اقترب موعد الانتخابات التركية، واختلفت معها التوقعات بشأن النتيجة إلى حد بعيد، إذ يرجح كثيرون انتصار المعارضة كما يرجح آخرون بقاء الحكومة الحالية.
وفي الوقت الذي وعدت فيه المعارضة التركية بتغيير الكثير من السياسات حال فوزها بالانتخابات، كيف ستبدو السياسة الخارجية التركية تجاه الملف السوري تحت حكم أي حكومة جديدة. وما الطموحات والأهداف السياسية للمعارضة التركية، وما مدى واقعيتها؟
على المستويين الاجتماعي والسياسي، تبدو مصالح المعارضة التركية في سوريا محدودة جداً، كونها قد ركزت بصورة أساسية على تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وإعادة اللاجئين السوريين كافة إلى بلدهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم وعي المعارضة وفهمها للحقائق والوقائع في سوريا.
من المرجح للمعارضة التركية، حال انتخابها، أن تسارع للتواصل مع نظام الأسد وأن تفتح صدرها لما تطلبه منها دمشق، كما من المحتمل أن يرد نظام الأسد بالمثل، مما سيؤدي إلى تسريع المحادثات لتصل إلى مستوى دبلوماسي أعلى.
قد تبدأ المفاوضات بوزارة الخارجية التي كانت تخطط بشيء من التردد لعقد اجتماع خلال هذا الشهر يجمعها بنظرائها من سوريا وروسيا وإيران.
وفي الوقت الذي تواصلت فيه الحكومة التركية الحالية مع دمشق، أخذ نظام الأسد يولي دبره عن إجراء المحادثات ويعارض أنقرة عبر تقديم نفسه على أنه الطرف الأقوى في عملية التفاوض، وذلك لأن النظام لا يريد أن يقدم هدية انتخابية مجانية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
بمجرد أن تبدأ المحادثات على مستوى وزارتي الخارجية، من المرجح للمعارضة التركية أن تعيّن سفيراً جديداً لها في سوريا وأن تطبّع العلاقات مع النظام بشكل كامل، ولكن ماذا يعني كل ذلك بالنسبة لبشار الأسد وشروطه المسبقة؟
ضمانات أمنية
طالب نظام الأسد تركيا بالكف عن دعم المعارضة السورية والانسحاب من سوريا وذلك كشرط مسبق للتطبيع معه، والشرط الأول الذي يقضي بتفكيك المعارضة السورية ينسجم مع موقف المعارضة التركية الساعي لقطع الدعم التركي عن تلك الجماعات والفصائل.
سبق أن ارتأى بعض المحللين بأنه ينبغي على تركيا أن تشارك نظام الأسد في استئصال شأفة هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية، بيد أن بعض الشخصيات البارزة من أهم حزب تركي معارض تخلط بين هيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة.
بالنسبة لفكرة الانسحاب من سوريا، نجد بأن المعارضة التركية لا ترغب بالبقاء هناك، لكنها تريد ضمانات أمنية مع الخروج بآلية تكفل عودة اللاجئين قبل الانسحاب من سوريا، ومن المرجح أن يقبل نظام الأسد بتلك الشروط ويرحب بها. ولكن، بحسب تجربة لبنان والأردن، لا يمكن لأحد أن يثق بنظام الأسد من هذه الناحية.
ثم إن استعداد المعارضة التركية للمصالحة مع نظام الأسد لابد وأن تسهل عملية التطبيع، ولكن الفكر السياسي القائم على الرغائب الذي تبديه المعارضة التركية لا يمكن ترجمته إلى أفعال على الأرض، إذ ماتزال هنالك أسئلة مهمة تدور حول ما الذي يمكن أن يحدث لخمسة ملايين سوري يعيشون في مناطق محمية من قبل تركيا، وماذا بشأن عدم استعداد نظام الأسد لتقديم تنازلات تتصل بعملية الانتقال السياسي، إلى جانب اختلاف المقاربات فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب؟
من المرجح لكلا الطرفين أن يتمكن من التوصل إلى اتفاق على ورق، إلا أن طريقة تنفيذ هذا الاتفاق على الأرض هي التي ستكشف الفرق بين القول والفعل. ثم إن إعادة العلاقات مع نظام الأسد يمكن أن تشجعه على ملاحقة فصائل المعارضة في آخر معاقلهم بسوريا، أي حيث تم نشر آلاف الجنود الأتراك.
