شهدت محافظة درعا جنوبي سوريا تطورات عسكرية منذ 27 نيسان الفائت عقب نشر النظام السوري نقاطاً عسكرية جديدة في المنطقة الممتدة من مدينة طفس إلى بلدة اليادودة في ريف درعا الغربي، الأمر الذي ألمح له ضباط النظام في اجتماع سابق باحتمالية تصعيد عسكري في المحافظة.
وبسبب عدم التوصل إلى صيغة تفاهمية نهائية في اجتماع عمّان التشاوري، أول أمس الإثنين، اختلفت نبرة مسؤول اللجنة الأمنية والعسكرية بدرعا، اللواء مفيد حسن، في حديثه مع وجهاء المنطقة الغربية بأن انتشار النقاط العسكرية الأخيرة جاءت بشكل اعتيادي بعد ازدياد عمليات الاغتيال والسلب في المنطقة.
إلغاء العمل العسكري أم تأجيله
وأفاد قيادي سابق في فصائل المعارضة بدرعا لموقع تلفزيون سوريا بأن اللواء مفيد حسن تحدث لوجهاء من الريف الغربي بعدم وجود أي نية للتصعيد العسكري في المحافظة، وأن المطالب هي إجراء عمليات تسوية لقياديي وعناصر هيئة تحرير الشام الذين عادوا من الشمال السوري إلى محافظة درعا.
وأضاف أن حسن أبلغ الوجهاء بوجوب كفالة الغرباء المنحدرين من خارج محافظة درعا في كل منطقة بعدم قيامهم بأية عمليات تستهدف قوات النظام، وألمح إلى أن هؤلاء "مدفوعون من قبل تركيا" بهدف التخريب في المنطقة الجنوبية.
وقال القيادي إن مسؤولي النظام كانوا يهددون بالتصعيد في عدد من المناطق في محافظة درعا قبيل اجتماع عمّان التشاوري الأخير، واختلفت نبرة حديثهم بعد الاجتماع مباشرة، الأمر الذي يشير إلى عدم قبول النظام السوري بمطالب الدول العربية.
"كان النظام يريد شن عمل عسكري في درعا بحجة محاربة تجار المخدرات وملاحقة قياديي وعناصر تنظيم داعش وهيئة تحرير الشام بحسب ما أخبر بعض الدول مؤخراً ورفع تقارير لهم حول ذلك" بحسب القيادي.
وذكر المصدر أن هناك مطالب متكررة من قبل الأردن والسعودية للنظام بضرورة ضبط الوضع الأمني في الجنوب السوري، عن طريق وقف عمليات تهريب المخدرات وإنهاء وجود التنظيمات من المنطقة.
وأسفر اجتماع عمّان التشاوري عن نتائج من أبرزها "التأكيد على أهمية اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذ فوري للعودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين ومواجهة الإرهاب والعمل على استئناف أعمال اللجنة الدستورية (السورية) في أقرب وقت ممكن، والاستمرار بالمحادثات التي تستهدف الوصول إلى حل الأزمة السورية، بشكل ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية".
ماذا حدث في اجتماع عمّان؟
من جانبها قالت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا إن اجتماع عمّان لم يحقق أي شيء من مطالب الدول العربية بسبب رفضها من قبل النظام، مشيراً إلى أن وزير خارجية النظام فيصل المقداد خرج من الاجتماع مرّتين لإجراء مكالمات ثم غادر الاجتماع في المرّة الثالثة قبيل انتهائه.
وأضافت المصادر بأن المقداد لم يحضر المؤتمر الصحفي المزمع عقده عقب انتهاء الاجتماع مباشرةً مع وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي.
وتأتي التطورات الأخيرة عقب إنشاء الفرقة الخامسة عشرة التابعة للنظام نقاطاً عسكرية جديدة في مناطق زراعية تفصل بين اليادودة، عتمان، وطفس في السابع عشر من الشهر الفائت.
ولم يستبعد القيادي السابق في المعارضة تضييق الخناق بشكل أكبر من قبل النظام على مناطق اليادودة وطفس وعتمان حتى استكمال المفاوضات العربية، مشيراً إلى احتمالية تأجيل العمل العسكري في الوقت الحالي.
هيئة تحرير الشام في درعا
ويدّعي ضباط من النظام السوري في مدينة درعا بوجود ألفي عنصر وقيادي من هيئة "تحرير الشام" في المحافظة، لكن الوجهاء نفوا وجود هذا العدد بدرعا.
وقال الشيخ فيصل أبازيد، وهو خطيب مسجد في درعا البلد وأحد وجهاء المحافظة في خطبة الجمعة الأخيرة، إن مزاعم ضباط النظام بوجود ألفي عنصر لهيئة تحرير الشام بدرعا غير صحيحة، مؤكداً أن وجودهم قليل جداً لا يتجاوز العشرات في المحافظة.
وأضاف أن عودة هؤلاء العناصر والقياديين من الشمال السوري تأتي بعد دفعهم مبالغ مالية كبيرة لضباط من المخابرات العسكرية والفرقة الرابعة وحزب الله اللبناني الذين يتحملون كامل المسؤولية في عودتهم.
وفي التاسع من آذار الفائت قُتل 3 عناصر من شرطة النظام السوري عقب استهداف مجهولين لسيارتهم على أوتوستراد دمشق - درعا بالقرب من بلدة خربة غزالة، وكان بين المهاجمين عنصر يتبع لهيئة "تحرير الشام" وهو عمران سليمان الراجح الملقب بأبو الهيجاء حيط، والذي قتل خلال الاشتباكات التي جرت عقب استهداف دورية الشرطة.
