رفض لبنان دعم قرار أممي لإنشاء مؤسسة معنية بكشف مصير المفقودين في سوريا، الأسبوع الماضي، في الوقت الذي لا يزال اللبنانيون يعانون فيه من ملف مفقودي الحرب الأهلية اللبنانية في زمن هيمنة نظام الأسد الأب على بلادهم.
في 29 حزيران/يونيو الماضي، امتنعت وزارة الخارجية اللبنانية عن التصويت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة على قرار ينص على إنشاء "المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، لجلاء مصير ومكان جميع المفقودين"، الذين تقدر منظمات غير حكومية عددهم بأكثر من 100 ألف مفقود منذ عام 2011.
القرار الذي وصف بأنه "تاريخي"، تبنته الجمعية العامة بأغلبية 83 صوتاً مقابل 11 ضده وامتناع 62 عن التصويت.
وأثار امتناع بيروت عن التصويت حالة من الاستهجان في الأوساط اللبنانية السياسية والشعبية، التي ترى من المفترض أن يكون اللبنانيون أول من يدعم هذا القرار ليكون فاتحة لقرارات مشابهة تخص مفقودي حرب لبنان الأهلية.
تعد هذه الخطوة طعنة لعائلات نحو 17 ألف لبناني مخفيين قسراً منذ الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990).
في حين، بررت الحكومة اللبنانية امتناعها عن التصويت بـ "التماشي مع شبه الإجماع العربي، وعدم تسييس الملف الإنساني بامتياز"، مع العلم أن اللبنانيين يمتلكون تاريخاً مريراً مع الإخفاء القسري ويحرصون على إبقاء قضية مفقوديهم حية رغم الإهمال الحكومي.
كان اللافت أيضاً في تبرير الدولة اللبنانية قراراها بالتمنّع، ربط هذا الملف بملف إعادة اللاجئين السوريين، إذ إن "تصويت لبنان مع القرار، في حال كان قد حصل، سيُقَوّض عمل اللجنة الوزارية العربية المشارك فيها لبنان والساعية لحلّ المشكلات مع سوريا المتعلقة باللاجئين"، بحسب بيان رسمي.
محاباة النظام على حساب المفقودين
مصادر سياسية معارضة اعتبرت أن امتناع لبنان عن التصويت سببه الوحيد "سيطرة حلفاء النظام السوري"، وترى أن الحجج التي قدمها وزير الخارجية عبد الله بو حبيب "غير منطقية"وتعبر عن "ارتهان" الحكومة لفريق الممانعة.
عضو كتلة "الكتائب" النائب سليم الصايغ، أعرب عن امتعاضه وكتلته من موقف الدولة اللبنانية الرسمي في مسألة ربط ملف النازحين السوريين (اللاجئون السوريون في لبنان) بمسألة المفقودين في سوريا.
وقال الصايغ في تغريدة على "تويتر"، الخميس الماضي، مستغرباً ورافضاً موقف الحكومة "السلبي" من قضية المفقودين: إن التبرير الرسمي اللبناني للامتناع عن التصويت على قرار الجمعية العمومية بحجة الموقف المماثل لمعظم الدول العربية ما عدا الكويت وقطر، وكأن لتلك الدول مفقودين في سوريا مثلما هي حال لبنان.
وأضاف، "لن نسكت عن هذا الأمر"، مشيراً إلى أن الموقف اللبناني ضعيف لأنه يربط قضية المفقودين بالإجماع العربي ولخطب ود نظام الأسد ليقبل عودة اللاجئين السوريين من لبنان.
استمعنا امس في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب لتقرير الوزير عبدالله ابو حبيب بعد مؤتمر جدة ومؤتمر بروكسيل والجمعية العمومية للامم المتحدة. الخلاصة: موقف لبناني نيابي موحد وقوي من مسألة النازحين السوريين ومن مسألة المفقودين في سوريا. انما موقف رسمي تبريري للتصويت بالامتناع… pic.twitter.com/XgR65WIqfm
— Salim el Sayegh (@selimelsayegh) July 6, 2023
الموقف اللبناني يحسب ألف حساب للنظام السوري
في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" قال الصايغ، "هناك ربط في السياسة وليس في القانون لملف النازحين والمفقودين".
وأضاف، أن لبنان يحرص على أن يكون حذراً جداً في عدم إثارة غضب أو إزعاج النظام السوري حتى من دون طلب الأخير، فأحياناً "نكون في لبنان ملكيين أكثر من الملك".
