هل يلجأ النظام إلى تفعيل "مجلس الشعب" في المرحلة المقبلة؟

2024.07.17 | 06:27 دمشق

86777774
+A
حجم الخط
-A
تعد انتخابات "مجلس الشعب" لدى النظام السوري من الانتخابات النادرة في العالم التي تُعرف نتائجها مسبقاً قبل أن تبدأ، ضمن آلية ليس فيها خداع، بل معروفة للجميع لجهة حصة حزب البعث، وحصص الأحزاب الشكلية المتحالفة معه، وحتى ما يسمى بالمستقلين، معروفة أسماء الفائزين منهم، ويتم اختيارهم في مطابخ الأجهزة الأمنية والحزبية، بناء على تقسيمات مناطقية وطائفية وعشائرية، وقبل كل ذلك وفق ولائهم المطلق.
وأمام هذه المسرحية المكشوفة، يثار التساؤل البدهي وهو لماذا يحرص النظام على أداء هذه المسرحية كل أربع سنوات بانتظام حتى في أحلك الظروف، ومثلها أيضاً الانتخابات الرئاسية؟

والواقع أن النظام من خلال التمسك بالأداء السابق للمجلس ومجمل المؤسسات الأخرى، يسعى إلى تقديم صورة للداخل السوري تعبر عن صمود النظام وتماسكه وانتصاره، بما يخدم الرسالة الثانية الموجهة للخارج بشأن تكريس شرعيته بدعوى استمرار عمل مؤسساته المختلفة بشكل طبيعي، رغم كل الظروف التي مرت بها البلاد. وغني عن البيان أن ما يهم النظام من هذه الانتخابات هي الناحية الشكلية فقط، بغض النظر عن حجم المشاركة الشعبية فيها وأية تفصيلات أخرى في العملية الانتخابية، لأن النظام، كما جميع السوريين، يدرك أن مجلس الشعب ليس سلطة حقيقية بصلاحيات جادة، بل مجلس يضم أشخاصا مختارين من قبل الأجهزة الأمنية بشكل مسبق للقيام بأدوار معينة تنفيسية غالباً في الداخل السوري، وتقديم صورة نمطية عن ديمقراطية زائفة أمام الخارج.

ومن هنا، يمكن فهم سبب إصرار النظام على إجراء الانتخابات رغم أن قواته لا تسيطر فعلياً على أجزاء واسعة من البلاد، في حين يعيش أكثر من نصف السكان في حالة نزوح أو لجوء داخل البلاد وخارجها.

وبطبيعة الحال، فإن هذا المجلس لا يمكنه تقديم أي شيء لتحسين ظروف الحياة للمواطنين، بسبب افتقاده للوسائل والأدوات القانونية والدستورية، والأهم الظروف السياسية التي تحكم البلاد، والتي تجعل منه وغيره من المؤسسات مجرد واجهات شكلية لاستكمال تزييف الواقع القائم على حكم فردي عائلي أمني طائفي، بعيد كل البعد عن العمل المؤسسي.

وقبل الثورة عام 2011، كان المجلس وسيلة لإرضاء شخصيات مرتبطة بالنظام ومنحها مشاركة شكلية بالسلطة مثل التجار والصناعيين وشيوخ العشائر ورجال الدين.

إن النظام ربما يتحسب لإمكانية فرض حلول سياسية عليه في مرحلة من المراحل، عندها سيقول أن لديه مؤسسات منتخبة لا بد من أخذ موافقتها على تلك الحلول.

وبعد الثورة تكرّس هذا النهج أكثر، وتحول المجلس إلى مكان لتبيض صفحات أشخاص يتزعمون ميليشيات، أو متهمين بارتكاب انتهاكات وتجاوزات، كطريقة من النظام من أجل مكافأة الموالين الذين أدوا له خدمات معينة، بما يضمن استمرار ولائهم، ويغري غيرهم بالتنافس على خدمة النظام.

يضاف إلى الصور الدعائية السابقة، فإن للنظام أهداف أخرى ترتبط بخططه وتصوراته للمرحلة المقبلة، حيث تعد هذه الانتخابات هي الثالثة بعد انطلاق مسار جنيف الذي يفترض أنه يبحث الحل السياسي في سوريا وإقامة مؤسسات تمثيلية لكل السوريين، ما يعني أن النظام غير مهتم بالعملية السياسية ويجري انتخاباته بغض النظر عن هذا المسار، وسط تجاهل ولا مبالاة من المجتمع الدولي والمبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون والدول العربية، وحتى مؤسسات المعارضة التي تكتفي بوصف ما يقوم به النظام بأنه ديكوري وشكلي، دون أن تقدم هي نفسها على أي إجراء مضاد، أو يشكل بديلاً لما يقوم به النظام، ما يعني في المحصلة أن المؤسسات القائمة الوحيدة في سوريا هي مؤسسات النظام.

وما تجدر ملاحظته أيضاً أن النظام السوري يلجأ عادة إلى تفعيل المؤسسات الشكلية مثل مجلس الشعب حين يريد ذلك، وفق تقديره لمصالحه في كل مرحلة، بحيث يعطيها مساحة للتحرك حين يريد أن يعطي انطباعاً بأن لديه مؤسسات مستقلة، كما فعل في بعض الأوقات قبل قيام الثورة.

ومن هنا، فإن النظام ربما يتحسب لإمكانية فرض حلول سياسية عليه في مرحلة من المراحل، عندها سيقول أن لديه مؤسسات منتخبة لا بد من أخذ موافقتها على تلك الحلول، وسيدعي أن القرار بيد ممثلي الشعب المنتخبين وليس بيده، وقد يجد ذلك قبولاً لدى رعاة الحلول طالما الساحة خاوية من أية مؤسسات تمثيلية للسوريين، باستثناء مؤسسات النظام التي يمكنها أن تتزود بجرعات معارضة ونقد، في حال تلقت الضوء الأخضر من جهات النظام العليا.

كان أول إجراء قام به الانقلابيون هو تعطيل البرلمان ومصادرة صلاحياته لمصلحة الحزب والجيش.

ويوضح عضو سابق في المجلس هذه الآلية بالقول إن توجيهات القيادة كانت تصل إلينا عبر ممثلي حزب البعث الذين يرفعون أو يخفضون سقف الانتقادات، وفق التوجيهات التي تصلهم من قيادتهم، ويتبعهم بقية أعضاء المجلس. ورغم التعديلات الدستورية التي أجراها النظام سنة 2012 وألغى معها المادة الثامنة التي تنص على أن حزب البعث هو "القائد للدولة والمجتمع"، إلا أن ذلك لم يسهم في تخفيض حصة الحزب في المجلس وحلفائه في "الجبهة الوطنية التقدمية" والتي تصل إلى ثلاثة أرباع أعضاء المجلس البالغ عددهم 250 عضواً.

ورغم هذه الصورة البائسة التي تكرست في أذهان السوريين عن أداء برلمانهم في عهد حكم الأسدين، لكن ينبغي للأجيال الجديدة أن تدرك حقيقة أن البرلمان السوري هو من أقدم المؤسسات التشريعية في المنطقة العربية، إذ أسس عام 1928، وظل يقوم بدور مهم في الحياة السياسية والتشريعية للبلاد انطلاقاً من صلاحياته الواسعة وسلطته في التشريع ومراقبة السلطة التنفيذية، ولم يتراجع هذا الدور إلا مع تسلم حزب البعث السلطة في انقلاب مارس/آذار 1963 حيث كان أول إجراء قام به الانقلابيون هو تعطيل البرلمان ومصادرة صلاحياته لمصلحة الحزب والجيش.