يوم واحد يفصلنا عن استئناف العمل بنورد ستريم 1 في حال صدقت روسيا بوعودها كون الخط كان تحت عمليات صيانة منذ أيام، أما أوروبا فوقعت في فخ زيادة التضخم الاقتصادي الذي أودى بعملتها لأسعار غير مسبوقة، إذ وصل اليورو إلى 0.9998 أمام الدولار لأول مرة منذ عام 2002، فهل هي مفاجأة للاتحاد الأوروبي أم أنه متوقع بعد الحرب الروسية على أوكرانيا؟، وهل هذا ما وعدت به روسيا أساساً بأنها ستبقي على أوروبا بلا غاز؟.
سألنا عن الاقتصاد الأوروبي وما الذي سيؤول إليه على المديين القريب والبعيد في حلقة هذا الأسبوع من الثلاثاء الاقتصادي لضيفنا الدكتور عبد اللطيف درويش أستاذ الاقتصاد وإدارة الأزمات الذي قال إن ما حصل مفاجأة لأن دول الاتحاد الأوروبي لم تتوقع استمرار المعركة في أوكرانيا وإن العقوبات المفروضة أوروبياً وأميركياً على روسيا ستوقفها عند حد معين إلا أن روسيا هي التي استوعبت الصدمة ولم تأت العقوبات بنتائج مناسبة بل إنها انقلبت على أوروبا التي لم تفكر بالبدائل قبل الخوض في العقوبات وقطع العلاقات حتى النهاية، وإذا استمرت الأمور بهذا السياق لن تستطيع أوروبا السيطرة خاصة بعد انتهاء فصل الصيف، بعد نسب التضخم العالية بأغلب الدول كاليونان وألمانيا التي ستؤدي لتداعيات تراجيدية وإسقاط حكومات كما يحصل في إيطاليا بسبب تردي الوضع الاقتصادي الشديد، فهل يستطيع البنك المركزي تدارك هذه الأزمة بشكل سريع؟.
يرى الدكتور درويش أن رفع سعر الفائدة ليس مفيداً دائماً لأنه يقضي على الشركات الناشئة والصغيرة بالحصول على قروض رخيصة وبالتالي هروب رؤوس الأموال الذي سيزيد المشكلات المالية بل يجب الإكثار من التصدير الذي سيكون سبيلا لكسب المرابح بسبب هبوط قيمة اليورو لكون الاستيراد سيكون بالدولار، وهذا دور الحكومات التي يجب أن تشجع الإنتاج، فالسبب الرئيسي لانخفاض قيمة العملة الأوروبية هو الاستهلاك والإنفاق العالي على اللاجئين والعملية العسكرية وهجرة رؤوس الأموال وسوء إدارة الأزمة الأوكرانية وليس فقط إجراءات الفدرالي الأميركي برفع الفائدة وارتفاع أسعار النفط.
أما عن عودة عمل نورد ستريم 1 فيعلق ضيف الثلاثاء الاقتصادي الدكتور عبد اللطيف أن الروس بدوا استراتيجيين أكثر وأبدعوا بإدارة العملية الاقتصادية وهم المتحكمون بأسعار الطاقة حتى الآن وستعود بإعادة الضخ لكونها هي الرابح بكل الحالات.
أما عن وجهة النظر الأميركية فيرى الدكتور درويش أنها قامت بلعبة استراتيجية لإبقاء روسيا خارج أوروبا، وأميركا في أوروبا، وألمانيا تحت السيطرة، فهي كسرت العلاقات التجارية التي أسستها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والتي وصلت إلى مليار يورو في اليوم في مجال الطاقة والمعادن واستثمارات الأفراد وبهذا نجحت أميركا بإضعاف الدول حتى الصديقة، لكنها على المدى البعيد هي خاسرة لكونها مهدت لتشكل قطب جديد بين روسيا والصين وربما أقطاب جديدة ستخلق للمنافسة الأميركية، فهل ستستغل دول الاتحاد الأوروبي هذه الأزمة للتخلص من الهيمنة الأميركية والبحث عن قطب جديد للتحالف معه؟.
يقول ضيفنا إنه إذا لم تظهر قيادة جديدة في دول الاتحاد الأوروبي بانتخابات مبكرة وقيادة فعالة لن ينجح الاتحاد الأوروبي من النهوض بهذه الأزمة بلا وجود رأس يقود الدول الأوروبية ويرسم علاقات جديدة أوروبية – روسية، أوروبية – صينية، أوروبية – إيرانية، والتي هي أطراف متصارعة مع أميركا بطبيعة الحال.
أحد الحلول التي تحدثت بروكسل عنها هي تخفيض استهلاك الغاز والبدء بعملية التقنين بالإضافة إلى وجود بعض الدول التي طرحت نفسها كبديل، مثل قطر والجزائر وأذربيجان وبعض الدول الأفريقية، فهل هي بديل مناسب وكم تحتاج لتعمل وتكون فعالة؟.
يقول الدكتور عبد اللطيف إنه لو درسنا الجدوى الاقتصادية لهذه البدائل فإنها تحتاج إلى بنية تحتية جديدة لكون المواقع الجغرافية بعيدة وتحتاج إلى مد أنابيب بتكاليف مرتفعة إضافة إلى أنه عبء إضافي للاتحاد الأوروبي ولا توجد محطات تسييل بأغلب الدول، حتى مناطق شرق المتوسط لن توفي بالغرض بسبب الصراعات فيها وإن حصل هذا وذاك فستحتاج إلى سنوات عديدة ورؤوس أموال ضخمة.
وأضاف أن هناك سذاجة ببعض الحلول المقترحة كبدائل، مثل أذربيجان وكازخستان، فهي دول تحت الهيمنة الروسية ولذا فروسيا هي المصدر الفعلي وتستطيع أن تقطع الغاز متى شاءت، وهذا ما يثبت استراتيجية روسيا وتكتيك أوروبا وليس العكس كما يشاع.