في مقالة حول تجديد التفويض لتمرير المساعدات الإنسانية في مجلس الأمن، كتب مدير منظمة الخوذ البيضاء، رائد الصالح، الآتي:
ستنتهي صلاحية التفويض الذي منحه مجلس الأمن لمرور المساعدات الأممية من تركيا إلى سوريا في العاشر من تموز أي في مطلع الأسبوع المقبل، بيد أن تجديد التفويض هذه المرة ليس بمضمون بأي حال من الأحوال، إذ خلال عملية التصويت على تجديد التفويض خلال شهر كانون الثاني الماضي، أعلنت روسيا بأنها لن تصوت من جديد إلا في حال تغيير مقاربة تزويد سوريا بالمساعدات الإنسانية.
وهذا ليس بجديد، فقد سبق لروسيا أن عرقلت قرارات أممية معنية بالمساعدات لكونها حليفاً مقرباً من نظام بشار الأسد، كما أن لديها مصلحة كبيرة بالحد من المعونات التي تدخل إلى سوريا، إذ تدعي بأن السماح للأمم المتحدة بإدخال المساعدات عبر الحدود من دون إذن من الأسد يقوض سيادة الدولة السورية.
عندما تم تمرير التفويض الأول لتمرير المساعدات عبر الحدود بموجب قرار أممي في عام 2014 أي بعد مرور أربع سنوات على الحرب السورية، كان الهدف حماية مرور المساعدات الإنسانية من الوصول إلى قبضة نظام الأسد بما أنه يستخدم المساعدات كسلاح حرب. ولكن الهامش الإنساني أخذ يتقلص عاماً بعد عام، وذلك لإصرار روسيا على تقليص عدد المعابر الحدودية التي تمر المساعدات الأممية عبرها من أربعة إلى واحد، ليقتصر الأمر على معبر باب الهوى، وعلى فترات أقصر تفصل بين تجديد الترخيص، إذ قلصت روسيا المدة من سنة إلى ستة أشهر.
وطوال تلك الفترة، واصلت نسب المعاناة الإنسانية ارتفاعها في أجزاء من شمال غربي سوريا حيث لا يسيطر النظام، إذ يقدر أن هنالك نحو 3.3 ملايين نسمة يعانون من حالة انعدام الأمن الغذائي، و1.9 مليون نسمة يعيشون في المخيمات. وخلال هذا العام، صرحت الولايات المتحدة بضرورة تجديد تفويض تمرير المساعدات عبر الحدود لمدة سنة كاملة، على أن يشمل ذلك معابر ثلاثة بينها معبران فتحهما الأسد مؤقتاً بعد الزلزال المدمر الذي وقع في شهر شباط، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ظهور مستويات غير مسبوقة من الحاجة للمساعدات عقب وقوع الزلزال.
إلا أن الشكوك التي تحيط بعملية تمرير المساعدات الإنسانية والتي ترتبت على الحاجة لتجديد التفويض والنقاشات التي دارت حول قرارات مجلس الأمن تمثل تحدياً كبيراً للمنظمات الإنسانية العاملة في شمال غربي سوريا.
منظمة الخوذ البيضاء منظمة محلية ولهذا فإن الانقطاع المرجح للمساعدات الأممية لا بد أن يؤثر على عملياتنا بصورة مباشرة، بما أننا نستطيع استخدام المعابر الحدودية التجارية لتلبية احتياجاتنا، فإنه ما تزال لدينا مصلحة في تجديد التفويض الأممي، وذلك لأن المنظمات غير الحكومية المحلية والتي تشمل الخوذ البيضاء من المرجح أن تقوم بملء الفراغ الذي سيترتب على انسحاب وكالات الأمم المتحدة.
والمحزن في الأمر هو أننا لسنا بحاجة لتخيل أي فكرة مضادة ونحن نفكر بالأثر الذي سيخلفه وقف الدعم الأممي.
تعطل معبر باب الهوى بشكل مؤقت بسبب الدمار الذي أحدثه الزلزال في مطلع شهر شباط الفائت، الأمر الذي تسبب بانقطاع المساعدات الإنسانية عن الملايين في شمال غربي سوريا، ولم تصل الشاحنات إلى المنطقة إلا بعد مرور ثلاثة أيام على الزلزال، حيث حملت في البداية لوازم كان من المفترض أن توزع قبل الزلزال.
لم يكن بوسع المنظمات المحلية حينئذ تقديم الاستجابة الطارئة عند وقوع الزلزال، أو عند استمرار الأزمة في شمال غربي سوريا، من دون دعم دولي، وأشك في قدرة دول كثيرة على ذلك. ولهذا فإننا بحاجة لشراكة مع وكالات أممية تضع تمويلاً وبرامج من أجل شمال غربي سوريا، وذلك في حال تمكنت من العمل بموجب التفويض الممنوح لها بعيداً عن أي تسييس.
