تصاعد الجدل بين الجهاديين في إدلب حول الخلية الأمنية المسؤولة عن تتبع أحد قادة تنظيم "حراس الدين" ويدعى عبد الحميد مطر "أبو عبد الله الرقاوي" الذي قتله التحالف الدولي أواخر شهر تشرين الأول الماضي بعد أن استهدفته غارة جوية نفذتها طائرة مسيّرة من طراز MQ-9 في أطراف بلدة سلوك التابعة لمنطقة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، وهي جزء من منطقة "نبع السلام" التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية.
ويتهم "حراس الدين" زعيم تحرير الشام "أبو محمد الجولاني" وعضو مجلس الشورى الجهادي العراقي "أبو ماريا القحطاني" بتقديمهما معلومات عن مطر لقوات التحالف والخلية الأمنية المتعاونة معهم شمالي الرقة، وتتداول حسابات تابعة للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي معلومات عن خلية التحالف، كأسماء أهم أعضائها وأماكن انتشارهم وتحركهم وطريقة تنسيقهم لعمليات التتبع والملاحقة، ودور كل من "الجولاني" و"القحطاني" في تسهيل عمليات الملاحقة والاستهداف التي تطول قادة بارزين في الحراس وفي باقي التنظيمات المطاردة.
عبد الحميد مطر.. "قيادي كبير في القاعدة"
لم يكن الجهادي عبد الحميد مطر مجرد عنصر عادي في صفوف تنظيم "حراس الدين"، بل كان المسؤول العام عن العمليات "خلف خطوط العدو" في المنطقة الشرقية (محافظات دير الزور والرقة والحسكة)، وهي استراتيجية أعلن التنظيم عن انطلاقتها منذ بداية العام 2021 ضد قوات النظام وحلفاؤه، ويعتبر مطر أحد المقربين من الجهادي الأردني خالد العاروري "أبو القسام الأردني" الذي قتله التحالف باستهداف جوي عبر طائرة مسيرة قرب جامع شعيب في مدينة إدلب في شهر حزيران من العام 2020، وكان أبو القسام يشغل منصب نائب الأمير العام في "حراس الدين".
لم ينشر التنظيم أي صورة لعبد الحميد مطر "أبو عبد الله الرقاوي"، ومن غير المؤكد إن كان هو ذاته قائد كتيبة معاوية بن أبي سفيان التي تأسست في ريف الرقة في العام 2012، وتتبع لجبهة الأصالة والتنمية، والتي شاركت في معارك السيطرة على مدينة الرقة الى جانب أحرار الشام وجبهة النصرة وغيرها من الفصائل في ذلك الوقت، ويعزز الفرضية أن معظم الكتائب المستقلة في الرقة قد انضمت إلى جبهة النصرة قبيل ظهور "تنظيم الدولة" وصدامه مع النصرة التي غادرت الرقة نحو مناطق شمال غربي سوريا ومعها "مطر" الذي عمل في قطاع حماة التابع للنصرة، ثم انشق عنها مع جماعة المتشددين الرافضين لقرار فك الارتباط بتنظيم "القاعدة".
غادر "مطر" إدلب في الربع الأخير من العام 2020، أي بعد فترة قصيرة من مقتل "العاروري"، وبعد أن ضاق الخناق على قادة "حراس الدين" بسبب الحملة الأمنية التي شنتها تحرير الشام ضدهم، والتي كانت أكثر تركيزاً في النصف الثاني من العام 2020، أي بعد إعلان التنظيمات ومن بينها الحراس عن تأسيس "غرفة عمليات فاثبتوا"، الغرفة التي كانت بالنسبة للتنظيمات وعلى قائمتها "حراس الدين" بمنزلة القشة التي من المفترض أن تنقذهم من سطوة تحرير الشام.
مصادر جهادية متطابقة قالت لموقع "تلفزيون سوريا" إن "قيادة حراس الدين سلمت قيادة العمليات خلف الخطوط لأبو عبد الله الرقاوي (عبد الحميد مطر) في مناطق شرقي سوريا بحكم معرفته بجغرافية المنطقة وعلاقاته الواسعة فيها، فهو ابنها بطبيعة الحال، وكان أول اختبار لمطر في فجر اليوم الأول من العام 2021، عندما تم استهداف مدخل القاعدة الروسية في تل السمن شمالي الرقة".
وعن الطريقة التي وصل فيها "مطر" إلى منطقة عملية "نبع السلام" شرق الفرات قادماً من إدلب، قالت المصادر إن "هناك فرضيتين، الأولى انضمامه إلى واحدة من الفصائل المعارضة التي ينحدر عناصرها من محافظتي دير الزور والرقة، وهذه الفصائل تجري عمليات تبديل دورية لعناصرها الموزعين على مناطق غرب وشرق الفرات (درع الفرات ونبع السلام)، والفرضة الثانية وصوله عبر ممرات التهريب المنشرة بكثرة على خطوط التماس بين الفصائل وقسد في ريف حلب، ومن السهل على "مطر" عبور مناطق سيطرة قسد في منبج والرقة وصولاً إلى نبع السلام فهذه المناطق يغلب فيها التركيبة العشائرية للسكان، ولديه علاقات واسعة فيها تمكنه من التحرك وعبور خطوط التماس".