في مطلع عام 2020، بدأت تركيا عملية درع الربيع وقارعت قوات النظام ضمن حملة قصيرة سعت لوقف الكارثة الإنسانية ولمنع ظهور موجة هجرة جديدة على حدودها، ومنذ ذلك الحين لم تتغير الكثير من الأمور، باستثناء تمكن القاطنين في المنطقة الحدودية من تأسيس مصادر رزق لهم.
خارطة الطريق نحو الإصلاح
كيف يمكن لتركيا أن تتصرف حيال أي موجة لاجئين جديدة في حال قرر نظام الأسد شن هجوم جديد؟ وما التداعيات الأمنية التي ستترتب على تركيا في حال رصت صفوف قواتها مع صفوف قوات نظام الأسد ضد هيئة تحرير الشام في إدلب؟ أعلنت شخصية رفيعة من أهم حزب معارض تركي بأنها تعتقد بأن لدى هيئة تحرير الشام خلايا في تركيا، إلا أن المعارضة التركية ليست لديها إجابات على تلك الأسئلة أو غيرها.
إضافة لكل ذلك، قد تبدو عملية نزع سلاح المعارضة السورية المدعومة تركياً مسألة سهلة بنظر بعض السياسيين، ولكن دون التوصل إلى حل سياسي في سوريا ودون خارطة طريق لإصلاح بنية الجيش السوري، يمكن لأي محاولة لنزع سلاح الثوار أن تفشل أو أن تجر تركيا لمصيبة جديدة.
كما أن الوضع المتقلب يمكن أن يضع تركيا في موقف محرج، فمن جهة ستعمل أنقرة على تطبيع العلاقات مع نظام الأسد كما فعلت بعض الدول العربية التي سبقتها إلى ذلك، ولكن من جهة أخرى، قد تبقى تركيا في سوريا لتقف في طريق الأسد وسعيه للتوصل إلى حل عسكري للنزاع.
لا يمكن للمعارضة التركية أن تصل إلى حل مع هذا الطريق المسدود في حال قبل نظام الأسد بعملية انتقال سياسي بما ينسجم مع القرار الأممي رقم 2254، إلا أن اللفتات اللطيفة والكلمات المعسولة لن تدفع الأسد لتقديم تنازلات سبق أن رفض تقديمها طوال العقد الماضي من الزمان.
وطالما بقي هذا القرار بلا تنفيذ، ستبقى العقوبات الغربية مفروضة، مما سيحد بشكل أكبر من أي فرصة للتطبيع بين أنقرة ودمشق.
خلال هذا الأسبوع، أعلن مرشح المعارضة التركية كمال كليتشدار أوغلو بأنه في حال انتخابه فإنه سيقوم بتطبيع العلاقات مع سوريا، وسيوقع على بروتوكول يضمن الحفاظ على حياة اللاجئين وممتلكاتهم، مع السعي لإشراك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في بروتوكول يقضي بتخصيص صندوق لإعادة إعمار سوريا، وهكذا يمكن للشركات التركية الاستعانة بتلك الأموال لإعادة بناء سوريا.
أي بالمختصر، في حال انتخاب المعارضة التركية، فإن سياستها تجاه تركيا ستتحول إلى أبلغ وأوضح مثال للحكمة التي ستهبط فجأة على من يصبح رئيساً، وذلك لأن المعارضة قد تقطع على نفسها عهوداً لا يمكنها أن تحافظ عليها، كما قد توقع على اتفاقيات لا يمكن تنفيذها، وهذا بدوره سيخلق انقساماً بين العمل الدبلوماسي والعسكري، وبذلك لن تضعف المعارضة إلا الموقف التركي نفسه في سوريا.
المصدر: Middle East Eye