وكان الراجح قد وصل إلى مسقط رأسه قرية حيط غربي درعا منتصف عام 2022 قادماً من الشمال السوري، بحسب مصادر محلية من درعا.
وإلى جانب الراجح وصل عشرات من عناصر وقياديي هيئة تحرير الشام من مناطق شمال غربي سوريا إلى محافظة درعا بعد عقد اتفاق التسوية جنوبي سوريا منتصف عام 2018.
قيادي في المعارضة بدرعا قال لموقع تلفزيون سوريا إن النظام تمكن من إلقاء القبض على عنصرين من هيئة تحرير الشام أحدهما في قرية نمر والآخر في مدينة الحارّة شمال غربي درعا، عادوا أخيراً من الشمال السوري.
وأضاف أن عنصرين آخرين من الهيئة ألقي القبض عليهما خلال تنفيذ عملية اغتيال بحق منتسب لميليشيا حزب الله اللبناني في قرية علما شرقي درعا من قبل أقارب الأخير الذين قاموا بتسليمهما على الفور إلى اللواء الثامن، ومن ثم قام اللواء بتسليم الشابين لجهاز الأمن الجنائي بعد مطالبة ضباط النظام بهم.
وأوضح المصدر بأن ضباط النظام من خلال التحقيق مع عناصر الهيئة وفتح هواتفهم الشخصية تمكنوا من معرفة الطرقات الفرعية التي يتنقل عليها عادةً قادة وعناصر المعارضة بدرعا، ليصار إلى تعزيز بعضها بنقاط عسكرية من قبل قوات النظام والعمل على رفع السواتر الترابية أخيراً.
وشدّد القيادي بأنّ منطقة الجنوب السوري محرجة جداً بالنسبة للنظام السوري أمام الدولة العربية، فعمليات استهداف ضباط وعناصر النظام لا تكاد تتوقف منذ عام 2018، مؤكداً أن عناصر الهيئة وتنظيم داعش ليس لهم النصيب الأكبر من العمليات التي تستهدف النظام في درعا والقنيطرة.
ماذا عن ميليشيات إيران وحزب الله؟
قبل يومين، قال "تجمع أحرار حوران" إن مسيّرة حلقت في سماء مدينة طفس غربي درعا، قرب النقاط العسكرية التي وضعها النظام أخيراً في المنطقة.
وذكر الصحفي سمير السعدي لموقع تلفزيون سوريا أن كلاً من مكتب أمن الفرقة الرابعة وميليشيا حزب الله اللبناني أدخلت خلال الأشهر القليلة الماضية عدداً من الطائرات المسيّرة إلى محافظة درعا، بعضها جرى تعديلها من قبل مهندسين في اللواء 12 بمدينة ازرع.
وأوضح بأن هناك دوراً لميليشيات مدعومة من قبل إيران فيما يجري من تطورات عسكرية أخيراً في محافظة درعا، والتي تستغل الاجتماعات العربية الأخيرة في بسط نفوذها على مناطق جديدة في المحافظة.
وأكد السعدي قدوم قياديين من حزب الله إلى مدينة درعا أخيراً واجتماعهم مع ضباط من النظام السوري وقياديين آخرين متعاونين مع الحزب مثل القيادي وسيم اعمر المسالمة، مسؤول جمعية العرين الممولة من قبل إيران بدرعا.
"عمليات إنتاج المخدرات وتهريبها لم تتوقف من قبل الميليشيات المدعومة من إيران والنظام في درعا، وأصبحت تلك الميليشيات تستخدم تكنيكات جديدة في عمليات تهريب المخدرات والأسلحة بواسطة الطيران المسيّر في الفترة الماضية"، بحسب السعدي.
مكابس المخدرات في درعا والسويداء
وتنتشر عدد من المصانع ومكابس إنتاج المخدرات والحشيش في محافظتي درعا والسويداء، بإشراف من قبل ضباط من الفرقة الرابعة المدعومة من إيران وآخرين من أجهزة النظام الأمنية وحزب الله اللبناني، بحسب الناشط الحقوقي عاصم الزعبي.
وأشار الزعبي، في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن إيران تحاول إغراق المنطقة العربية بالمخدرات، والتي تعود لميليشياتها بعوائد مالية كبيرة تعمل خلالها على تمويل نفسها لإنشاء شبكات جديدة عبر عمليات التجنيد المستمرة لشبان المنطقة بواسطة إغرائهم بالمال والسلاح والبطاقات الأمنية لسهولة حركتهم عبر حواجز النظام العسكرية.
وأضاف أن منطقة الجنوب السوري تعتبر غير آمنة على الإطلاق لعودة اللاجئين من خارج البلاد، فلا تزال المنظمات الحقوقية توثق عشرات الانتهاكات من قبل أجهزة النظام الأمنية والميليشيات الإيرانية بحق أهالي المنطقة، من عمليات الاغتيال المنظّم والخطف والاعتقال ومصادرة الممتلكات الخاصة وفرض الإتاوات.
مشيراً إلى أن كل ذلك يجري في محاولة لتضييق الخناق بشكل أكبر على السكان "بهدف دفعهم لمغادرة المنطقة وحلّ الميليشيات الإيرانية بديلاً عنهم".