مقتل مطر وخلية التحالف
قال المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية، الرائد جون ريغسبي، في بيان له في 23 من تشرين الأول الماضي، إن ضربة جوية أسفرت عن تصفية القيادي البارز في تنظيم "القاعدة" عبد الحميد المطر.
وأوضح أن الغارة الجوية نفذتها طائرة مسيّرة من طراز MQ-9، وأنه لا تتوافر معطيات عن إصابات بين المدنيين، ووقع الاستهداف في بلدة سلوك بريف الرقة، بحسب ما أوضحته القيادة.
أصدر التنظيم بيان تعزية بمقتل "مطر" الذي وصفه بمسؤول العمل خلف الخطوط في المنطقة الشرقية.
تداول أنصار تنظيم "حراس الدين" في موقع تلغرام تسجيلاً صوتياً مسرباً لعناصر الخلية الأمنية التابعة للتحالف الدولي، والتي كانت وراء اغتيال المسؤول عن ملف العمليات "خلف الخطوط" في المنطقة الشرقية عبد الحميد مطر، وتضم الخلية عدداً كبيراً من العملاء، بينهم حج سليم الخالد، والمنسق عبيد الشعيبي، وأكثر من 20 عضواً في الخلية موزعين على عدة مناطق في أرياف دير الزور والرقة وحلب وإدلب والحسكة.
#خطير
— 𖤓ᵂˢᴱᴱᴹ𖤓🎭 1️⃣ (@WM_FREESYR) November 2, 2021
إكتشاف أكبر خلية تجسس تابعة للأمريكان في منطقة #نبع_السلام ( #تل_أبيض - #رأس_العين )
والتي عملت على إرسال تقارير ومواقع قيادات ومقرات #الجيش_الوطني في #نبع_السلام و #درع_الفرات
ونفذت عملية إستهداف القيادي في حراس الدين #عبد_الحميد_المطر في #سلوك و استهداف العنصر في الفرقة pic.twitter.com/DOWBkMZZcn
ووفق اتهامات الحراس فإن كلاً من زعيم تحرير الشام "أبو محمد الجولاني" والجهادي العراقي "أبو ماريا القحطاني" كانا متعاونين مع الخلية والتحالف الدولي وقدما معلومات حول "مطر" وانتقاله من إدلب إلى ريف الرقة الشمالي ومكان سكنه".
أنصار التنظيم قالوا إن "العناصر الأمنية التابعين للقحطاني بحثوا عن مطر بعد مغادرته إدلب، وبدؤوا يسألون جيران بيته السابق وأهل المنطقة بأي وقت غادر بيته وما السيارة التي نقل أغراضه فيها وهل تعرفون أين وجهته"، وبحسب أنصار التنظيم، كانت العلاقة بين "مطر" و"القحطاني" متوترة منذ سنوات، بعد أن كشف "مطر" خيانة "القحطاني" الذي كان يلتقط صوراً لسيارة "أبو القسام الأردني" نائب زعيم التنظيم وموقع سكنه، وذلك في الفترة التي سبقت التوتر بين تحرير الشام والتنظيم.
استفزاز الهيئة
أثارت اتهامات "حراس الدين" غير الرسمية لزعيم تحرير الشام "أبو محمد الجولاني" و "أبو ماريا القحطاني" الجدل بين الجهاديين في إدلب، وكانت الاتهامات فرصة للجهاديين المستقلين وأعضاء الجماعات المنحلة لينظموا حملة إعلامية ضد تحرير الشام وزعيمها، وركزوا بشكل أكبر على "القحطاني" الذي اعتبروه خائناً، وبأنه متهم بالعمالة منذ أن كان في مناطق جنوبي سوريا وشرقيها.
اتهامات الحراس استفزت تحرير الشام التي شنت حملة مضادة ضد من وصفتهم بالتكفيريين الغلاة، وداعمي "الخوارج"، وبدأ قادتها البارزون وأنصارها الترويج لشخص "القحطاني" باعتباره قائداً فذاً، وعالماً ومجاهداً بحسب وصفهم.
وقال أسامة العدني وهو أحد المقربين من "القحطاني": "سخروا أقلامهم التي يسيل قيحها في الطعن والافتراء على الشيخ الحبيب وتركوا الطواغيت الذين هم أساس كل بلاء هنا نعلم أن ضرباتك أوجعتهم وكلماتكم آلمتهم، فامض لا تلتفت للوراء طريقك قد خضبته الدماء، فالغلاة هم مطايا الطغاة".
القيادي في تحرير الشام عبد الرحمن منصور رد بمنشور في تلغرام: "تناقلت أبواق عصابة حراس الدين بعض الفيديوهات التي تتهم قيادات من تحرير الشام بالتخابر لصالح التحالف وتعقبها أبو عبد الله الرقاوي". يضيف "إلى عصابة الحراس الأولى أن تبحثوا عن الخونة والعملاء بين صفوفكم وكفاكم حماقة باستغلال التحالف لكم بالإيقاع فيما بينكم وهتك أسراركم وإيقاعكم في مكائده بغبائكم الواضح الفادح وتهيئة الجو المناسب له بزرع العديد من ضعيفي النفوس في صفوفكم"