تدرك روسيا ومعها نظام الأسد بأنه لا يمكن لشيء أن يحل محل المساعدات الأممية من حيث الحجم والنطاق، ولذلك سعى الطرفان للاستفادة من استمرار وصول المساعدات عبر الحدود في سبيل الحصول على تنازلات تدعم النظام. فمن خلال مجلس الأمن، تسعى روسيا والنظام للحصول على مزيد من أدوات السيطرة التي تتيح للنظام فرصة مواصلة سرقة أموال المساعدات، والتحكم بمسار تمرير المساعدات عبر نقاط العبور بين مناطق النظام والمعارضة في شمال غربي سوريا، وإلباس مشاريع إعادة الإعمار لبوس مشاريع التعافي المبكر.
ويهدف هذا التلاعب لدعم مؤسسات النظام (وسجونه)، واستعادته لشبكاته ومؤسساته الأمنية، إلى جانب دعمه في عملياته العسكرية، فقد شهدنا ذلك خلال الفترة التي أعقبت الزلزال، من خلال دبلوماسية الكوارث، عندما حاول نظام الأسد تقديم نفسه كسلطة أساسية تقوم بمهام التنسيق بالنسبة للاستجابة المخصصة للزلزال، على الرغم من سجله الموثق في مجال التلاعب بالمساعدات الإنسانية.
ويتضح هذا الأسلوب المتلاعب أيضاً من خلال إصرار روسيا بشكل متواصل على اعتماد مفرداتها الخاصة بالمساعدات التي تمر عبر نقاط العبور من مناطق سيطرة النظام إلى قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالمساعدات التي تمر عبر الحدود، لأن النظام لو رغب بحق في تقديم الاستجابة للاحتياجات في الأجزاء الخارجة عن سيطرته في البلد، لتدفقت المساعدات من دمشق إلى مختلف أرجاء سوريا، ابتداء من الركبان جنوباً وصولاً إلى إدلب والرقة في الشمال السوري، بيد أنه لم تنفذ سوى عملية واحدة لتسليم المساعدات عبر نقاط المرور من مناطق النظام إلى شمال غربي سوريا منذ وقوع الزلزال، وذلك خلال الفترة التي بدأت فيها مرحلة التفاوض على تجديد التفويض بموجب قرار من مجلس الأمن.
ضرورة إنهاء تسييس روسيا للمساعدات
ما يزال الشعب السوري في شمال غربي سوريا يتعرض للقصف والقذائف، إذ خلال الشهر الماضي، شهدنا غارة جوية روسية شنيعة استهدفت منطقة قريبة من سوق للخضراوات بمدينة جسر الشغور، قتل بسببها تسعة أشخاص وأصيب 61 آخرون.
وفي ذلك دليل آخر يذكرنا بأنه بعيداً عن الضرر الواضح الذي سيصيب المدنيين في حال وقف الأمم المتحدة لأعمالها عبر الحدود لتصل إلى شمال غربي سوريا، فإن الأثر المعياري للوضع الراهن مزعج أيضاً، وذلك لأن تسييس المساعدات التي تنقذ أرواح الناس لا يقل خطورة عن الهجمات العسكرية، وفي ذلك إهانة مباشرة للقانون الإنساني الدولي وللمبادئ الإنسانية، ولهذا أود لو تتحرر وكالات الغوث الأممية من النفوذ السياسي للنظام وللدول الأعضاء في مجلس الأمن حتى تتمكن من أداء عملها وتقديم المساعدات بناء على مستوى الحاجة.
ولهذا السبب يصبح الدور الذي تلعبه روسيا في مجال صناعة القرار الإنساني مبهماً جداً في نظري، إذ من الصعب أن نصدق بأنها بعد الفظائع التي ارتكبتها في سوريا والآن في أوكرانيا، عدم طرح الدول الأعضاء في مجلس الأمن حلاً لمشكلة تمرير المساعدات تستبعد من خلاله روسيا.
إن المجتمع المدني السوري والمحامين الأجانب وكثيراً غيرهم يدركون بأن الآلية الحالية التي يتبعها مجلس الأمن ما هي إلا مجرد أساس وحيد تعتمد عليه الدول والوكالات الأممية لتمرير المساعدات عبر الحدود، بيد أن توزيع المساعدات التي تنقذ أرواح الناس ليس بأمر مخالف للقانون، وعندما تستدعي الحاجة، لن يتطلب الأمر تفويضاً من قبل مجلس الأمن أو من قبل أي جهة أخرى، وذلك لأن الحصول على المساعدات الإنسانية مع حفظ كرامة الإنسان ومن دون أي تسييس يعتبر من الحقوق الأساسية للمحتاجين.
ولهذا أتمنى أن يجيز مجلس الأمن للأمم المتحدة استخدام المعابر الحدودية الثلاثة لمدة سنة بحلول العاشر من شهر تموز الحالي.
ولكن ماذا بعد؟ لقد حان الوقت لتخرج الدول بحل أكثر استدامة لصالح شمال غربي سوريا وبقية العالم، فنحن بحاجة للوصول إلى كل المحتاجين طالما بقوا بحاجة. كما علينا حماية المساعدات الإنسانية من مزيد من التسييس والتلاعب، قبل أن يطوي النسيان مبادئنا.
المصدر: The New Humanitarian