ملخص:
-
مصطلح "التحديث السلطوي" وظهوره: ظهر مصطلح "التحديث السلطوي" لأول مرة عام 2007 في سياق مواجهة الأنظمة السلطوية لتحديات التحول الديمقراطي بعد الحرب الباردة والعولمة.
-
التحديث السلطوي في سوريا: أدى التحديث السلطوي في سوريا إلى تناقضات داخل النظام، حيث حاول النظام إدخال نخب جديدة وتعزيز الرأسمالية، لكن هذه الإصلاحات لم تكن كافية لحل التناقضات الداخلية. بعد الثورة، ارتبط التحديث بالعنف واستعان النظام بميليشيات للحفاظ على سلطته.
-
مستقبل الحل في سوريا: يُظهر النظام السوري قدرة على التكيف والتعلم للبقاء في السلطة، ويعتمد على التحالفات الإقليمية والدولية. التوجه نحو "التكيف السلطوي" يشير إلى أن النظام يشعر الآن براحة نسبية، مع التركيز على ضبط بعض الملفات الحساسة إقليمياً والانتقال من تغيير النظام إلى تغيير سلوكه.
عاد مصطلح "التحديث السلطوي" إلى الواجهة مجدداً في ظل موجة التطبيع العربي الأخيرة مع نظام الأسد، والحديث عن تطبيع إقليمي وأوروبي وتغيير سلوك النظام بدلا من تغييره.
ووفق هذه المعطيات فتح برنامج "منتدى دمشق" نقاشاً حول المصطلح الذي ظهر لأول مرة عام 2007 من خلال دراسة أعدها ستيفن هايدمان نائب رئيس معهد السلام الأميركي USIP بعنوان " تحديث السلطوية في العالم العربي".
نشأة مصطلح "التحديث السلطوي"
وخلال مشاركته في البرنامج، قال عبيدة غضبان الباحث في دراسات الحرب إن المصطلح ارتبط بداية بالتحديات التي واجهتها النظم السلطوية خلال الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي في العالم الثالث بعد انتهاء الحرب الباردة، وهذا التحدي بالإضافة لتحدي العولمة دفعت النظم السلطوية لمحاولة الاستفادة من الفرص التي تتيحها السوق المفتوحة العالمية ومحاولة احتواء موجة الديمقراطية فقامت بنوع من التهجين للتكيف وإدخال عناصر من السلطوية بشكلها المجرب مع عناصر أخرى تعتمد على اقتصاد السوق ورأس المال العالمي وتفعيل المجتمع بشكل أكبر، وهو ما سماه الباحث رايموند هينبوش بالسلطوية ما بعد شعبوية من خلال تجاوز الخطاب الإيديولوجي القومي وتغيير الخطاب والقاعدة الجماهيرية للنظام مع إدخال عناصر اقتصادية وسياسية أخرى، والتحول من نظام سلطوي صلب إلى نظام أكثر مرونة.
من جانبه أوضح الدكتور عزام القصير الباحث وأستاذ العلوم السياسية في جامعة لندن بأن "التحديث السلطوي" لم يكن فقط استجابة لمطالبات الولايات المتحدة أو الضغوط الغربية، بل هو تقاطع مجموعة من الضغوط الداخلية والخارجية. ومنتصف التسعينات كان هناك حديث عن الاستعصاء الديمقراطية في العالم العربي بعد موجات التحول الديمقراطي، وبقي العالم العربي مستثنى من هذا التحول فتم طرح سؤال محوري بالدوائر الأكاديمية والسياسية عن سبب عدم وصول هذه الموجات للعالم العربي، وكيف تجنبت الأنظمة العربية هذا الموضوع، وإحدى الإجابات كانت هذه النظرية التي أكدت على "التكيف السلطوي" الذي أخذ عدة أشكال، وكان استجابة لعدة ظروف وليس بسبب ضغوط أميركية فقط، لكن سياق ما بعد غزو العراق كان سياقاً مهماً لفهم هذا التحول.
وبحسب القصير فإن العقبة الأساسية أمام التحول الديمقراطي كانت الأنظمة الحاكمة، فبعد الغزو الأميركي كان السياق هو نقل الديمقراطية وتم طرح اسم سوريا كأحد الدول التي يمكن أن يحصل بها تدخل قسري لتغيير النظام برمته، لكن النظام السوري ومعه مجموعة من الأنظمة استبقوا هذا الموضوع وبدؤوا بإجراء مجموعة من التحولات لكنها كانت تحولات مضبوطة ومفرغة من محتواها الحقيقي كالانتخابات الشكلية، ومنظمات المجتمع المدني التابعة بشكل كامل للسلطة وللنظام السياسي، أما في الشق الاقتصادي فحصلت لبرلة اقتصادية بضغوط أوروبية وأميركية بالإضافة لثورة المعلومات التي كانت استجابة للعولمة العالمية، لكن بقي الجوهر السلطوي محمياً من أية تغيرات.
"التحديث السلطوي" وثورات الربيع العربي
يرى عبيدة الغضبان أن "التحديث السلطوي" في سوريا خلق مجموعة من التناقضات داخل النظام، لأن أحد عناصر هذا التحديث كانت تقتضي دخول نخب جديدة لتتعامل مع التغيرات والتحديثات السياسية والاقتصادية، وهو ما سماه الدكتور عزمي بشارة بخلفنة النظام (رامي مخلوف)، وأصبحنا نرى خليطاً من رأسمالية المحاسيب مع حالة أمنية وعائلية، هذا ترافق مع صعود نخب جديدة أو ما يعرف بـ "الحرس الجديد" الأكثر انفتاحا لتطبيق هذه السياسات وكانوا من قواعد شعبية مختلفة، هذه التناقضات كانت موجودة في بنية النظام، ولم تكن الإصلاحات كافية لحل هذه التناقضات كونها لم تكن مرضية لبعض شرائح النظام التقليدية.
