يومية بأجر زهيد جدا. ناهيك عن الإهانات والتهديدات الدائمة التي نتعرض لها. نعرف أشخاصا رفضوا التعامل مع إحدى المافيات التركية في المنطقة التي كنا نسكن فيها، تمت تصفيتهم جسديا. العالم لا يعرف خبايا حياة المهاجرين اليومية هناك".
عبد الرحمن، مهاجر سوري موجود في موريا منذ نحو عام، رغبته بمعرفة ماذا يدور من حوار بيننا وبين المهاجرين المتنوعين الواقفين معنا جاءت به لينضم للحديث. "أقول لك، أنا اعتقلت في سوريا، ولكن كل ما مررت به هناك لا يقاس بالحياة في موريا، هنا الجحيم على الأرض".
في جولة سريعة داخل المخيم، يبدو الحزن والإحباط مسيطرين على وجوه جميع الناس فيه. لا يمكن للمهاجرين القيام بأي شيء هناك. البرنامج اليومي يتمثل بتمضية الوقت خلال النهار بين التجول بين الخيم، أو الذهاب للمدينة للتبضع ببعض حاجيات الطعام، أو لعب الداما والورق والطاولة.
خلال الجولة في الأزقة الداخلية، وجدنا المئات من المهاجرين، أفارقة وأفغاناً وباكستانيين وعرباً، جميعهم أمام خيمهم ينتظرون شيئا ما، لا يعرفون ما هو.
في أحد الأزقة، بالقرب من موقع الحريق الذي اندلع نهاية الأسبوع الماضي، صودف مرور شرطيين يونانيين، الخوف سيطر على المهاجرين المرافقين لنا، بسرعة أعطوا التعليمات "فلنتفرق، لن نمشي جميعنا مع بعض، عليكما أنتما (موفدا مهاجر نيوز) السير وحدكما قليلا. إذا ضبطنا معكما سننكر معرفتنا بكما".
اعتداءات من قبل الشرطة على المهاجرين
بعد مرور الشرطة، بادرنا أمجد بالقول "الناس هنا لا تخشى الشرطة بسبب سطوتها وفرضها للقانون، الأمر الذي لا يقومون به. فقد وقعت عشرات الحوادث هنا المتمثلة باعتداء رجال الشرطة بالضرب على المهاجرين. أنا كنت شاهدا على إحدى تلك الحوادث، فقبل نحو شهرين، كنت ومجموعة من أصدقائي نتمشى بالقرب من المخيم، وعند عودتنا فوجئنا برجال الشرطة الذين سألونا أين كنا. وقبل أن نتمكن من الإجابة، انهالوا على أحد أصدقائي، وهو سوري الجنسية، بالضرب المبرح. لم نعرف ما علينا القيام به، تراجعنا خوفا دون أن نتمكن من إنقاذه. مثل تلك الحوادث تحصل دائما، قد تحصل معكما الآن".
عنف الشرطة المتكرر ترك أثره على المهاجرين في موريا. جميع من صادفناهم يعانون من تلك المشكلة. عبد الله، مهاجر سوداني وصل إلى موريا قبل سنتين ومازال ينتظر تحديد موعد له لمقابلة اللجوء. "معاملة الشرطة من قبل كانت مختلفة، كانوا يحاولون التحدث معنا بالإنكليزية لنفهم عليهم، لم يمارسوا أي عنف ضدنا"، ويكمل عبد الله "أما الآن فيمكن لهم القيام معنا بأي شيء يريدونه. أعتقد أن الأمور ستتغير أكثر في المستقبل، العنف سيصبح منهجا وستتم معاملتنا كإرهابيين. هذا ما تريده الحكومة الجديدة".
أما حول الأمن الداخلي في المخيم ودور الشرطة اليونانية في الحفاظ عليه، فيجمع كل المهاجرين الذين التقينا بهم بعدم قيام الشرطة بواجبها من هذه الناحية.
"تحصل كثير من المشكلات والاشتباكات هنا، خاصة بين الأفغان والسوريين والعراقيين"، يقول آلان، "إلا أن الشرطة لا تتدخل لفضها، غالبا ما يترك المتصارعون حتى ينهكوا. طبعا لتلك المشكلات نتائج كارثية، قبل شهرين قتل ولد باشتباك مع رجل، وقبله قتلت امرأة حاولت فض اشتباك بين أفغاني وسوري، فسقطت أرضاً وماتت نتيجة تدافع الناس. وطبعا هذا كله يحصل والشرطة غائبة تماما".
ويتدخل محمد هنا ليقول "كما أنهم سعيدون بتلك الاشتباكات، أشعر كأنهم يغذونها بين الحين والآخر. هم يعملون على بث الأفكار المسبقة في رؤوس جميع المهاجرين هنا ضد بعضهم، كإشاعة أن الأفغان مغتصبون وأن الغزاويين (وهم الفلسطينيون القادمون من غزة) تجار مخدرات وأن الأفارقة همجيون، كل ذلك من أجل أن يبقى الجميع متفرقاً ونظل غير قادرين على تنظيم شؤوننا وإدارتها بأنفسنا".
للاطلاع على الخبر من المصدر اضغط هنا