يعيش الشرق الأوسط اليوم في سباق محموم وفوق برميل بارود، بعد الفشل المتتالي الذي عاشته المنطقة العربية على كل الصعد العسكرية والأمنية والاقتصادية_الاجتماعية، وخاصة منها ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، بعد أن تفشى الخطاب العنصري عند الغرب من نخب وقادة حكم تحدثوا عن صراع حضاري بينهم وبين العرب الذين سموهم "بالرعاع" غير المتحضرين، فيبدو "أن السيل قد بلغ الزبى" عند أغلبية القادة العرب بعد أن قدموا صفوة التنازلات أمام الأميركي في تمرير مشاريعه الاستعمارية التدميرية، حيث بدأنا نشهد اليوم حالاً من التمرُّد السياسي على أذرع واشنطن وموفديها الديبلوماسيين، وهذا ظهر في حفلات استقبال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زياراته الأخيرة في المنطقة، من قبل قادة وزعماء عرب ومعهم رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالن، الذي أسمع بلينكن ما لا يرضيه بتاتاً، سواء لناحية الحرب على غزة أو لناحية شروط تطبيق الهدنة والحل الدائم، لأن ذلك يؤسس لبناء خارطة جيوسياسية يتطلع العرب أن يكونوا حجر الزاوية فيها، ما دامت البدائل التحالفية قائمة وموجودة، وتنتظر الفرصة المناسبة على مفترق التقاطعات الدولية..
الجهود الدبلوماسية والسياسية العربية أمام سباق متسارع للوصول إلى موعد القمة العربية، الذي سيُعقد في الرياض في 11 من تشرين الجاري، للتسويق لورقة رباعية سعودية ومصرية وقطرية وأردنية من أجل لملمة الوضع العربي والبيت الفلسطيني، وهذا ما أقلق بدوره واشنطن وطهران وتل أبيب، فلا أحد يريد موقفاً عربياً موحداً، ولا أحد يرغب في فقدان الورقة الفلسطينية بكل وجوهها الفتحاوية والحمساوية، فهي تمسُّ فقط وحصرا المصلحة العربية.
منذ الأسبوع الماضي يجولُ وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن في المنطقة، إذ أكدت المعلومات عبر مصدر دبلوماسيّ عربيّ، بأنّ الاجتماع بين بلينكن ونظرائه العرب كان مُتوتّراً جداً
وهذه الرغبة تعيد للعرب بعضاً من توازنهم المفقود خلال عقود، ومن هنا كانت ردة الفعل السلبية على كل طروحات الوزير الأميركي بلينكن، حيث أتت قاسية ورافضة قطعا لأي حل أميركي يضفي المزيد من المكاسب في إعادة تركيب النظام الإقليمي الجديد على حساب القضية والشعب العربي ومستقبله الأمني والاقتصادي.
فمنذ الأسبوع الماضي يجولُ وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن في المنطقة، إذ أكدت المعلومات عبر مصدر دبلوماسيّ عربيّ، بأنّ الاجتماع بين بلينكن ونظرائه العرب كان مُتوتّراً جداً، كما أبلغه الحاضرون أنّ بيان القمّة العربيّة في 11 من الشهر الجاري سيكون عالي السّقف تجاه واشنطن وتل أبيب، كذلك كانت محطة بلينكن في بغداد التي وصلها بعد ساعات من استهداف "المقاومة الإسلاميّة في العراق" للقوات الأميركية في عين الأسد، ليطير بعدها بلينكن إلى العاصمة التّركيّة أنقرة، حيث التقى نظيره حقّان فيدان، ورئيس الاستخبارات "إبراهيم كالن"، في لقاء غير مُعلن. فطلبَ موعداً للقاء الرّئيس التّركيّ رجب طيّب أردوغان، لكنه تعذر لأن جدول أعمال الرّئيس مُزدحم بالمواعيد، وهذا ما حصلَ معه قبل أسبوعيْن يومَ طلب بلينكن لقاء وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان، فسافر وعاد في اليوم التالي. إذ تكشف المصادر الدبلوماسية في تركيا، بأن اللقاء بين بلينكن و"إبراهيم كالن" كانَ مُتوتّراً على خلفية الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل في جرائمها.
فالمنحى الاستقلالي الذي كانت الدول العربية، ومنها السعودية، تعمل على تكريسه في العلاقات الدولية خلال السنتين الماضيتين بات أمام امتحان جدّي. فهي أمام تحدّي إثبات الوجود أمام حراك دولي وإقليمي: بدعوة الصين إلى مؤتمر دولي حول حلّ القضية الفلسطينية. كذلك دعوة تركيا وإيران إلى عقد مؤتمر إقليمي، يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية، إذ أن مفاوضات سرّية تجري بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في سلطنة عُمان حول القضايا العالقة بين الطرفين، في الوقت الذي يتخوف كثر بأنّ طهران قد تحصل من واشنطن على مكاسب مقابل دور مستقبلي لها.
أسبوع واحد كفيل بأن يجيب إن كانَ برميل الشّرق الأوسط سينفجر، أو أن الخيارات الاستراتيجية العربية ومروحتها باتت أكثر شمولية واتساعاً
كل ما يحاول أن يقوم به العرب اليوم، هو بناء هامش موسَّع لسياساتهم الخارجية الإقليمية والدولية، للتقليل من الآثار السلبية لنفوذ أي قوة، سواء صينية أو روسية أو أميركية على اقتصادهم واستقلالهم وأمنهم القومي، وهذا حق طبيعي يجب السعي إليه دائماً. فبين موعد انعقاد القمّة العربيّة وانتهاء جولة بلينكن في المنطقة، ثمة فاصل زمني قصير، حيث يزداد الوضع تأزيماً وتوتّراً على حدود لبنان الجنوبية، ومعها المشاورات الدّبلوماسيّة والسّياسيّة التي تصطدم بالمواقف الإسرائيليّة المبنيّة على جنون الحرب والقتل والتدمير والتهجير، وهنا تتسابق المواقف لإعلان مراسم دفن المُستقبل السّياسيّ لبنيامين نتنياهو. فهو أسبوع واحد كفيل بأن يجيب إن كانَ برميل الشّرق الأوسط سينفجر، أو أن الخيارات الاستراتيجية العربية ومروحتها باتت أكثر شمولية واتساعاً، خصوصاً بعد تجربة المملكة العربية السعودية في اتفاقياتها مع إيران برعاية صينية، والدور المنضبط لها في منظمة أوبك بلاس مع روسيا، والدخول إلى منظمة "بريكس"، وكلها أجبرت الأميركي على شد الأحزمة من جديد باستثناء الدعم المطلق لإسرائيل.. وفي المقابل ربما تكون قرارات القمتين العربية والإسلامية قد تفيد بسحب فتيل تفجير المنطقة قبل أوانه، وترك الخيارات الاستراتيجية إلى وقت لاحق عندما تحين فرصته..