وأضاف الغضبان أن النظام لم يكن يتوقع حصول أي الثورة وهو ما بدا في حديث بشار الأسد قبل شهر من الثورة والتي قال فيها "إنهم طوروا المجتمع والاقتصاد" والذي اعتقد بأنه سيكون كافياً لعدم اندلاع ثورة في سوريا، لكن التحديث السلطوي والذي كان الهدف الرئيسي له هو إصلاح أو تجنب نقاط ضعف النظم الشعبوية السابقة من خلال محاولات تنمية عن طريق الدولة فشلت، بسبب الفساد وفقدان الرغبة.
وأشار إلى أن النظم السلطوية حاولت التعلم وتكرار تجربة النظام الصيني من خلال الفصل بين الليبرالية الاقتصادية والديمقراطية ومن خلال التعلم السلطوي، لكن تسبب هذا التحديث بتوسيع شريحة المتضررين لصالح طغم ونخب أصغر، حيث ظهرت نخب جديدة على حساب تضرر القسم الأكبر من المجتمع وازداد سوءاً مع موجة الجفاف التي ضربت سوريا، وتحول الاقتصاد من شكله القديم إلى الاقتصاد الليبرالي التجاري.
أما بعد الثورة فيرى الغضبان أن التحديث كان مرتبطاً بالعنف بالدرجة الأولى وما حصل هو حالة لتحديث أحد عناصر هذه السلطوية ألا وهو العنف، فالسلطة هي خليط، وأحد عناصرها الأساسية هو العنف، وتم استخدام وسائل غير تقليدية من خلال تصدير العنف لعناصر خارجية مثل الميليشيات والشبيحة، فبعد أن فشل الجيش في السيطرة على الثورة استعان بالميليشيات من خلال تحديث سلطوي عسكري أمني كالشبيحة والميليشيات بالإضافة للعلاقة مع الخارج.
بدوره قال عزام القصير إن السوريين استنفذوا كل مجالات التغيير إلا من خلال الثورة، بعد أن استنفذ النظام كل حيله شأنه شأن كل الدول الاستبدادية والتي هي في جوهرها أنظمة مخابرات وجيش تمسك بزمام السلطة والتغييرات لن تتعدى إطارها الشكلي فقط، ومع أول استحقاق عاد النظام لممارساته غير المنضبطة للعنف وعدم السماح لأي نوع من المشاركة السياسية، وأشار إلى أن النظام نجا حتى الآن على الأقل ليس بسبب تكيفات شكلية، لكن بسبب كونه نظاما قمعيا يعتمد على الخوف والتحالفات مع نظم إقليمية ودولية كروسيا وإيران.
"التحديث السلطوي" ومستقبل الحل في سوريا
في هذا الإطار يؤكد الغضبان على وجود خلل في النظام السياسي العالمي من خلال فكرة أن صاحبة الشرعية هي الدولة، وهي القادرة على احتكار العنف بغض النظر عن كيفية حيازة هذه الشرعية هل كانت بطريقة شرعية أم من خلال العنف؟ لذلك مشكلة النظام العالمي هو أنه قائم على الدول وليس على التنظيمات الاجتماعية، لذلك فإن الدولة هي القوة المنظمة التي تحتكر العنف وتكون قادرة على الجلوس بالمحافل الدولية بغض النظر عن علاقتها مع مجتمعاتها ومحكوميها، هذا الخلل انعكس بشكل أو بأخر على مفهوم التحديث السلطوي من خلال التركيز على الدولة فقط بوصفها فاعلاً عقلانياً، ويستثنى الفاعلون الآخرون بغض النظر عن كونهم عنيفين أو غير عنيفين خشية من الفوضى.
كما أشار إلى أن أكبر قدرات النظام السوري هي قدرته على التكيف والتعلم وهو ما ظهر خلال الحرب الإسرائيلية على غزة من خلال البحث عن آليات تساعده على البقاء، واستعداده لأن يفعل أي شيء للبقاء، حتى لو كان ذلك التضحية واستبعاد أي شخص مقرب منه كما حصل مع رامي مخلوف ما دام ذلك يساعده على التماسك.
من جانبه أوضح عزام القصير أن الأنظمة العربية تلجأ للتكيف عندما تكون مرتاحة ولا يكون هناك تهديد وجودي لهذه الأنظمة، قبل الربيع العربي كان هناك هامش من الحركة بالنسبة للأنظمة، فالمجتمع مضبوط نوعا ما وقواعد اللعبة السياسية محترمة من خلال الإجبار، ونتيجة هذا الارتياح كان هناك قدرة للتكيف السلطوي من خلال إجراء بعض التغييرات الشكلية كالانتخابات، لكن عندما كان هناك تهديد وجودي لهذه الأنظمة تراجعت مسألة التكيف السلطوي وأصبح هناك واقع تعاملت معه الأنظمة من خلال العنف، ووفق هذه المعادلة فإن التحول باتجاه التكيف السلطوي في هذا الوقت يعني أن نظام الأسد بات مرتاحا نوعا ما، ولم يعد هناك تهديد وجودي، خاصة في ظل الانتقال من مرحلة تغيير النظام إلى تغيير سلوك النظام وضبط بعض الملفات الحساسة إقليميا كالكبتاغون، وربما التفاوض مستقبلا من أجل إدخال بعض العناصر من المعارضة في الحكومة والعملية السياسية.