هل يستطيع العرب مجاراة ألاعيب نظام الأسد؟

2023.05.22 | 05:56 دمشق

آخر تحديث: 22.05.2023 | 05:56 دمشق

بشار الأسد في السعودية
+A
حجم الخط
-A

يشعر كثير من السوريين اليوم بالخذلان إزاء المواقف الرسمية لمعظم الدول من نظام بشار الأسد، والتي توّجت بإعادته إلى الجامعة العربية، وحضور رئيس النظام القمة العربية في جدة، من دون أن يبادر هذا النظام في المقابل إلى اتخاذ أي خطوات أو إجراءات تبرّر هذا التبديل في المواقف.

ومن أجل تفسير سلوكهم، يحاول بعض المسؤولين العرب القول إن انفتاحهم على نظام الأسد، هو جزء من خطة لديهم للحل السياسي في سوريا، تتضمن مطالب رئيسية ينبغي على النظام الامتثال إليها، وفي مقدمتها عودة اللاجئين السوريين ووقف تهريب المخدرات عبر الحدود.

والواقع أن هذه المطالب، وإن كان من المشكوك أن يتعامل معها النظام بجدية، ولاحظنا أن وفده إلى جدة حاول ابتزاز العرب عبر مطالبتهم بتمويل عودة اللاجئين والمساعدة في إعادة إعمار مناطقهم، لكنها لا تدخل في صلب المشكلة في سوريا، لأنّ السوريين حين انتفضوا ضد النظام عام 2011، لم تكن سوريا مركزاً لإنتاج المخدرات، ولم يكن السوريون مهجّرين أو لاجئين، بل جاء تهجيرهم كأحد نتائج هذه الانتفاضة، بينما مطالبهم الأساسية، كانت وما تزال، هي الحرية والكرامة والمساواة، وهي أمور لا تؤخذ في الاعتبار كما يبدو، عند القادة العرب الفرحين بعودة قاهر الشعب السوري إلى أحضانهم.

الحسابات العربية لا تبدو مبنية على حقائق راسخة، وفهم دقيق للواقع، بل على مجرد أمنيات وتطلعات على أمل أن يتفاعل معها النظام تحت الإغراء المادي والانفتاح السياسي العربي عليه، وهي حسبة ليست صائبة كما تشير تجارب الماضي مع هذا النظام المتمرس في الآلاعيب

ومن دون الدخول في حيثيات ودوافع كل دولة عربية للانفتاح على نظام الأسد، الذي يعتبر نفسه اليوم منتصراً، وأن العرب هم مَن عادوا إليه ورجعوا عن "خطأهم"، وليس هو مَن عاد إليهم، فإن الحسابات العربية لا تبدو مبنية على حقائق راسخة، وفهم دقيق للواقع، بل على مجرد أمنيات وتطلعات على أمل أن يتفاعل معها النظام تحت الإغراء المادي والانفتاح السياسي العربي عليه، وهي حسبة ليست صائبة كما تشير تجارب الماضي مع هذا النظام المتمرس في الألاعيب، والذي لا يمكن أن ينخرط في أي مسعى قد يتسبّب في تقويض أركانه، أو يترك مساحة حقيقية لقوى واطراف أخرى، عربية أو محلية، لتشاركه في القرار.

الموقف العربي من نظام الأسد، كما في كل المواقف الأخرى، غير مبني على حسابات سياسية دقيقة، وهو أقرب للعاطفي وليس العقلاني، حيث يخلط بين التعاطف مع محنة الشعب السوري، وحضارة سوريا ومكانتها التاريخية، من جهة ونظام الأسد من جهة أخرى، وهو نظام لا يمثل بطبيعة الحال لا الشعب السوري، ولا البعد الحضاري لسوريا.