وأشار النائب اللبناني إلى أن لبنان انضم إلى اللجنة العربية في محاولة لحل ملف النزوح السوري.
بحسب الصائغ، فإن هناك تفاهمات جرت بين الأطراف العربية ونظام الأسد على إيجاد حل لعودة اللاجئين من لبنان.
وأوضح النائب اللبناني في قوله، "تم الحديث عن تمويل عربي عبر تقديم مساعدات مالية تقدر بمليار دولار للبدء بعملية ترميم ما تيسر في سوريا تسمح إلى حد ما بعودة حجم معين من النازحين كبداية، على ألاّ تكون هذه الأموال المقدمة انتهاكاً لقانون قيصر الأميركي وذلك تفادياً لأي توتر بين واشنطن والعرب".
وكشف الصايغ أنه "في اليوم نفسه قدمت كتلة نواب الكتائب باسم رئيسها سؤالاً للحكومة حول كيفية التعامل مع الآلية التي ستضعها الأمم المتحدة لمتابعة قضية المفقودين".
النظام لا يريد عودة النازحين
بحسب الصايغ، فإن "النظام السوري لا يريد عودة النازحين، ويتخذهم كنوع من الدروع البشرية السياسية لتأمين المرحلة الانتقالية في سوريا نحو التطبيع مع العالم العربي وعودة العلاقات معها".
ويرى النائب اللبناني، أن الحكومة اللبنانية تتبنى فعلياً موقف النظام من ملفي المفقودين والنازحين، لافتاً بقوله إلى أن "الموقف الرسمي اللبناني لا يزال يحسب ألف حساب للنظام السوري".
وأكد الصايغ على أن "موقف كتلته رافض لربط الملفين باعتبارهما ملفين منفصلين تماماً، مستنكراً هذا الربط وتسييس القضايا القانونية.
ويقول النائب متسائلاً، "لماذا هذا الخوف الزائد؟" طالما أن من واجب حكومة النظام السوري إعادة السوريين إلى أراضيهم.
وفي الوقت نفسه يشير الصايغ إلى أن نظام الأسد يستغل ملف اللاجئين، وينتظر من الأمم المتحدة أن تدفع المساعدات المالية المقدمة للاجئين السوريين في لبنان ولكن في سوريا.
بحسب النائب اللبناني، ليس هناك حل يلوح بالأفق للاجئين السوريين بسبب مراوغة النظام وعجز الحكومة اللبنانية والعقوبات الأميركية (قانون قيصر) التي تمنع التعاقد مع نظام الأسد للمباشرة بإعادة الإعمار تمهيداً لعودة اللاجئين.
مؤسسة دولية لكشف مصير المفقودين في سوريا
الأسبوع الماضي، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء "مؤسسة مستقلة" من أجل "جلاء" مصير آلاف المفقودين في سوريا على مدى 12 عاماً، وهو طلب متكرر لأهاليهم وللمدافعين عن حقوق الإنسان.
وتقدر منظمات غير حكومية عدد المفقودين بنحو 100 ألف شخص منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية عام 2011، هم ضحايا لقمع نظام الرئيس بشار الأسد أو للفصائل المعارضة له.
وحصل مشروع القرار، الذي صاغته لوكسمبورغ، على تأييد 83 دولة، ومعارضة 11 وامتناع 62 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الجمعية العامة، أبرز الممتنعين بينها عربياً، لبنان ومصر والبحرين والجزائر والعراق والأردن وموريتانيا والمغرب وعُمان والسعودية واليمن والإمارات.
ويشير القرار إلى أنه "بعد 12 عاماً من النزاع والعنف" في سوريا "لم يحرز تقدم يذكر لتخفيف معاناة عائلات" المفقودين.
لذلك قررت الدول الأعضاء أن تنشئ "تحت رعاية الأمم المتحدة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية، لجلاء مصير ومكان جميع المفقودين" في سوريا.
ويشير النص إلى أنه سيتعين عليها أن تضمن "المشاركة والتمثيل الكاملين للضحايا والناجين وأسر المفقودين"، وأن تسترشد بنهج يركز على الضحايا.
لكنه لا يحدد طرائق عمل هذه المؤسسة التي سيتعين على الأمين العام للأمم المتحدة تطوير "إطارها المرجعي" في غضون 80 يوماً بالتعاون مع المفوض السامي لحقوق الإنسان.