ومن المفهوم أيضاً، أن بعض الدول العربية المتضرّرة مما حصل في سوريا طوال السنوات الماضية، تسعى إلى أي حل لـ"المشكلة"، وتريد أن تتعامل مع نظام الأسد كأمر واقع لا يمكنها تجاوزه، على أمل أن يستجيب ولو بالحد الأدنى إلى بعض المطالب، بما يسمح لها تسويغ خطوتها.

وكمثال فقط على استجابة النظام للمطالب العربية في قضية المخدّرات التي بات القاصي والداني يعرف أن أجهزة النظام العسكرية والأمنية، بالتعاون مع ميليشيا حزب الله اللبناني، هي من تديرها إنتاجاً ونقلاً وتهريباً، سمح النظام للأردن بتصفية أحد صغار المهرّبين في جنوبي البلاد، عبر قصف منزله بالطائرات، ما أدى إلى مقتله مع أفراد عائلته.

أمّا الموقع الثاني الذي تم استهدافه في بلدة خراب الشحم غربي درعا، حيث يوجد أحد مصانع الكبتاغون، فقد تم إخلاؤه قبل الغارة بالتنسيق مع أجهزة النظام الأمنية، التي سهّلت هروب مصنعي ومهرّبي المخدرات المعروفين في محافظة درعا، ونفّذت في الوقت نفسه بعض المداهمات الشكلية لأماكن منتجي ومهربي المخدرات بعد الإيعاز لهم بالتخفي خارج المنطقة.

وما يثير السخرية، أنّ المجموعة التي تولّت عمليات المداهمة والتابعة للأمن العسكري، هي مجموعة يقودها (عماد أبو زريق) أحد المتهمين الرئيسيين في تجارة وتهريب المخدرات، وهو من الأسماء الواردة على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية التي صدرت مؤخراً بشأن مكافحة تجارة المخدرات في سوريا.

بطبيعة الحال، فإن المداهمات تخص فقط المواقع التابعة لأشخاص مفضوحين أو تربطهم علاقة متوترة مع أحد أجهزة النظام الأمنية، ولا تشمل عشرات المواقع التي تُشرف عليها هذه الأجهزة، أو حزب الله اللبناني في منطقة اللجاة ومجمع الغزالي وفي أرياف محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، والتي يقدّر عددها بنحو 80 مكبساً لإنتاج حبوب الكبتاغون.

يسعى النظام للحصول على أموال من العرب بدعوى إعادة تأهيل مناطق اللاجئين قبل عودتهم إليها، وهو الذي ما يزال يمنع النازحين الموجودين داخل سوريا نفسها من العودة إلى مناطقهم

وقل مثل ذلك أيضاً بشأن تعامل النظام مع قضية عودة اللاجئين المقدّر عددهم بأكثر من 6 ملايين سوري خارج البلاد، حيث يسعى النظام للحصول على أموال من العرب بدعوى إعادة تأهيل مناطق اللاجئين قبل عودتهم إليها، وهو الذي ما يزال يمنع النازحين الموجودين داخل سوريا نفسها من العودة إلى مناطقهم، كما في جنوبي دمشق وداريا والغوطة، بعد أن دمّر متعمّداً تلك المناطق من دون مبررات عسكرية، في إطار سعيه للتغيير الديمغرافي بمحيط العاصمة دمشق، الذي يُخطّط لأن يكون خالياً من أي تجمعات سكانية كبيرة تنتمي إلى مكوّن طائفي محدّد، معارض له بطبيعته (عرب سنة فقراء).

وبطبيعة الحال، ما لم تُشرف منظمات محايدة على الإنفاق، فإنّ مصير أي مساعدات خارجية قد تصل إلى النظام السوري على بند إعادة تأهيل مناطق اللاجئين، لن يكون مختلفاً عن مصير المساعدات التي تسلّمها النظام بعد زلزال شباط الماضي، والتي توارت في خزائن النظام وجيوب مسؤوليه وأنصاره، ولم يصل منها إلى المستحقين إلا النزر اليسير.